الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

عن ازدواجية السلطة في لبنان وإضعاف الدولة

المصدر: "النهار"
منى فياض
امرأة تكتب على الحائط في بيروت (مارك فيّاض).
امرأة تكتب على الحائط في بيروت (مارك فيّاض).
A+ A-
أدّت ممارسات "حزب الله" على مرّ السنوات إلى إيجاد مراكز سلطة رديفة ومستقلّة عن الدولة، أمّنت الأرضيّة المناسبة لتكريس ثنائيّة وازدواجيّة في السّلطة، بين الدولة من جهة، و"حزب الله" من جهة أخرى.

تحقّق ذلك باسم "المجتمع المقاوم"، وعبر ما يُطلق عليه تسمية "الأهالي"، والمنحصر بطائفة أو بجزء منها عملياً، يحرّكها كلّما احتاج إلى خدماتها للضغط على مَن يقف في طريق مخطّطاته؛ فتقوم (الطائفة) بالاعتراض على أمرٍ ما من دون أن يكون الحزب في الواجهة. هكذا يلجأ إلى "الأهالي" لتنظيم مظاهرات أو اعتداءات. شهدنا أحداثاً عديدة في الداخل وضع فيها "الأهالي" في الواجهة، ولم يكن أوّلها التصدّي لزيارة مستشار الرئيس الراحل رفيق الحريري حين زار في التسعينيّات منطقة الأوزاعي "الأمنيّة" في محاولة لاستشراف خطط استثماريّة رسميّة حينها.

وآخر تجلّيات هذه الظاهرة الاعتداء الذي حصل في 25 من الشهر الجاري على قوات اليونيفيل في الجنوب، حين أعلن الناطق الرسميّ باسم اليونيفيل عن تعرّض جنود حفظ سلام، كانوا في دورية روتينيّة لهجوم غرب قرية رامية بجنوب لبنان، بعد أن تمّ اعتراض سيّاراتهم، ممّا أدّى لجرح أحد الجنود، فيما كانوا يقومون بعملهم المعتاد لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 والحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان. ولا يغيب عن بالنا أن هذا الاعتداء الأخير يأتي في سياق التأزّم الحاصل على المستوى الإقليمي، من تطوّرات حرب اليمن إلى الهجوم على الإمارات، إلى محادثات فيينا على المستوى الدولي.

أمّا المعادلة التي فُرضت طويلاً على اللبنانيين، تحت شعار "الجيش والشعب والمقاومة"، فعملت على فرض وترسيخ الخصوصيّات الأمنية والعسكرية للحزب، وأدّت إلى توسيع المربّعات الأمنيّة المحظورة على سلطات الدولة اللبنانية، ممّا جعل من "الحزب"، وتحت شعار المقاومة الفضفاض، سلطة أمنيّة عسكريّة موازية بامتياز، قبل فرض الهيمنة السياسيّة التامّة. شكّل هذا كلّه أرضيّة ومصدراً لتراكم بطيء لبؤر تفجير، بدأت تطفو على السطح مؤخّراً: كأحداث شويّا مع الدروز في البقاع الغربيّ، وأحداث خلدة مع العشائر العربية السنيّة وأحداث عين الرمانة مع أهالي المنطقة ذات الأغلبيّة المسيحية.

مثال آخر على تهميش الدولة وقضائها والحلول محلّهما يتمثّل بالتعامل مع الخروقات الإسرائيلية التي يكتشفها ولا يتوقّف الحزب عن اكتشافها في بيئته، فهي تبقى خارج دائرة ملاحقة القضاء اللبناني وخارج متناول الصحافة؛ فالمتورّطون فيها يخضعون للسّلطة الموازية أي لـ"حزب الله". والأمر يتعدّى غياب ما يُشير إلى أنّ هذا الأخير قد يغيّر من أسلوبه في كيفية مواجهتها والتعامل معها، خصوصاً في ما يتعلّق بالمحاكمة والمحاسبة، إلى حدّ تكريسها وجعلها خارج أيّ نقاش أصلاً. كلّ ذلك يفضح، ويعزّز عجز السّلطة اللبنانية المتماديّ عن التصدّي لازدواجية السلطة، التي يمارسها الحزب بامتياز. وفي هذا أفضل مثال عن وجود سلطة موازية تُضعف الدولة، وتسمح للبعض بالاستغلال، ممّا يشجّع على الفساد والتجاوزات التي شكا منها نصر الله في مرحلة معيّنة، ثمّ طمست.

وعلى خلفيّة حفظ سلامة المقاومة ومنع الخروقات الأمنية، لطالما تناقلت الصحف أخبار حفر شبكات تمديد خطوط اتصال وهاتف، بالإضافة إلى نشر كاميرات مراقبة في معظم أحياء الضاحية ومداخلها، ونشر المراكز الأمنية والمراقبة، فيما كلّ ذلك ممنوع على سواها، وعلى الأجهزة الرسميّة ضمناً.

ولقد بدأت هذه الظاهرة مع أحداث 7 أيار 2008 التي اندلعت بسبب محاولة السلطة منع تركيب كاميرات مراقبة في المطار من دون إذن رسميّ. وتمخّضت الأحداث عن اتفاق الدوحة الذي كرّس "حزب الله" بوساطته النظام التوافقيّ، الذي عنى إدخال الفيتو، الذي سُمّي علناً "الثلث المعطل"، هكذا! والمعلوم أن الفيتو في الديموقراطيّات التوافقيّة (ولبنان ليس منها، لأنه نظام برلمانيّ أكثريّ نتيجته وفاقيّة) يستخدم لمنع طغيان طرف في السلطة على آخر، ويكون سلاحاً بيد جميع الأطراف المتشاركة في السلطة بالتساوي ما يمنع أو يقلّل استخدامه، إلّا في الحالات القصوى، لوجود فيتو مضادّ. أمّا في لبنان، فالفيتو كان الأداة المثلى بيد الحزب الذي احتكر استخدامه بسبب امتلاكه السّلاح المفترض أنه "مقاوم" للعدو، وليس للشعب والحكومة واللبنانيَّين!

يؤكّد كلّ ذلك تناقض وثنائيّة نموذجيّان: مطالبة الآخرين ببناء الدولة، ومنعهم عمليّاً عن ذلك في نفس الوقت.

ففيما يتحكّم الحزب بالسّلطة التنفيذية وبالأجهزة الأمنية والاستخباراتيّة الرسميّة بشكل شبه كامل، صارت الأجهزة الرسميّة عاجزة اليوم عن اعتقال أيّ مطلوب للعدالة في مناطق هيمنة الحزب كالضاحية، من دون إبلاغ أجهزة الحزب وأخذ الأذن منها، بينما يقوم الحزب بالقبض على بعض المواطنين من دون العودة إلى مرجع رسميّ أو قانون أو قضاء. والأمثلة على ذلك صارت تملأ وسائط ووسائل الإعلام، ممّا يلغي مساواة المواطنين التي ينصّ عليها الدستور، فيما دأب نصرالله طويلاً على تكرار مقولته أن "أقيموا الدولة العادلة لنسلّمكم سلاحنا"! في الوقت الذي يمنع هو نفسه قيام هذه الدولة يوميّاً.

لقد كشف استلامهم السّلطة هشاشة الدّفاع عن النّفس الذي يستخدمونه عند القيام بمساءلتهم حول وضع يدهم على الدولة، أو حول إنجازاتهم النوعيّة أو الكميّة المختلفة عن الممارسات السّابقة للحكومات، التي درجوا على فضحها وإدانتها منذ انقلاب مطلع العام 2011؛ هذا مع العلم أنّهم شاركوا بأنفسهم أو عبر حلفائهم في جميع الحكومات التي يريدون محاسبتها. فدفاعاتهم لا تخرج عن كونها تفضح اشتراكهم في تقاسم جبنة الحكم ومكاسبها. فمقولتهم التقليدية أن حكوماتهم "ورثت ديناً عاماً وكلّ الأورام الموجودة في الجسد اللبناني وسلامة الغذاء... والموضوع قديم، وهي تعمل على معالجة هذه المشكلات التي لم تعد تقنع أحداً بعدما حمى السيد نصرالله المنظومة الحاكمة علناً.
 
وفي عزّ صفقة بواخر الكهرباء (في العام 2015) لم يكن توجّه وزير "حزب الله" يخرج عن المزايدة، شاهرين أسئلة من نوع: قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري هل كان الوضع أفضل؟  «تمام! لماذا لم تنشئوا أيّ معمل كهرباء؟ ومن منع الحكومة من ذلك؟ ومن قال للحكومات أفرغوا الدولة من مضمونها ومحتواها؟»، أو أن: «هذه الحكومة لم يتجاوز عمرها السنة، وهي تحاول أن تتصدّى للمشكلات وتجد لها الحلول". ماذا عنهم، وقد صار لهم في الحكم 5 سنوات ونيف؟! هذا مع العلم بأنّ الحزب شريك في الدولة منذ التسعينيّات، وملفّ الكهرباء كان دائماً في أيدي وزراء من حلفائه في الحكومات المتعاقبة.

الجديد أن أدواره أصبحت مفضوحة أمام الرأي العام، الذي صار يدينه علناً كجزء من المنظومة الحاكمة، وكحامٍ لها ومدافع عنها. وآخر مظاهر هذا الوضع المستجدّ ما حدث مع مذيعة الجديد، داليا أحمد، التي وضعت صورة لحكّام لبنان الستة، وبينهم صورة نصرالله، ناعتة إياهم بالتماسيح، فاستحقت من جمهور الحزب المقاوم حملة عنصريّة هاجمت لونها وكونها من أصول سودانيّة. وهي في لبنان منذ كان عمرها 3 أشهر، ولبنانية منذ أكثر من 10 سنوات.

"أمّا آخر إثبات لهيمنة السّلطة الرديفة على السّلطة الشرعيّة فهو العجز التام عن تلبية أيٍّ من مطالب المبادرة الخليجية المدعومة دولياً لاسترجاع بعض من مقوّمات الدولة عبر تطبيق بنود المبادرة التي تلتقي مع المطالب الشعبيّة".
 
نُشر في موقع "الحرة".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم