الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

رسائل إيران المحاصرة من انتخاب الرئيس إلى اختيار الوزراء

المصدر: "النهار"
سمير التقي
خلال الحملة الانتخابية دعماً للرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي (أ ف ب).
خلال الحملة الانتخابية دعماً للرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي (أ ف ب).
A+ A-
اختار الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، بعد وقت قصير من تنصيبه، محمد مختار نائباً له، بعد أن كان رئيس مركز تنفيذ أمر الإمام الخميني، وهو إمبراطورية ماليّة ضخمة. وبالرّغم من ذلك، بقي شعاع أمل في تصريحات الإصلاحيين في إيران عن احتمال تشكيل حكومة ذات قاعدة واسعة. لكن الخيبة ما لبثت أن صارت صارخة. فما بين وزير خارجية غارق حتى العظم في العمل الاستخباريّ والعقائديّ الإيرانيّ الإقليمي، ووزير دفاع تحت العقوبات الأميركية، يريد الرئيس والزعيم في طهران أن يؤكّدا مواصلة سياسة بلدهما دعم حلفائها المسلّحين في المنطقة. هذا أمر يستوي بغضّ النظر عمّن سيُكلّف بإدارة محادثات فيينا عبد اللهيان أو شمخاني. أما اختيار وزير الداخلية والمطلوب من الأنتربول لعلاقته بتفجير مركز الرعاية اليهودي في الأرجنتين فهو يوضح مخططات التصلّب الداخليّ تُجاه المجتمع ناهيك بوزير الصحة، فإنه يُكمل اللوحة بالدّعوة إلى حظر استيراد اللقاحات من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. أمّا وزراء الطاقة والبُنى التحتيّة والقطاعات الاقتصادية فلقد ذهبت بالكامل إلى أعضاء مجالس إدارات أكثر الصناديق فساداً في اقتصاد ومؤسّسات الظلّ في إيران مثل مركز تنفيذ أمر الخمينيّ وصندوق ضريح الإمام الرضا... إلخ.
 
تتبلور عملياً في هذه الوزارة النخبة التي سيستند إليها الرئيس الإيراني رئيسي في سياسته. وبالرغم من أن وسائل الإعلام الحكوميّة منحت رئيسي بلا مبرر علميّ - دينيّ، لقب آية الله، فإن أهمّ مؤهّلاته الأساسيّة لا تعدو أنّه أحد المساعدين الموثوق بهم لخامنئي. ويتشابه الرجلان بأوجه عديدة، بدءاً من نسبهما "العلمي" - المدرسي في مشهد إلى تجنيدهما في الحركة الإسلامية الثورية في الستينيّات.
 
يُمكن اعتبار الرئيس الإيراني الجديد من ذات النسل السياسي والعقائدي والنفسي للمرشد الأعلى خامنئي. وبالرغم من أهمية الانتخابات الأخيرة، فإنّ الرئيس هنا لا يشكّل أكثر من أحد الأقطاب الذين يُنتجون القرار بعد موافقة خامنئي عليه؛ ذلك أنّ الرئيس في هذه الدولة لا يُمارس وحده سلطة صنع القرار الفعليّة، إذ يتمّ رسم القرارات والاستراتيجيات القريبة الأمد من قبل جهاز غير منتخب، قمّته المرشد الأعلى، الذي يتشاور، ويوازن قراراته مع مجلس الخبراء، والمجلس الأمني الأعلى، وهي هيئات تعبّر بشكل عميق عن ديناميّات الصعود والهبوط في صلب الطبقة الحاكمة. لكن الرئيس قطبٌ من أقطابها. إضافة إلى ذلك، يُمكن لرئيسي "تفسير" إرادة الزعيم ووضع الخطط العمليّة لتنفيذها.
 
وبالرغم من كلّ ما يقال، تبقى العملية السياسية التي تنتج الرئاسة في إيران ذات أهمية كبيرة من حيث ما تشي به من تبدّلات في موازين القوى وحركة مراكز الثقل في النظام السياسيّ والسلطويّ الإيراني؛ ذلك أن المجتمع والحياة السياسية الإيرانية بعيدة جدّاً عن أن تكون حياة راكدة. وبالرغم من تغوّل أجهزة السلطة والأمن في المجتمع فإن المجتمع الإيراني لا يزال يُعطي مؤشّرات على قدراته الديناميّة، إن لم يكن على الصعيد السياسي، فعلى الصعيد المطلبيّ والمجتمعيّ. وصعود الرئيس رئيسي يأتي تجسيداً لمحاولة مواجهة هذا التحوّل العميق بالضبط. وقبل، صفّى الحرس الثوري مواقع رجال الدين في قم باعتبارهم أقوى مؤسّسة في إيران. ومن الواضح انه سيواصل إخضاعهم.
 
وبالرغم من ذلك، تستمرّ الإدارة الأميركيّة الراهنة في القيام بكلّ ما يُمكنها أن تقوم به لإثبات حسن نيّتها تجاه ايران. فها هي تسحب صواريخ الباتريوت من الخليج، وها هي تسحب من قطر منظومات متقدّمة جداً للدفاع الجويّ والرصد الإلكتروني، بل إن تعنّت وتطلّب المفاوضين الإيرانيين يوضح إدراكهم مستوى التمسّك الأميركي بإعادة الاتفاق. وإذ يُطالب الإيرانيون بإلغاء العقوبات المفروضة على رئيسي، لا تستطيع الولايات المتحدة تلبية هذا المطلب، بالرغم من أن هذه العقوبات رمزية بحتة، لأن ثمنها السياسيّ سيكون باهظاً في الداخل. وبعد أن وصف الرئيس بايدن بوتين بأنه "قاتل"، سيكون من الأصعب بكثير أن يكون متساهلاً مع رئيس إيراني معروف بدوره في الإعدام الجماعيّ للسجناء السياسيين.
 
أما بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط، فإن اختيار رئيسي لمنصب الرئيس مهمّ لأسباب تتجاوز تأثيره على برنامج طهران النووي. فلقد أصبح واضحاً اليوم أن سياسة بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وغيرها ترتبط بشكل وثيق بمستقبل السياسة في طهران. وإذ تواصل طهران تسليح وتمويل وكلائها وحلفائها في الدول الفاشلة، فإن المعطيات المتوافرة لا تدلّ على أن بايدن سيُحجم عن الاستمرار في جهوده لإعادة إحياء الاتفاق النوويّ.
 
وبالرغم من ذلك يحذّر أعضاء الكونغرس بشقّيه من السذاجة في أن تعتقد إدارة بايدن بأن إيران بعد حلّ مشكلتها برفع العقوبات، لن تسعى لتنازلات جديدة؛ الأمر الذي قد يضع بايدن في موقع المخدوع. فلو حاولت الولايات المتحدة مثلا معاقبة إيران على أعمالها العدوانية في المنطقة عبر فرض عقوبات جديدة، فإن طهران يُمكن أن تردّ باستئناف أنشطتها النوويّة ومهاجمة حلفائها في الشرق الأوسط، من خلال وكلائها، مع إدراكها بأن إدارة بايدن تسعى إلى تقليص الوجود الإقليمي الأميركي.
 
لكن في حقيقة الأمر، ومن وجهة إيران، لا يمكن عكس التدهور الاقتصادي من دون رفع العقوبات. واختيار رئيسي يُشير بوضوح إلى أن إيران لن تقبل مطالب إدارة بايدن بالتفاوض حول برنامج الصواريخ والتوسّع الإقليمي. وفي ظلّ هذه المعطيات، تشير التقارير إلى أن إدارة بايدن تبحث بالفعل عن طرق بديلة لمواجهة البرنامج النووي. لكن الكثير من الأسئلة يبقى مطروحاً هنا، إذ سبق لكلينتون اتفاقه على عدم تطوير سلاح نووي وانتهى الأمر بخديعة.
 
لكن التحدّي الحقيقي والأكبر للحكومة الجديدة وللرئيس رئيسي سيكون في الداخل، إذ تبقى الغطرسة هي نقطة ضعف لكلّ الديكتاتوريات. التصلّب الذي كان ذات يوم عمود توطيد النظام، سرعان ما يحوّله جشع التسلّط إلى قيد للنظام، ويجعل التغيير استحقاقاً وجودياً.
 
يعاني النظام الآن من انعدام الأمن والثقة المفرطة في آن معاً. ولعلّ من مؤشرات ذلك أن التدخّل الفظّ الذي تمّ من أجل ترجيح نجاح رئيسي والضعف القياسي في مشاركة المواطنين، خاصّة من سكان المدن؛ ولعلّ المؤشّر الأهم هو نمط تشكيل الوزارة الجديدة، إذ تصبح إدارة المجتمع أكثر صعوبة.
 
لقد أدّى الإضراب العام للعاملين في قطاع النفط إلى شلّ اقتصاد البلاد، وتسبّب الجفاف في خوزستان بإصابة السكان باليأس. وتكشف أزمة كوفيد بشكل فاضح سوء الحوكمة والفساد في البلاد. ولأن النظام الإيراني يسمح بدرجة ما من الاحتجاج ضدّ الحكومة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنه لن يتردّد في سحقها حين تتّخذ طابعاً سياسياً. ولهذا الغرض، يحتاج خامنئي إلى انسجام تامّ مع الرئيس أكثر من حاجة الرئيس لذلك. لا شكّ في أنه عند غياب المرشد الأعلى ستتّخذ رئاسة رئيسي مساراً مختلفاً تماماً. فعواقب انتقال السلطة في الدول الشمولية لا يُمكن أن تكون سلسلة، ولا سهلة التنبّؤ أبداً، مهما تستّرت، خاصّة أنّ من المحتمل أن تتضاءل شعبيّة رئيسي المحدودة بالفعل، بعد أن أصبح مسؤولاً عن اقتصاد محطّم غير قادر على إصلاحه، وقمع سياسيّ واجتماعيّ.
 
لطالما استخدم خامنئي المؤسّسات الإيرانية غير المنتخبة مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام والحرس الثوري لتعزيز سلطته، فيما كان يستخدم المؤسّسات "المنتخبة" لتجنّب المساءلة حول فشل الحوكمة وحول القمع. وفي حين يتولّى الحرس الثوري مهمّة حملات القمع، يحمّل خامنئي مسؤوليّة الفشل الاقتصادي للرئيس. أمّا الآن فإنّ مجيء رئيسي سيمنع خامنئي من جعل الرئاسة كبش فداء لتبرير الإخفاقات. وفي كلّ مرحلة من انتقال السلطة يتوصّل جيل جديد من الإيرانيين المحبطين إلى أنه لا يمكن إصلاح الجمهورية الإسلامية، وبدلاً من البقاء والمخاطرة بحياتهم كمنشقّين، يختارون الهجرة، التي قدّر وزير العلوم أن تكلفتها تزيد عن 150 مليار دولار سنوياً أي أكثر من عائداتها النفطيّة.
 
تنحصر براغماتية خامنئي على المستوى التكتيكي. إنّه يعرف محدوديّة خياراته في النظام غير قابل للإصلاح. وقد يدفع هذا العجز الرئيس والزعيم إلى مزيد من الرغبة في الحصول على قنبلة نووية. فمن يجرؤ على مهاجمة نظام مذخّر بالأسلحة النووية؟
 
لكن حقيقة الأمر أن النظام السوفياتي المدجّج حتى الأسنان سقط، وليس أدلّ على هذا الضعف من إسقاطه طائرة تحمل ركّاباً إيرانيين منذ أشهر. أمّا النسخة الإيرانية من فلاديمير بوتين فيبدو أنها لا تزال تحتاج إلى بعض الوقت.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم