الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أما آن لحزب الله النزول عن الشجرة؟

المصدر: "النهار"
منى فياض
عناصر "حزب الله" (حسام شبارو).
عناصر "حزب الله" (حسام شبارو).
A+ A-
أخبرني صديق لي، مسروراً: "سأنام ملء جفوني اليوم"، شاكراً الانتخابات. لماذا؟ قال إنه سمع ألطف خطاب للسيد حسن نصرالله: هادئ وبشوش ومن دون رفع الإصبع! وحمد الله أنّني لم أسمعه، وإلا لكنت تجنّدت عند الوليّ الفقيه.

يحملك ذلك على التساؤل عن قدرة السيد نصرالله في تلبّس الأدوار المتغايرة، كمن يقف على مسرح، عينٌ على الجمهور، لكنّه يُدير عينه وأذنه إلى المخرج الذي خلف الستارة يطلب منه اللعب على السيناريوهات. فتراه يتنقّل من مسرحية إلى أخرى، وحسبما تتطلّب "المصلحة" بحسب قاموسه.

لكن جمهور الواقع ليس نفسه جمهور المسرح الذي يتقبّل تبدّل المسرحيّات وسيناريوهاتها وأداء الشخصيّات. فكيف سيتسنّى للجمهور اللبنانيّ أن ينسى التعطيل لفرض مسؤولين يخدمونه (جمعت أعدادها وبلغت 13 سنة ونيّفاً)، والتقلّبات المستندة إلى صواريخه، والتي أفسدت حياة كلّ فرد لبنانيّ ومستقبله؟ هل تراه يعتبر اللبنانيّ خرِفاً وفاقداً للذاكرة؟!

أعمى غشاء القوّة الفائضة بصيرة الحزب، ومنع مسؤوليه تلمّس حجم الغضب اللبناني من تجبّرهم وتهديداتهم وأصابعهم المرفوعة، وخصوصاً الاحتقار المتمادي: فمن "تأدّبوا" إلى "فشرتم" إلى سلسلة تحقيرات يحفظها غوغل بأمانة.

سبق لي أن راهنت على "حكمة حزب الله"، وكان هذا عنوان مقال لي منذ العام 2006. وأذكر أن لقمان قال لي مرّة معاتباً: "تابعتك، وقرأت مقولتك عن "حكمة حزب الله"! ولكن الأحداث بيّنت أن لا حكمة لديه ولا من يحزنون".

لذا صدّق الحزب أنّه سيكتسح الساحات، وأن الطائفة الشيعيّة في جيبه الصغير، ولم يقدّر حجم الاعتراض والغضب، وأنهما كالماء لا بدّ أن يجدا مسرباً بطريقة ما في يوم الاقتراع، خصوصاً بعد اعتداءاته الشّرسة على ثوار 17 أكتوبر، وإفشال مفاعيلها، حماية للسلطة التي تحمي السلاح، الذي لم يمنع عنهم المصائب والإذلال، بل إنه ساهم بإنجاح مَن شَيْطَنَهم.

طبعاً، تترافق النقمة من الوضع الاقتصادي الكارثي مع الإحباط واليأس من القدرة على التغيير. ولقد انعكس ذلك في صناديق الاقتراع، فامتنع ما يُقارب من 59% من الناخبين عن التصويت. أمّا الذين اقترعوا فقد نجحوا في تأكيد رفض الرأي العام للدويلة على حساب الدولة وسيادتها.

مع ذلك، استطاع هو والمنظومة الحفاظ على وجودهما، وإعادة نواب فاسدين ووزراء فاشلين في وزاراتهم، مستندين إلى العصبيّات والخوف، واستتباعهم لجيش من الاتّباع الموظّفين والمستفيدين المدسوسين في أحشاء القطاع العام.

مع ذلك، لا يمكننا سوى احترام بلد الحريات الذي سمح للناخب اللبناني الحرّ بانتزاع الأغلبية البرلمانية من هيمنة الممانعة، وإدخال أكثرية منوّعة، يغلب عليها من يُعرفون بالسياديّين، بالرغم من الاعتداءات الترهيبيّة في البقاع، والتزوير والرشاوى وجميع المخالفات الموصوفة، التي سجّلتها "لادي"، وأعلن عنها مراقبو الاتحاد الأوروبيّ. ويبدو أن سيرورة الطعن بالنتائج بدأت، ولنرَ!

لم يكن منتظراً أمام قانون الانتخاب المشوّه، المفصّل على حجم الممسكين بالسلطة، الذين يسخّرون مقدرات الدولة ووظائفها واستثماراتها وتوظيفاتها مالاً انتخابياً ورشاوى على مدى السنوات، أن تكون نتائج الانتخابات قادرة على إحداث التغيير الجذريّ. لكنها أطلقت سيرورة التغيير التي انطلقت شرارتها في 17 اكتوبر. من المبكر انتظار انهيار هذه السّلطة بتفرّعاتها وعملها الدؤوب خلال 30 سنة للتقليديين، وأربعين سنة (حزب الله) من أوّل جولة.

لن نستعيد نقدنا لأداء مختلف المعارضات، سواء التقليدية منها المسمّاة سياديّة، والتي تشرذمت، وغلّبت حساسياتها ومصالحها الضيّقة، فلم يتخلَّ أحد منهم عن "الإيغو" القاتلة خدمة لمصلحة لبنان. نأمل أنّهم تعلّموا الدّرس، ولن يسمحوا بالشرذمة القاتلة، أمام خصوم حديديين، واستكمال الانهيار.

الآن، وبعيداً من التنافس بالأحجام وبتمثيل الطوائف، المهمّ تمثيل مصالح اللبنانيين؛ من هنا مسؤوليّتهم جميعاً، باعتبارهم تغييريّين ومجتمعاً مدنيّاً وثواراً وسياديّين تقليديين، أن يتركوا أنانيّاتهم، فيضعوا برنامجاً ملزماً، يتضمّن على الأقلّ العناوين الأساسيّة التي بإمكانها إنقاذ البلد، والالتفات إلى حاجات المواطنين الضروريّة بأسرع وقت، وإلا فلن ينجحوا في إحداث التغيير المطلوب.

الأولوية للعودة عن بدعة حكومات الوفاق الوطنيّ لأنّها أفضل وصفة لتعطيل العمل الحكوميّ بسلاح الثلث المعطّل، بالإضافة إلى عدم الخضوع لفرض "القاعدة الذهبية" العتيدة: جيش وشعب ومقاومة المستخدم كغطاء لتشريع السلاح اللاشرعي، في ظلّ الحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله وحياده باحترام وتطبيق الدستور، مع الالتزام بالشرعيّة الدوليّة وتطبيق قرارات مجلس الأمن كافة للسيطرة على الحدود، والقضاء على الاقتصاد الموازي، واستيفاء حقوق الدولة بضبط الرسوم الجمركيّة، واعتماد الضرائب التصاعديّة؛ وقبل كلّ شيء العمل جديّاً على استقلاليّة القضاء، وإعادة تفعيل عمل القاضي البيطار في تحقيق المرفأ.

هذا، ونأمل من التغييريّين تصويب آليات عمل المجلس، والحرص على المشاركة في جميع اللجان النيابية لممارسة الرقابة، معتمدين على دعم الشعب اللبناني، بوجه التوافقات والصفقات التي تُمرّر عبر تشابك العلاقات السياسيّة والماليّة عند اتّخاذ القرار السياسيّ. إنّ استعادة حقوق المودعين، والتعاون مع صندوق النقد الدولي، والوقوف بوجه حيتان المال - الذين تحالف معها بعض المعارضين السياديين في الانتخابات - ومحاسبة المصارف، وإعادة مصرف لبنان لدوره الطبيعيّ كسائر المصارف المركزية.

أما بعد فشّة خلق النائبين فضل الله ورعد بنعتهم اللبنانيين بالعمالة وتخوينهم وتهديدهم بالحرب الأهلية والاستهزاء بنتائج صناديق الاقتراع "حطّوها بكباية واشربوها".
يظهر السيد نصرالله بخطابه بعض الواقعيّة آنيّاً، لمعرفته الضمنيّة بخسارتهم الموصوفة، وبتصدّع مختلف جبهاتهم الحديدية؛ من تململ البيئة الحاضنة إلى فقدان أحصنة طروادة في داخل الطوائف الأخرى.

لكن نصرالله لم تمنعه دماثته من إشهار سيف التعطيل، مستعيداً نغمة الأكثرية الشعبية التي ابتدعها في العام 2009.

اكتشف هذه الدورة فقط أن قانون الانتخاب، الذي أوصل بفضله أكثريّة عدديّة من 74 نائباً، وتبجّح قاسم سليماني بأنّهم جعلوا حكومة لبنان "حكومة مقاومة"، سيّئ، ويجب تغييره! مع أنه فرضه بعد أن فصّله على قياسه وقياس حلفائه "الذميّين". يريد نسفه الآن لأنه خسر الأكثرية: "إن عدد النواب لأيّ جهة يعبّر عن الخيارات الشعبيّة والإرادة الشعبية في حالة واحدة هي أن يكون قانون الانتخاب على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، وخارج القيد الطائفي، وبتمثيل نسبيّ، وشباب وصبايا الـ18 ينتخبون". انتبه الآن إلى أن "توزيع الدوائر تمّ بهذا الشكل غير العلميّ، لأنّها تقصّ وتلزق وفق مصالح بعض الزعماء السياسيين، وهذا يؤدّي إلى أن عدد النواب لا يمثل الشعبيّة أو الإرادة الشعبية... عندما يقول أحد أن هذا التنظيم أكثر شعبيّة، يجب أن يذهب إلى عدد الأصوات لا عدد النواب"، من دون أن ينتبه إلى أن الإرادة الشعبيّة لا تكون كذلك فقط عندما تكون لمصلحته أو عندما تقمع الأصوات المعارضه لها بالإرهاب!

لكن المضحك المبكي اعتباره أن سبب أزماتنا يعود إلى تدخل السفارات ودعمهم "حفنة عملاء لإسرائيل وأميركا". إن الجندي في خدمة زعيم دولة أجنبيّة تموّله وتسلّحه بوجه الشعب والدولة اللبنانيين، وتعيث فساداً في 4 دول عربية، يخوّن الآخرين، ويُشيطن سفارات تعمل في العلن وفي إطار القوانين المرعيّة!

السؤال: إذا كان سلاحكم عجز عن حماية لبنان من إسرائيل بطلعاتها الجويّة، وحوّل الشعب إلى طابور خامس، ولم يستطع حمايته في سوريا، ولا منع انهيار لبنان، فما نفع هذا السلاح وهذه المقاومة إذن؟!

وإذا كانت خطة "حزب الله" الآن التعطيل لفرض سياساته على غرار العراق، فعليه أن يتذكّر أن العراق بلد نفطيّ واقتصاده غير منهار، فهل يتحمّل لبنان المفلس هذا السيناريو؟ هل ستتحمّل حاضنته؟

يُنقل أن وجوه الممانعين قلقة من المستقبل، وعند سؤالهم عن سبب التصاقهم بالحزب، يجيبون "تورّطنا معهم، ورأسنا مطلوب داخليّاً وخارجيّاً! أو: هل تريدون إعادتنا عتّالين على البور وزبّالين؟".

كأن الواقع في حفرة يخلّصه الاستمرار في الحفر فيها، وكأنّ الدستور اللبناني خصّص مهنة العتالة للشيعي! وكأنّ من نزلوا من الفلاحين الذين هجّرهم احتلال إسرائيل لفلسطين كان بإمكانهم التقدّم إلى الوظائف الإدارية، وهم لا يملكون المستوى التعليميّ المطلوب! وعندما تسألهم لماذا ستعود عامل نظافة؟ أين أولادك، أليسوا متعلّمين؟ يُجيب يعملون في كندا.

إنّ اللاعقلانية التي يغرق فيها كثير من الجمهور الشيعيّ لافتة. لا يسأل واحدهم نفسه: أيّ صورة تقدّمها عنّا للعالم؟

فيديوهات البلطجة والتهديد والضرب والهجوم على مراكز الاقتراع؟

أيّ صورة لهم يجعلهم شعار "شيعة شيعة شيعة" سلاحهم للترهيب!

والمضحك المبكي أن نصرالله لم ينتبه لإساءة الشعار إلى الشيعة واللبنانيّين إلا بعد عامين ونصف من رفعه من قبل زعران هجموا بقبضاتهم وخناجرهم على الثوار، وسمح لهم بإفلات دراجاتهم بأعلامهم الصفراء في شوارع بيروت.

بالمناسبة، لم ينتبه بعد إلى صور الإيرانيين والإرهابيين التي تصفع وجوه القادمين على طريق المطار، وفي الضاحية، والتي يمزقها الشعب الإيراني في مدنه، ولا يجرؤ نظامهم على تعليقها.

آن لأغلبية الشيعة الخائفين أن يواجهوا أنفسهم، وأن يعتذروا عن تورّطهم بدم اللبنانيين والعرب، وأن يتنازلوا طوعاً عن فائض قوّتهم المستعارة ووهمهم أنهم أقوى وأشرف الناس كي يستعيدوا لبنانيّتهم وعروبتهم قبل فوات الأوان.

عليهم حلّ هذه الإشكالية: هل من الطبيعي أن لا يترشّح عنهم سوى أبطال الثنائية إيّاها، فيحصرون نواب طائفة متنوّعة برمّتها بحضراتهم؟

هل من الطبيعي أن يحوّلوا التشيّع إلى سلاح للإرهاب؟
هل يرضون أن تمثلهم حصرياً فئة تعلن انتماءها وولاءها إلى بلد أجنبيّ، وتتموّل منه، وتحمل سلاحه، وتنشر نشاطها غير الشرعيّ على مساحة الكرة، ومعه عدد المطلوبين للعدالة؟
 
نُشر أيضاً في موقع "الحرة".
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم