الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

جولة بن سلمان من منظور الشعوب

د. خالد محمد باطرفي
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستقبل ولي عهد السعودية محمد بن سلمان في أنقرة (22 حزيران 2022 - أ ف ب).
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستقبل ولي عهد السعودية محمد بن سلمان في أنقرة (22 حزيران 2022 - أ ف ب).
A+ A-
كثيراً ما ينسى خبراء السياسة في غمرة انغماسهم في تحليل الأحداث رأي أكثر المتأثرين بها والمتفاعلين معها، عامة الناس. فقد نوقشت أدق تفاصيل وأبعاد جولة وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ومحطاتها الثلاث، القاهرة، عمان، أنقره. ثم قمة جدة، مع رئيس الوزراء العراقي، واجتماعه مع وزيري الدفاع الماليزي وقائد الجيش الباكستاني، وكذا قمة القاهرة التي جمعت أمير قطر، تميم بن حمد، لأول مرة، بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، منذ تسلمه سدة الرئاسة، بعد ثورة يناير 2013، وجولة الرئيس السيسي الخليجية، واجتماعه في شرم الشيخ مع ملكي الأردن والبحرين. لكن الغائب الحاضر في جلّ هذه التحليلات لم ينشد رؤية الأحداث من زاوية رجل الشارع.
 
ومن يظن أن حسابات المواطن العادي في هذه البلدان لا تختلف عن رؤية الساسة والكتاب والإعلاميين يغفل حقيقة أن الإنسان، في أي بلد ومكان، عنده أولويات، أهمّها الاحتياجات اليومية، والهموم المعيشية، والطموحات المستقبلية، بالإضافة الى الأمن والاستقرار. وفي هذه المساحة سأحاول الوقوف على الرصيف للتعرّف إلى رؤية الأحداث من منظور عامة الناس.
 
 
الرغيف والصحّة والعمل
يقول سائق الأوبر، في القاهرة، إنه لا يستطيع تجاهل غلاء الأسعار، وهذا ما اضطره، وهو المهندس الزراعي، للعمل على سيّارته لتوصيل الركّاب، أو البضائع، في سعيه لرفع دخله وتغطية احتياجات أسرته، من طعام وكساء وتعليم، ودفع الفواتير والأقساط الشهرية.
 
ولكنه رغم كل ذلك متفائل ويشعر بأن تضحيته اليوم تختلف عن تضحيته قبل ثورة 30 يونيو. فالضريبة التي يدفعها، والمعاناة التي يخوضها، يقابلها إحساس بأن البلد يسير في الاتجاه الصحيح. وبدأ يعدّد مشاريع المدن الجديدة، وتطوير المناطق العشوائية، وبناء الطرق السريعة، والقطار الكهربائي الذي سيربط البلاد من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وخط المترو السادس، والمونو ريل، وغيرها من الخطط الكبرى التي بدأت تظهر على أرض الواقع، ويلمسها المواطن كل يوم.
 
وفي هذا الاطار يقيّم الرجل زيارة ولي العهد السعودي، واستثمارات الثمانية مليارات دولار التي تم توقيعها، وزيارة أمير قطر، واستثمارات الخمسة مليارات دولار. والتقارب بين بلاده وبلاد الخليج، في نظره، يفتح أبواباً كثيرة للتجارة وفرص العمل والخدمات العامة. وعلى سبيل المثال، يذكر خطة الربط الكهربائي مع السعودية، ومشاريع الاستثمار في الغاز والمصافي والطاقة المستدامة والقرى الشمسية، كحل شامل ودائم لأزمة الطاقة، واحتياجات المدن والمشاريع المستقبلية منها.
 
 
الأمن والدفاع والرخاء
وعندما سألته عن رؤيته لمشروع الدفاع العربي المشترك، رحّب به، وأكد أهميته. فوالده كان من أبطال أكتوبر، وهو يدرك أن النصر العظيم كان نتيجة طبيعية لتعاون البلدان العربية، ومواقف "بطل العبور" الملك فيصل رحمه الله. ولذلك، فهو متفائل بأي حراك عربي تقوده السعودية ومصر والأردن، فهم حلفاء النصر العظيم بالأمس، وهم "السد العالي" اليوم، سواء ضد أطماع الأعداء، أو المشكلات المترتبة على الصراعات الدولية والأوبئة الصحية.
 
فالاستثمار في الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والطاقة، والتعاون التجاري والأمني والعسكري، كلها ستعود بالنفع على المواطن ولصالح أسرته وأبنائه على شكل مقاعد دراسية وأسرّة طبّية ومنتجات وطنية ووظائف جديدة ومساكن مناسبة وفرص عمل وتجارة واستثمار. وهذا بدوره يعني تنمية مستدامة، تنعكس على المواطن بتحسّن الدخل وانخفاض التضخم.
 
 
الهاجس المعيشي والأمني
ولم تختلف رؤية زميلي الأردني كثيراً عن الأخ المصري. لكنه أضاف أن الهاجس المعيشي والظروف التي دفعته للهجرة لا تقل أهمية عن الهاجس الأمني. فإيران، كما قال، باتت تقف على حدود الأردن الشمالية والشرقية. ومليشيات الحشد الشعبي والحرس الثوري وعصابات الاتجار بالمخدرات والسلاح أعلنت الحرب على بلاده. كما أن أوضاع سوريا والعراق ولبنان فاقمت الحالة المعيشية ورفعت نسبة التضخم، إضافة الى مشكلة اللاجئين المزمنة.
 
ومن هذا المنظور، يرى الدكتور خالد أن زيارة الأمير محمد بن سلمان، واستثمارات الخمسة مليارات دولار، وتشجيع التجارة بين البلدين، تبشر بتخفيف المعاناة كنتيجة طبيعية لخفض معدلات التضخم وزيادة فرص العمل والأعمال. والتركيز على مجال التعليم والصحة سيحسّن من جودة الحياة وفرص الأجيال القادمة. وهو، كأستاذ جامعي، يتلهّف للعودة لخدمة بلاده في أحد مشاريع الجامعات الجديدة، والبقاء مع أسرته وعشيرته بعد أن طالت غربته.
 
 
محاربة الفساد والتطرّف
أما صديقي مهندس الإلكترونيات العراقي، فقائمة الآمال أطول عنده. وعلى رأس القائمة الأمن والاستقرار والخلاص من الاحتلال الأميركي والهيمنة الإيرانية، وحلّ الميليشيات المسلحة، والحدّ من تسلط الأحزاب الدينية على الحياة العامة، والمتاجرة بالدين وإثارة الفتن الطائفية، ومحاربة وباء الفساد الذي نخر اقتصاد البلاد.
 
ففي تقديره، إن أي مشاريع استثمارية في الوقت الراهن تهدّدها الفوضى الأمنية والسياسية. وأي مساعدات مالية يقدّمها المانحون للأجهزة الحكومية غالباً لا تصل الى المواطن، ولا تنعكس مشاريعَ تخدمه. فالبلاد ما زالت تستخدم نفس البنية التحتية منذ الحكم الهاشمي، مع بعض التحسينات التي تمت في العهد السابق. ومنذ الغزو الأميركي في 2003 لم ينفذ مشروع حيوي واحد، بل على العكس، تدهورت المشاريع القائمة، ونضبت المياه، وانقطعت الكهرباء والغاز والبنزين، وارتفعت الاسعار، وأصبحت البطاقة التموينية التي كانت تغطّي احتياج أسرة كاملة، لا تكفي فرداً فيها.
 
ولذلك، فإنه سعيد بأن الحراك الإقليمي الذي تقوده السعودية يركز بالدرجة الأولى على تأمين المنطقة، ومواجهة التغول الإيراني، وتوجيه الدعم العربي مباشرة للمواطن العراقي، متمثلاً في توفير الطاقة الكهربائية والمنتجات الغذائية والعلاجية وغيرها من الاحتياجات اليومية. ويأمل أن يساعد التحالف العربي في مواجهة تركيا وإيران وإثيوبيا، والإفراج عن كمّيات المياه التي خفضتها السدود التركية على نهري دجلة والفرات، والسدود والتحويلات الإيرانية على عشرات الأنهر التي كانت تصب في المناطق الجنوبية. وكذا سدود إثيوبيا على نهر النيل، وتهديدها لمصر والسودان بالعطش، وسحب إسرائيل لمياه نهر الأردن إلى صحراء النقب.
 
 
مطالب العرب
وبالنسبة لأصدقائي في لبنان وسوريا واليمن، فإن قطار التعاون العربي التركي، والدفاع الإقليمي المشترك (ناتو الشرق الأوسط)، الذي أشار إليه الملك الأردني، عبدالله الثاني، يأتي كأحد أبرز أهداف العودة الأميركية للشرق الأوسط. إضافة إلى المشاورات السعودية الإيرانية، وزيارة الرئيس الأميركي المقبلة، فإن الأمل أن يكون التركيز على قطع أذرع إيران في المنطقة وإعادة بلدانهم الى الحاضنة العربية. ولعل ذلك يفتح الباب للحصول على الدعم المباشر للتنمية وإعادة الإعمار من دول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا واليابان، ومن المنظمات والصناديق الدولية.
 
ومن منظورهم، فإن الجولة وما حولها من تحرّكات تبدو ماضية في هذا الاتجاه، الذي يدعون لمزيد من تسارعه والتعجيل بالحلول للمشكلات الآنية. فالحالة المعيشية والأمنية لم تعد تطاق، واليوم فيها بسنة. وهم يتمنّون أن تنجح المشاورات السعودية مع إيران، والضغوط العربية والدولية عليها، برفع يدها عن رقاب بلدانهم، والسماح لهم باستعادة أنفاسهم والعودة الى الحياة الطبيعية، وبنقل التجربة السعودية في محاربة الفساد الى بلدانهم.
 
 
هواجس الحاضر وأحلام المستقبل
هذه خلاصة مرئيّات المواطنين العرب الذين تواصلت معهم، ولا أتصور أن هناك خلافاً يُذكر بينها، أو عن رؤية أشقائهم في المنطقة أو خارجها، سوريا وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان والصومال وجيبوتي. فالحال من بعضه، والهاجس المعيشي والأمني نفسه، والتطلعات الى مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم، يسود فيه العدل والنماء والرخاء والحرية.
 
والمستقبل سيبدو أكثر إشراقاً وطمأنينة عندما يتحقق الأمن العربي الشامل، والتعاون بين البلدان العربية، مشرقها ومغربها، شمالها وجنوبها، في كافة المجالات ذات الصلة المباشرة بتحسين البيئة العلمية والتعليمية والصحية والاستثمارية والتجارية والسياحية، وربط بعضها ببعض في منظومة سوق عربي مشترك، وتحالف عسكري وأمني دائم، وتفعيل نشط للمنظمات والاتفاقيات الجماعية والثنائية التي تخدم كافة مناحي الحياة واحتياجات الشعوب وثقافة الأمة.
 
 
* أستاذ في جامعة الفيصل
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم