الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أردوغان واللعب بأوراق التناقضات العالمية

هادي جان بو شعيا
تعبيرية (أ ف ب).
تعبيرية (أ ف ب).
A+ A-
سرّعت تركيا وتيرة خططها السياسية لإعادة التموضع التي تبنّتها مؤخراً في محيطها الإقليمي وفي علاقتها مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
 
آخر تطوّر في هذا الصدد عبّر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب إعادة انتخابه رئيساً لـ"حزب العدالة والتنمية" عندما أعلن صراحة عن رغبة بلاده في إزالة المشاكل مع الجيران بمن فيهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي تلقّى من أنقرة مؤخراً رسائل مصالحة عدة. لكن ملفاتٍ شائكةً كثيرة تبطئ وتيرة التطبيع بين القوتيْن الإقليميتيْن وعلى رأسها ملف جماعة "الإخوان المسلمين".
 
فكيف يعتزم أردوغان تصفير المشاكل مع خصومه في المنطقة العربية وفي شرق المتوسط وأوروبا؟
 
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يشير إلى محادثات بنّاءة مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، على هامش اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العاصمة البلجيكية بروكسل.
 
إذاً كيف يمكن التوصل لذلك في وقت جدد فيه بلينكن رفض واشنطن لصفقة صواريخ "إس-400" الروسية؟
 
من الواضح أن كلا الطرفين يقرآن الأمور والقضايا العالقة على طريقتهما الخاصة وهذا ما يعكس حقيقة أن التفاهمات لم تكتمل بعد، حيث هناك أكثر من عقبة وأكثر من ملف شائك بين أنقرة وواشنطن. ذلك أن هناك تصعيداً أميركياً تجاه صفقة صواريخ "إس-400"، فضلاً عن امتعاضها من العلاقة الروسية - التركية المتنامية، إلا أن ذلك لا يلغي أن هناك رغبة مشتركة بعدم قطع خطوط التواصل السياسية والدبلوماسية بين الطرفين، حيث كانت هناك إشادة أميركية بدور تركيا في حلف (الناتو)، فضلاً عن التركيز الأميركي على جهود أنقرة المبذولة في ما يتعلق بالوساطة بالملف الأفغاني.
 
لكن إزاء ذلك كله، تنتهج تركيا سياسة إعادة تموضع واضحة في الملفات الخارجية مصحوبة برغبة لاعتماد إستراتيجية تحرك جديد تنطوي على الليونة والبراغماتية ونهج عملي وواقعي يتبنى مزيداً من الحوارات الدبلوماسية.
 
تأتي الإشادة بدور تركيا ضمن حلف شمال الأطلسي كشريك وحليف معتبر، لتعكس عودة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الواقعية السياسية، خصوصاً أنه تعهّد إبّان حملته الرئاسية بدعم المعارضة التركية لإسقاط أردوغان.
 
ما الذي تغيّر؟
 
خرجت أصوات أميركية لتقول إن الكلام المتعلّق بـ"التعهد" لدعم المعارضة جاء ضمن سياق حماسي وانتخابي، وكان لا بدّ من تلطيفه عند الحديث عن الواقعية السياسية التي لا بد أن تنعكس على المشهد السياسي مع توّلي بايدن منصبه.
 
لكن المفارقة في العلاقة الأميركية - التركية، هي موضوعياً، مبنية على مصالح ورؤى مشتركة تعكس تحالفاً حقيقياً دام لعقود طويلة من الصعب أن يشهد نهايات درامية.
 
إنما، إلى جانب هذا الواقع الموضوعي والجوهري، ثمة واقع موضوعي عرضيّ ينطوي على مسائل خلافية عديدة، منها ابتعاد تركيا عن التحالف الذي نشأ على المصالح والقيم. لذلك يتساءل البعض اذا ما كان الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى الى تنفيذ وعده الإنتخابي، خصوصاً مع اعتراضه على انسحاب أنقرة من الاتفاق الأوروبي لحماية المرأة من العنف، إضافة إلى نظرته المستمرة لإقرار تركيا واعترافها بالإبادة الجماعية التي ألحقتها بالأرمن إبان حقبة السلطنة العثمانية.
 
لذلك لا يمكن القول إن ممارسة الواقعية السياسية تعني التخلي عن المبدأ إنما هي شبيهة بحال الولايات المتحدة الأميركية اليوم تجاه حلفائها الأوروبيين، ومن ضمنهم تركيا، والتي يجب أن تبدأ بإعادة ترميم العلاقة معهم قبل التصدي للمشاكل الحقيقية التي تعترضها من قبل الصين وروسيا.
 
تبرز إذاً هنا جدلية جديدة متمثلة بتضارب مواقف إدارة جو بايدن بين بداية عهدها واليوم، ما يدعو إلى التساؤل عما إذا اكتشفت الإدارة الأميركية أهمية تركيا الإستراتيجية في ملفات تهمّ واشنطن كثيراً، وعلى رأسها الملف الأفغاني، وبالتالي تعوّل على مؤتمر، من المزمع عقده في إسطنبول، لحلّ الخلافات بين فرقاء الأزمة في أفغانستان، ما يمهّد الطريق لانسحاب الجيش الأميركي من ذاك المستنقع.
 
ذلك أنه، من المستبعد في واشنطن، سواء من كان في موقع الحكم او خارجه، أكانوا ديموقراطيين أم جمهوريين، أن يكون هناك من يجهل أن تركيا حليف أساسي ومهم في الشأن الأفغاني والأوروبي وسواهما. ولكن، هناك امتعاض من تصرفات تركيا وكأنها خصم يسعى إلى "شخصنة" العلاقات ويتودّد شيئاً فشيئاً نحو روسيا، ناهيك بممارساتها الداخلية من قمع واحتجاز والإفراط في التصدي للانقلاب الفاشل الذي شهدته وسواها من القضايا التي تُطرح داخل واشنطن ويُنظر إليها بعين الريبة باتت أبعد من حليف، رغم التمسك بها كشريك في مسائل أخرى تتصدى لها بموضوعية.
 
والسؤال الأوسع هنا، ما هي خطة أردوغان لتكثيف صداقات بلاده؟ وهل يعود لممارسة سياسة صديق الأمس رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو والقائمة على "صفر مشاكل"؟
 
المسألة الأساسية التي تحتاج إليها حكومة العدالة والتنمية تستوجب إجراء مراجعة شاملة وجذرية لطريقة تعاملها في ملفات إقليمية ودولية وربما وصلت متأخرة على ما يبدو!
 
إذ إن هناك نقطة أساسية لا يمكن تجاهلها تتعلّق بدوائر التأزم الأساسية في سياسات أنقرة الخارجية، بدءاً بالدائرة الأميركية، مروراً بالدائرة الأوروبية، ووصولاً إلى الدائرة العربية إذا جاز التعبير، على الرغم من المحاولات الخجولة عبر الانفتاح التركي لتخفيف حدّة التوتر هذه. لكن الامتحان الأصعب يتجلّى بمدى تجاوب الأطراف المعنية على أرض الواقع وكيفية صرفه عملانياً.
 
وهذا ربما ما يقودنا إلى السر الكامن خلف هذا الاندفاع نحو المصالحة الذي أعلنه أردوغان اليوم، بالتزامن مع إنهيار سعر صرف الليرة التركية في اليومين الماضيين، وحديثه عن دستور جديد يكتبه الشعب التركي. ما يشي بأزمات داخلية دفعت باتجاه هذا المنحى.
 
ومما لا شك فيه، أن الداخل التركي يحتاج إلى مراجعات سياسية على الأصعدة كافة اقتصاديّاً واجتماعياً وحتى قانونياً، وهذا ما يفسّر طرح العديد من الأجندات من قبل حكومة "العدالة والتنمية" في الأيام الأخيرة.
 
ولعلّ تقوية الداخل التركي وتعزيزه في المرحلة المقبلة سيفتح الطريق أكثر أمام الحكومة للانطلاق في رحلة حلحلة الملفات الخارجية. إذ لا يمكن الرهان على تحرك إقليمي ودولي من دون أن يكون الداخل التركي متماسكاً وقوياً ومهيئاً للتعامل مع كل هذه التحديات.
 
في سياق متصل، إذا ما نجحت تركيا في تحقيق نوع من التقارب مع إدارة بايدن. فكيف لها أن تتجاوز العقدة الفرنسية في تحسين علاقتها مع الاتحاد الأوروبي؟
 
"أردوغان السلطان الذي يتحدى أوروبا" تحت هذا العنوان، بثّت إحدى القنوات الفرنسية فيلماً وثائقياً، حيث كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحد المتحدثين فيه، كاشفاً عن فصل جديد مشتعل مع نظيره التركي. مؤكداً في خلاله أن الانتخابات المقبلة ستشهد تدخلاً من قبل الأتراك. ويقول ماكرون: "هذا موثّق! وهذه التهديدات ليست خفية. حيث كانت هناك أكاذيب دولة والتي نقلتها وسائل الإعلام التي تسيطر عليها تركيا وتناقلتها وسائل إعلام كبيرة".
 
ماكرون إذاً يفتح النار مجدداً على أردوغان، الذي شكّك، العام الماضي، في قواه العقلية، على خلفية رسوم اعتُبرت مسيئة للنبي محمد. وذلك ما وصفته وسائل إعلام تركية على خلفية تصريحاته الأخيرة أنه مصاب بـ"متلازمة أنقرة" التي يرمي عليها مشاكله كافّة.
 
والسؤال هو، هل حقّاً كذلك أم أن اردوغان يريد أن يزيحه عن الحكم فعلاً، ولكن وفق الطريقة الروسية في الانتخابات الأميركية؟
 
وفي وقت يتحدث فيه ماكرون عن ضرورة عدم خسارة تركيا، استراتيجياً، على مستوى المجموعة الأوروبية، وكذلك بالنسبة إلى العلاقات في حلف شمال الأطلسي، لكنه لم يفوّت الفرصة للتصعيد ضد تركيا، محذّراً من مغبة تدخّلها في الانتخابات الفرنسية السنة المقبلة.
 
خلاصة القول، إن الغرب على بيّنة من أمره إزاء التنسيق التركي - الروسي الذي يتقدّم باستمرار، مبدياً خشيته من تحوّله إلى تحالف إستراتيجي يضرّ بمصالحه، في وقت يزور فيه وزير الخارجية الصيني أنقرة لبحث ملفات إستراتيجية. وهذا ما سيطيح، إلى حدّ بعيد، في إمكان صوغ تفاهمات لإنهاء التوتر الحاصل. ما ينسحب ايضاً على الدائرة العربية وعلى رأسها مصر.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم