الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

"لولا" حاكمية المصرف المركزي "لاحتلّ" "داعش" لبنان

المصدر: "النهار"
مكرم رباح
مصرف لبنان. (أرشيفية- "النهار")
مصرف لبنان. (أرشيفية- "النهار")
A+ A-
قبل نحو عامين، وأثناء زيارة صديق وزميل دراسة من الأردن، تطرّقنا إلى الانهيار الاقتصادي الحاصل في لبنان؛ روى لي حديثاً أجراه في عمان مع حاكم المصرف المركزي، الذي حذّره منذ سنوات من الانهيار المقبل في لبنان، بعد أن اعتبر ما يقوم به حاكم مصرف لبنان المركزي هو مجرّد بهلوانيّات نقديّة مصيرها الفشل.
 
وفي سياق ردّي على صديقي، وتعليقاً على أداء الحاكم واستمراره في عمله، قاطعني متفاجئاً "هل رياض سلامة لا يزال في منصبه؟".
 
صدمة صديقي جاءت لكون الأخير بقي في موقعه رغم الفشل الذريع في إدارة عمله والاتهامات التي طالته، خاصّة في ما يتعلّق بالهندسات المالية التي أجراها عام 2016، والتي تُعتبر بالرغم من "قانونيتها" - بحسب منطق الطغمة الحاكمة - عملاً غير أخلاقيّ ساهم في تسريع الانهيار الحاصل.
 
مع نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان آخر الشهر الحالي، تعود الأصوات والأبواق لتبرير التمديد، ولو التقنيّ للحاكم، تحت ذرائع عديدة، فتسترعي الانتباه إحداها "لولا سلامة لكان وصل سعر صرف الدولار إلى المليون ليرة"، في محاولة مبطّنة للتهويل من عواقب استبداله تحت شعار "خلال الحرب لا يُمكن تغيير الضبّاط"، بحسب كلمات رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، الذي تهرّب من المسؤولية كما هي حال شركائه في الطغمة الحاكمة وشركائهم في القطاع المصرفيّ.
 
تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، أو قائد أركان للجيش، أو حتى حاجب في مركز في الدولة اللبنانية هو في آخر المطاف عمل يدخل في صلب الحوكمة، ويصل ليكون جزءاً من ممارسة الدولة لسيادتها؛ هو بطبيعة الحال مبدأ غير موجود في ظلّ سيطرة تحالف السلاح والفساد على كل مفاصل الدولة ومواردها.
 
"لولا سلامة لكانَ الدولار وصل" لا تختلف عن مقولة "لولا حزب الله لكان "داعش" وصل إلى بيوتكم، واغتصبَ نساءكم، وقتل أطفالكم"، فهذه سرديّة تستعملها الطغمة الحاكمة في لبنان، وعلى رأسها "حزب الله"، لتبرير العديد من الخطوات غير الأخلاقية والممارسات المسيئة لتنظيم يدّعي القدسيّة والتعفّف.
 
ولكن هذا "الحزب" تطال شبهات واتهامات لمقرّبين منه، تتعلّق بتصنيع وتهريب المخدرات ونهب موارد الدولة، أو بأقلّ حدّ، التستر على تلك الممارسات. في صميم القضية، تجاوزات سلامة، كالتي قام بها "حزب الله"، في لبنان وفي العالم، لا تبدأ وتنتهي بتثبيت سعر صرف العملات الأجنبية ولا في "قتال داعش"، بل في كافة الأمور الأخرى التي دفعت بالبلد إلى القعر.
 
مصرف لبنان ليس إمارة مستقلّة عن الدولة، والحاكم ليس متصرف جبل لبنان، بل الحاكمية هي منصب حكوميّ "رفيع"، يجب أن يحاسب متسلّمها من قبل السلطة التي خلعت عليه تلك السلطة المالية المطلقة، وفي حال تقصير السلطة عن ذلك، تحاسب هي بصرامة تامة. المسؤولية تقع على ميقاتي والطبقة السياسية التي تستمرّ بجعل الانهيار الحاصل مسؤولية فردية، وإصرارهم على تحميل السقوط المدوّي للاقتصاد اللبناني على الحريرية السياسية وتصوير رياض سلامة على أنه استمرار غير منقطع لسياسات رفيق الحريري المالية، يعتبر ضرباً من الكذب والخداع.
 
حاكمية سلامة، كما "حزب الله" كفكرة، يجب أن تحاكم أمام الرأي العام، لكون القضاء اللبناني في حال من السبات العميق والصارخ. رياض سلامة ثبّت سعر صرف الدولار بطريقة أفاد منها "المنظومة" وأزلامها، مثلما قام "حزب الله" بقتال "داعش" عبر وضعهم على متن حافلات مكيّفة وتأمين طريقهم إلى الداخل السوري. الرهان على سلامة لتثبيت سعر الدولار أو على "حزب الله" لحماية لبنان رهانان أثبتا حقائق عدة، لكن أولها أن اللبنانيين بمختلف توجّهاتهم وانتماءاتهم المذهبية سمحوا بما يمكن تسميته "دعشنة" اقتصادهم وسلبهم سيادتهم وأموالهم والتطبيع مع تلك الحالات الشاذة، كـ "حزب الله" ومشتقاته.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم