الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

تدهور المناخ والأنظمة البيئية يعد بفيروسات عديدة في السنوات المقبلة

المصدر: النهار
علي عواضة
علي عواضة
تظاهرة للتحذير من مخاطر تغيّر المناخ (أ ف ب).
تظاهرة للتحذير من مخاطر تغيّر المناخ (أ ف ب).
A+ A-

يؤدّي تدهور النظم البيئية دوراً كبيراً في انتشار الأوبئة والأمراض، وذلك بسبب ارتباط الصحة البشرية العامة بأحوال الأنظمة الإيكولوجية، وفيها صحة الأنواع (النبات والحيوانات) تحديداً. ويعدّ الضغط الهائل الذي تتعرّض له الطبيعة من جراء النشاط البشري من العوامل التي تعزّزها التهديدات الصحّية على المجتمعات والأنظمة الطبيعية.  

 

إن اتصال الحياة البرّية بحياة الناس اليومية بسبب التمدّد العمراني والبحث عن الغذاء والاتجار غير المشروع بالحيوانات والصيد الجائر، يسهّل نقل الفيروسات من الحياة البرّية والاستيطان بالتالي بين البشر كعدوى تتكرّر على شكل كورونا، سارس، إيبولا، إنفلونزا الطيور، ومتلازمة الجهاز التنفسي في الشرق الأوسط، وجميعها فيروسات حيوانية انتقلت إلى البشر. 

 
 

يُعدّ فيروس كورونا وما رافقه من تدهور للقطاع الصحّي وشلل الحياة الطبيعية منذ تفشّيه في عام 2019 حتى يومنا هذا، عيّنة صغيرة عمّا قد نواجهه في المستقبل القريب إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه من تعدّيات مباشرة على الحياة البرية وتداعيات التغيّر المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، لنصبح أمام خطر حقيقي يهدّد الحياة برمّتها على كوكب الأرض.   

 

التغيّر المناخي وانتشار الفيروسات  

يربط مدير برنامج التغير المناخي والبييئة في معهد عصام فارس د. نديم فرج الله في حديثه لـ"النهار" بين التغير المناخي وصحة الانسان، حيث تتضمن التأثيرات المثبتة للتغير المناخي زيادة في درجات الحرارة والتغير في أنماط هطل الأمطار وحدّة بعض الظواهر الطبيعية التي تؤثر مباشرة في صحتنا عن طريق التأثير في الطعام الذي نتناوله، والمياه التي نشربها، فخلال الأعوام الماضية أدّى الطقس الدافئ أو (الربيع المبكر) إلى تزهير بعض النباتات قبل أوانها، لكن تفقد الزهرة من جراء أيّ عاصفة، وتفقد بذلك الثمرة. ولا تجد الحشرات الملقحة بالتالي زهوراً كافية لتلقيحها في موسم التقليح، الأمر الذي يؤثر مباشرة على الموسم الزراعي وعلى الحشرات الملقحة.

 

من التأثيرات المباشرة للتقلبات المناخية بحسب فرج الله موت العديد من الحشرات التي تتغذى على الأشجار، وأيّ خلل في النظام البيئي سيؤثر مباشرة على صحة الإنسان، وكأننا أمام حجارة الدومينو، يتهاوى الواحد تلو الآخر. 

 
 

وذكر فرج الله بما حصل في بحيرة الكواشرة العكارية قبل سنوات عندما نفقت أعداد كبيرة من الأسماك نتيجة انخفاض نسبة الأوكسجين في المياه بسبب ارتفاع درجة المياه، ما دفع بالسمك إلى الخروج من المياه إلى الهواء لاستنشاق الأوكسجين، وهو ما حصل على الأرجح في بحيرة القرعون عندما نفقت أعداد طائلة من الأسماك داخل البحيرة، إضافة إلى نسبة التلوّث المرتفعة نتيجة رمي النفايات والصرف الصحّي في البحيرة، مما يؤثر مباشرة على الحياة المائية، التي بدورها تؤثر على صحة الإنسان.  

 

تتضمّن سيناريوهات التغير المناخي بحسب مؤسسة فريدريش إيبرت (FES) - من أجل الديموقراطية الاجتماعية، حدوث تغيرات في أنماط انتشار الأمراض المعدية مع ارتفاع درجات الحرارة وكذلك انتشار الأوبئة المرتبط بالظواهر الجوية المتطرفة. نشهد حالياً تغيراً واضحاً في مدى انتشار الأمراض المحمولة عبر الكائنات الناقلة نتيجة للتغير المناخي. أهم أنواع الأمراض ذات الحساسية لتغيرات المناخ هي الأمراض الفيروسية والطفيلية المحمولة عن طريق البعوض مثل فيروس غرب النيل، والملاريا، وحمى الدنج وغيرها.

 
 

كذلك يؤثر التغير المناخي على انتشار الأمراض عن طريق تغيير المدى الجغرافي للكائنات الناقلة وتقليص مدة حضانة الكائنات الممرضة. كما يمكن أن تسهم درجات الحرارة بتغيير نمو الكائنات الناقلة لمسببات الامراض عن طريق تعديل معدلات قدرتها على لسع الضحايا، وكذلك تؤثر درجات الحرارة على ديناميكية المجتمعات في الكائنات الناقلة ومعدلات وجودها بالقرب من البشر. وبالتالي فإن التغير في أنظمة درجات الحرارة يمكن أن يغير طول مدة موسم نقل الأمراض. كما يمكن أن تتكيف الكائنات الناقلة للأمراض مع التغيرات الحرارية عن طريق تعديل مدى انتشارها الجغرافي وتوسعته. 

 

قد تكون إحدى أهم نتائج التغير المناخي هي إمكانية ظهور أو إعادة إطلاق فيروسات وبكتيريا وطفيليات مستجدة. يمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري الى زيادة إمكانية نقل مسببات الأمراض ذات المنشأ الحيواني من حيوان الى آخر، كما يمكن أن يسهم برفع احتمالات انتقال هذه الجراثيم الممرضة ما بين الأنواع المختلفة.

 

بالنسبة للعديد من مسببات الأمراض، تؤدي البيئة المحيطة دوراً كبيراً في نقل الأمراض وبالتالي فإن حدوث تغير في الظروف البيئية كدرجة الحرارة على سبيل المثال قد يؤدي الى تغير نطاق الانتشار الجغرافي والتنوع في السلالات والتغيرات الموسمية لوجود الكائنات الممرضة في الطبيعة، وهذا من شأنه التسبب بظهور انتشارات مرضية جديدة مثل الإيبولا والسارس والميرس وغيرها. 

 

 إن أحد أخطر التهديدات الحديثة التي قد تنتج عن تغير المناخ قد يكون في المناطق المتجمدة، ويأتي التخوف من أن تجمّد المناطق القطبية والباردة لا يمكنه أن يدوم في ظل ارتفاع درجات الحرارة. ففي عام 2015 تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل عينات جليد من هضبة التيبت في الصين بهدف دراسة الكائنات المجهرية التي تعيش في الجليد منذ آلاف السنين لمعرفة وفهم الظروف المناخية والبيئية القديمة التي تمت أرشفتها في الجليد. وجد العلماء أنه خلال آخر 15 ألف سنة احتفظت المناطق الجليدية بعينات من فيروسات كثيرة غير معروفة للعلم الحديث. أظهرت الدراسة وجود 33 مجموعة من أنواع الفيروسات في الجليد منها 28 نوعاً لم يتم اكتشافها ومعرفتها سابقاً ولا توجد أيّ معلومات عن خصائصها البيولوجية وقدرتها على تشكيل خطر على الصحة.

 
 

في كتاب "بريد المناخ" للكاتب خالد سليمان يرى أن "التآكل المستمر في المساحات البرّية التي تفصل البشر عن حياة الحيوانات، سينقل تلك الأمراض التي تؤويها موائل الحيوانات والبيئات الطبيعية إلى البشر. تضاف إلى ذلك عوامل أخرى مثل أسوأ غزو للجراد شمل أجزاءً من أفريقيا والشرق الأوسط عام 2020، إذ تشير جميع البحوث العلمية إلى أن الأمراض الناشئة هي نتيجة طبيعة المتغيرات البيئية الناتجة عن النشاط البشري، كما تشير أوراق علمية كثيرة إلى أن كوفيد-19 ليس سوى وجه من وجوه هذه التغيرات التي لا تتوقف ما لم يتوقف البشر عن إجهاد الأرض".  

 

ماذا يعني التنوع البيولوجي لصحة الإنسان؟  

يعتمد الناس على التنوع البيولوجي في حياتهم اليومية، بطرق لا تكون ظاهرة أو موضع تقدير دائماً. تعتمد صحة الإنسان في نهاية المطاف على منتجات وخدمات النظام الإيكولوجي (مثل توافر المياه العذبة والغذاء ومصادر الوقود). تالياً، يترك فقدان التنوع البيولوجي آثاراً مباشرة وكبيرة على صحة الإنسان، إن لم يعد هذا التنوع قادراً على تلبية احتياجات المجتمعات من مصادر الغذاء والمياه، ما يعود بالضرر على الصحة البشرية والبيئية بالدرجة الأولى، فضلاً عن نتائج سلبية أخرى كالهجرة المحلية والصراعات السياسية من جراء نقص الموارد.  

 

بالإضافة إلى ذلك، يوفر التنوع البيولوجي للكائنات الحية الدقيقة والنباتات والحيوانات فوائد واسعة النطاق في مجالات العلوم البيولوجية والصحية والصيدلانية. تتم اكتشافات طبية ودوائية كبيرة من خلال فهم أكبر للتنوع البيولوجي للأرض. قد يؤدي فقدان التنوع البيولوجي إلى الحد من اكتشاف العلاجات المحتملة للعديد من الأمراض والمشاكل الصحية.  

 

التهديدات التي يتعرض لها التنوع البيولوجي والصحة  

هناك قلق متزايد بشأن العواقب الصحية لفقدان التنوع البيولوجي. تؤثر التغيرات في التنوع البيولوجي على أداء النظام الإيكولوجي ويمكن أن تؤدي الاضطرابات الكبيرة في النظم الإيكولوجية إلى سلع وخدمات النظم الإيكولوجية التي تحافظ على الحياة. يعني فقدان التنوع البيولوجي أيضاً أننا نفقد، قبل الاكتشاف، العديد من المواد الكيميائية والجينات في الطبيعة، من النوع الذي قدّم بالفعل للبشرية فوائد صحية هائلة.  

 

ترى مسؤولة الحملات في غرين بيس كنزي عزمي أن فقدان التنوع البيولوجي يؤثر على صحة الكوكب، وعلى الكائنات المختلفة، نظراً لتواصلنا المباشر. كما يحدث عندما يكون تنوع الجينات منخفضاً في أسرة ويصبح الأفراد أكثر عرضةً للأمراض، الأمر نفسه في الطبيعة، ولكن على نطاق أوسع. النظم الإيكولوجية ذات التنوع البيولوجي العالي تجعل القدرة على مقاومة الأمراض والضغوط البيئية أعلى أيضاً. وعندما تكون الأنظمة الطبيعية أضعف، فذلك يؤثر على أمننا المائي وأمننا الغذائي وحتى صناعة الأدوية لإيجاد علاجات في الطبيعة. أكثر التأثيرات وضوحاً هو التأثير على طعامنا: إذا زُرع طعامنا في تربة غير صحية، فسيكون ناقصاً موادَّ غذائية وهذا يؤثر مباشرة على صحتنا و نظامنا المناعي. وفي نظم الزراعة التقليدية (وهى أكثر انتشاراً لكن أقل استدامة) هذا يعني احتياج المزيد من الأسمدة والمبيدات الحشرية.. التي تذهب إلى مياهنا وتزيد من ملوحة التربة وتقلل من جودتها... دائرة لا تنتهي. فقدان التنوع البيولوجي يؤدي إلى خسارة في قدرة مقاومة الكائنات ضد الأمراض الجديدة. 

 
*تمّ إعداد هذا التقرير ضمن مبادرة MediaLab Environment وهو مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI
 
 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم