الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

التعليم الرسمي في لبنان على مفترق 3 اتجاهات

المصدر: "النهار"
من احتجاجات أمام وزارة التربية. (أرشيفية- تصوير حسن عسل)
من احتجاجات أمام وزارة التربية. (أرشيفية- تصوير حسن عسل)
A+ A-
حسين غملوش*
 
إذا كنت ترى العلم مكلفاً فما عليك إلا أن تجرّب الجهل. هذه هي الركيزة التي يفترض أن تقوم عليها الأوطان. والوطن، أي وطن، لا ينهض بغير العلم، أي النور، أما الجهل فمتواة.
 
لطالما توهج لبنان بعلمه حتى ذاع صيته في أصقاع العالم وبدا منارة وبوصلة، فكان مدرسة الشرق وجامعته، وموئل التطور والارتقاء على غير صعيد علمي وأدبي. أين نحن اليوم من كل هذا؟ هل تمكّنّا من الحفاظ على الجودة والصيت العطر؟
 
يكفي أن نعود بضعة أسابيع الى الوراء ونقرأ خبر تميّز الجامعة اللبنانية وتصدّرها المرتبة الأولى محليًّا والثالثة إقليميًّا من حيث مؤشر السمعة المهنية في تصنيف QS العالمي 2023، للدلالة على عظمة هذا الصرح التربوي الذي خرّج عظماء ولا يزال. ولكن مهلًا، كيف لهذا المعلم الوطني أن يستمر ويغالب الأزمات المتناسلة ما لم تمدّ إليه الدولة يد الدعم؟
 
ها هو الشلل يطرق بابه بقوة ويتسلل إلى أوصاله ويمعن فيها سقماً وتعطيلاً ولا من يسأل.
 
صحيح أن الأزمة مستفحلة ومعممة على كل القطاعات في لبنان، ولكن الأولوية تفترض إيلاء الجامعة الوطنية عناية خاصة وتأمين ما يلزم من أموال ودعم تقني وبشري لئلا تذوي نهائياً. والأمر سيّان بالنسبة الى المدرسة الرسمية التي هي الحلقة الأولى من التعليم الرسمي، إذ كيف لأستاذ أن يلتحق بمدرسته ويؤدي واجباته لقاء 90 دولاراً شهرياً؟
 
في علم الاقتصاد ترتسم معادلة الميمات الثلاث المكلفة: مدرسة ومسكن ومستشفى، ونكتفي في هذا المقام بالتطرق إلى الميم الأولى الموصلة إلى الجامعة.
إن التعليم الرسمي في لبنان، بشقيه المدرسي والجامعي يعاني ما لم يعانه منذ نشأة الوطن، تهميشاً وفقراً وإهمالاً. فهل لعاقل أن يتصور أنّ المطاعم في ازدهار والمدرسة في اضمحلال؟ السياحة بخير والجامعة إلى ضمور؟
 
السياحة مطلوبة في كل حين وهي العمود الفقري لاقتصادنا، لكن مدخلها المدرسة والجامعة حيث يتخرج الدليل السياحي ومدير المبيعات والفندقي ورجل الأعمال والإداري والموظف. أفلا يستحق تعليمنا الرسمي التفاتة تقيه الاندثار؟
نورد هذا الكلام على عتبة عام دراسي مثقل بالهموم ومحفوف بكل أنواع المخاطر، وخصوصاً في القطاع الرسمي المشكوك في قدرته على الإقلاع وسط قتامة المشهد مالياً وانسداد الأفق.
 
إن سقوط التعليم الرسمي في لبنان تحت وطأة الأزمة الاقتصادية وسوء إدارة القطاع منذ سنوات هو سقوط مدوٍّ لاحد أعمدة هذا البلد. أما حل المعضلة فيكمن في 3 اتجاهات: الأول، متابعة تمويل الأساتذة من المجتمع الدولي بالتزامن مع بروتوكولات مراقبة صارمة ومستقلة لضمان توزيع الأموال التي خصصتها الدول للعاملين في القطاع، على أن تقوم الدولة توازياً برسم استراتيجيات إصلاحية تقودها رويداً رويداً إلى الإمساك بالقطاع وتمويله بشكل منفرد من دون الحاجة إلى مساعدات من المجتمع الدولي.
 
أما الاتجاه الثاني فيكمن في تقديم مساعدات مالية إلى أهالي طلاب المدارس الرسمية لتخفيف حجم الضغوط الاقتصادية عنهم، والاتجاه الثالث يكون بتأمين الأموال من أجل تأهيل المدارس الرسمية كي تستطيع جذب أكبر عدد من التلامذة الذين ينوء أهاليهم تحت وطأة أقساط المدارس الخاصة، وهنا لا بد من التنويه بخطوة تأهيل نحو 26 مدرسة رسمية.
 
تعتبر منظمة اليونيسكو أن حق التعلم هو من أبرز الحقوق الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، ويجب أن يكون متاحاً للجميع من دون تمييز. انطلاقاً من هذا المبدأ يفترض بالدولة اللبنانية أن تؤمن هذا الحق لجميع أبنائها، سواء اختاروا التعليم الرسمي أو الخاص، وذلك دون أي عائق مادي، وبخاصة لعناصر القوى الأمنية والعسكرية، الذين يبذلون الغالي والنفيس من أجل رفعة هذا الوطن وتقدمه.
 
*سفير عالمي للسلام
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم