الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

أوروبا بين ناريَن: مواصلة دعم أوكرانيا على حساب اقتصادها أو التنازل لبوتين!

المصدر: "النهار"
هادي جان بو شعيا
سهول قمح (تعبيرية - أ ف ب).
سهول قمح (تعبيرية - أ ف ب).
A+ A-
 
"أوروبا موحّدة"... حلمٌ لطالما راود القادة والزعماء الأوروبيين منذ عهد الإمبراطورية الرومانية مرورًا بمحاولة نابوليون بونابرت في القرن التاسع عشر وصولاً إلى حرب هتلر من أجل توحيد الأوروبيين بالقوة تحت راية "الرايخ الثالث".
 
لكن فشل محاولات نابليون وهتلر أثبت للأوروبيين أن الحرب لا يمكن أن توحّدهم، ولأنهم يرغبون في الاتحاد لأسباب عديدة، منها: سياسية واقتصادية وثقافية، خصوصًا بعد انهيار البنى التحتيّة الأوروبية نتيجة الحرب العالمية الثانية، حين بدأت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ودول "بنلوكس"BENELUX ، التي تضمّ كلاً من بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، في تأسيس نواة الاتحاد الأوروبي المتعارف عليه اليوم، وذلك من خلال تشكيل الجماعة الأوروبية للفحم والصلب في العام 1951. وفي العام 1955، تبنّت هذه الجماعة علم الاتحاد الأوروبي الذي نعرفه الآن.
 
واليوم، فيما يشهد الاتحاد الأوروبي إحدى أعتى الأزمات منذ تأسيسه في العام 1991 بلغت درجة إعلان أحد رؤساء الوزراء الأوروبيين أن الحكومات الأوروبية تنهار كالدومينو؛ وذلك إثر استقالة عدد من الزعماء الأوروبيين من مناصبهم، حتى أنّ دولة أوروبيّة تعتبر من مؤسّسي الاتحاد الأوروبيّ صارت الصحافة الغربية تكتب عن احتمال تقاربها مع روسيا على حساب أوكرانيا.
 
فما الذي يحدث في أوروبا؟ وكيف استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يتقدّم على جميع الزعماء الأوروبيين؟
 
وهل ستؤدي الحرب القائمة في أوكرانيا إلى انهيار أوروبا كليًّا أم أن القارة العجوز ستتخلّى عن أوكرانيا لصالح روسيا في نهاية المطاف؟!
 
منذ الحرب العالمية الثانية وحتى أشهر قليلة عاش المواطن الأوروبي حياة استقرار ورفاهية مقارنة بمعظم سكان العالم، إلا أن الهجوم الروسيّ على أوكرانيا بثّ الرّعب في نفوس المواطنين الأوروبيين لأوّل مرة منذ عقود طويلة. ولعلّ انهيار اليورو مقابل الدولار الأميركي في الأيام القليلة الماضية أدخل الأوروبيين في نفق مظلم من عدم اليقين؛ ذلك أن السلم والأمن، والاقتصاد إلى جانبهما، شكّلت عناصر معادلة ذهبيّة ساهمت في توفير حياة رغيدة للأوروبيين. أمّا اليوم، فالمعادلة الذهبيّة تفكّكت، وأضحى السّلم والأمن في مهبّ الرّيح، والاقتصاد على وشك الانهيار، كما تمكّنت الحرب الروسية - الأوكرانية من تعرية الاقتصاد الأوروبي وإظهار هشاشته، فضلاً عن ضعف الاتحاد أمام روسيا، خصوصًا أن الدول الأوروبيّة مجتمعة لم تستطع مواجهة روسيا لا سياسيًا ولا اقتصاديًا ولا حتى عسكريًّا، ذلك أن الدول الأوروبية مجتمعة لم تستطع تقديم سوى فتات الدعم العسكري لأوكرانيا مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية، بالرغم من أن خسارة أوكرانيا للحرب ستنسحب آثارها المباشرة على أوروبا أكثر ممّا هي الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
 
وعليه، يُمكن القول إنّ الحرب الدائرة أضحت بمثابة المستنقع الذي يغرق الأوروبيين الذين يخشون البرد القارس في الشتاء المقبل بلا تدفئة بسبب انقطاع الغاز الروسي عنهم، ها هم يُصابون بالذّعر الآتي من خلف الكواليس الاقتصادية التي تشي بانهيار محتوم بدءًا بانهيار اليورو مقابل الدولار، مرورًا بمؤشرات التضخّم المرتفعة لتعميق الجرح الأوروبي، وصولاً إلى انهيارات كبرى ستطال جميع القطاعات قريبًا.
 
أمام هذا الواقع إذن، لا بدّ من طرح السؤال الآتي: هل سيدفع الاقتصاد الأوروبيين للتراجع عن دعم أوكرانيا؟
 
ممّا لا شكّ فيه أن السياسة الأوروبيّة تعيش حالاً من التخبّط الشديد بسبب الواقع الاقتصاديّ. ولعلّ استقالات الزعماء السياسيّين من مناصبهم صارت تدفع الإعلام الغربي والروسي للتحليل إلى إمكانية تحوّل مواقف بعض الدول الأوروبيّة من حال العداء إلى الصداقة مع روسيا للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية؛ ذلك أن أحد المرشّحين لخلافة رئيس الوزراء البريطاني المستقيل بوريس جونسون، وهو وزير المالية البريطاني السابق ريشي سوناك ذو الأصول الهندية، يبدو أنه مهتمّ بالصراع مع الصين أكثر من اهتمامه بروسيا.
 
الجدير بالذكر أن جونسون قدّم استقالته إثر ضغوطات كبيرة مورِسَت عليه لأسباب عدة، إلا أنّ السبب الرئيسيّ تجلّى بتراجع الاقتصاد البريطانيّ بعد الهجوم الروسيّ على أوكرانيا. لكن جونسون ليس الضحيّة الأوروبية الوحيدة للحرب بل القائمة تطول، وتضمّ رئيس الوزراء الإيطاليّ ماريو دراغي الذي قدّم استقالته كذلك لأسباب تتعلّق بالتراجع الاقتصادي في بلاده أيضًا. وقد يتسلّم رئاسة الوزراء في إيطاليا ماتيو سالفيني السياسيّ المقرّب من موسكو عمومًا، ومن شخص الرئيس بوتين خصوصًا، ويتمتع بخلفيّة وتوجّهات متناقضة تمامًا مع دراغي الذي كان مؤيّدًا بشدّة لتوجّهات حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي ضد روسيا، فضلاً عن إعطائه أوامر بإرسال الأسلحة إلى كييف دعمًا للمقاومة ضد الجيش الروسي.
 
أما بالنسبة إلى سالفيني، فقد كان يغالي بعلاقته الطيبة التي تجمعه ببوتين، حيث وقف ذات يوم متفاخرًا بالتقاطه صورة أمام الكرملين وهو يرتدي قميصًا طُبع عليه صورة سيد الكرملين. صحيح أن ذلك قد يكون من الماضي وليس له علاقة بالحاضر، خصوصًا أن السياسة تتغير مع تبدّل الأولويات والمصالح، إلا أن الإعلام لا يزال يعتبره مقرّبًا من موسكو.
 
يضاف إلى لائحة ضحايا الهجوم الروسيّ على أوكرانيا رئيسة وزراء إستونيا "كايا كالاس"، التي تقدّمت بدورها باستقالتها بسبب نقص الغاز الحادّ في البلاد، الأمر الذي دفع رئيس وزراء المجر (هنغاريا) فيكتور أوربان إلى القول بأنّ "أوروبا فشلت في ملف أوكرانيا وبأن حكوماتها تنهار كالدومينو".
 
لكن قبل الختام، لا بدّ من التوضيح بأن الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، فضلاً عن استقبال ملايين اللاجئين الأوكرانيين، أثّر على الاقتصاد الأوروبي أيضًا. كلّ ذلك حدث والحرب لا تزال قائمة، وقد تتّجه نحو مزيد من التصعيد، ممّا يشي بتراجع الاقتصاد الأوروبيّ على نحو دراميّ، لذلك خرجت أصوات تنادي بإعطاء روسيا ما تريده من أوكرانيا حفاظًا على ماء وجه الاقتصاد الأوروبي. لكن في حال أقدمت أوروبا على خطوة كهذه فستتحوّل من اتحاد ضخمٍ، له مكانته في السياسات الدوليّة، إلى قارة تتبع الكرملين الروسيّ، ممّا يضع أوروبا بين ناريَن: إمّا التنازل للرئيس الروسيّ أو السير خلف واشنطن ودعم الأوكرانيين حتى النهاية، وإن كان ذلك على حساب الاقتصاد.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم