الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

كيف تخسر الأصدقاء وتبعد الناس- بايدن نموذجاً

المصدر: النهار
فيصل ج. عباس
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب).
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب).
A+ A-

غرّد الصحافي اللبناني المخضرم والكاتب في صحيفة الشرق الأوسط أياد أبو شقرا يوم الإثنين قائلًا: " يتمثّل أسوأ سيناريو سياسيّ عسكريّ بكون المرء مهدّدًا من روسيا وموعودًا بالحماية من أميركا!"؛ وأنا أتّفق معه تمامًا، فقد لخّص هذا التصريح حالة العالم اليوم بطريقةٍ رائعةٍ وموجزةٍ.

 

وما يمكنني إضافته هو أنه لو أراد المؤلّف "توبي يونغ" كتابة تكملة لمذكّراته، التي نشرها في العام 2001، تحت عنوان "كيف تخسر الأصدقاء وتُبعد الناس"، فسيجد في السياسة الخارجية للرئيس الأميركي جو بايدن مساحةً تزخر بالمحتوى المناسب.

 

وما علينا سوى النظر إلى عناوين الأخبار، التي نشرت خلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، بدءًا من إسرائيل، التي تُعدّ أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتي في سياق تعبيرها عن صدمتها إزاء مدى استعداد المفاوضين الأميركيين غير الحكيمين في فيينا للانصياع لمطالب إيران، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير خارجيته يائير لابيد إنّهما "يرفضان تصديق" أن الولايات المتّحدة قد تزيل الحرس الثوري الإيراني من لائحة المنظّمات الإرهابية.

وكم هو نادر أن نرى أهمّ وزيرين إسرائيليين يكافحان من أجل مخاوف عربية (بالإضافة إلى كونها طبعًا مخاوفهما الخاصّة أيضًا) عبر تذكير فريق الرئيس بايدن بأن براثن الحرس الثوري الإيراني الخبيثة تمتدّ إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط وبأنها تتحمّل مسؤوليّة هجمات استهدفت مدنيين أميركيين وقوات أميركية في المنطقة.

بالطبع، ما من شخص عاقل يريد أن تمتلك إيران أسلحةً نوويةً، وعلى العالم أن يفعل كلّ ما في وسعه لإبرام صفقة أكثر صرامةً، إلّا أن إزالة الحرس الثوريّ الإيرانيّ من لائحة الإرهاب لمجرد الوصول إلى اتفاق جديد سيكون بمثابة محاولة إخماد حريق عبر رشّه بوقود الطائرات.

وفي خضمّ حماس إدارة الرئيس بايدن لإبرام صفقة في فيينا تقبع رغبة شخصيّة بالانتقام من سلفه دونالد ترامب. وقد أدّت هذه الرغبة بالانتقام، مقترنةً بالخلاف السياسي الداخلي، إلى إلغاء تصنيف ميليشيا الحوثي المدعومة من طهران كجماعة إرهابية في أوائل العام 2021 أيضًا – عاكسةً بالتالي القرار الجدير بالثناء الذي اتّخذته إدارة ترامب قبل انتهاء ولايته. ورداً على هذه الخطوة، كثّف الحوثيون، الذين أطاحوا بالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في العام 2014، استهدافهم المتعمّد للمنشآت المدنية في السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبدلاً من إعادة النظر في موقفها، ضاعفت إدارة الرئيس بايدن من إجراءاتها التي تأتي في سياق استراتيجيتها الواضحة لإبعاد الأصدقاء.

 

كما أن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من هجمات الحوثيين السافرة التي استهدفت في نهاية الأسبوع منشآت أرامكو في السعودية، لم تتّخذ حتّى الحدّ الأدنى من القرارات التي لا يترتّب عليها أيّ تكلفة لإعادة إدراجهم على قائمة الجماعات الإرهابية. وقد أتت هذه الهجمات في وقت تشهد فيه إمدادات الطاقة العالميّة اضطرابات بالفعل، ويُثير ارتفاع الأسعار الذي يرافقها قلق العالم. وبالتالي، كانت السعودية محقةً تمامًا في قولها، وفق ما صرّحت يوم الإثنين بأنّه لا يُمكن تحميلها مسؤوليّة أيّ مشكلة متعلّقة بإمدادات النفط تكون ناجمة عن هجماتٍ تشنّها مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران.

 

وفي الواقع، يجب على سائقي الشاحنات وشركات الطيران وسفن الشحن والمستشفيات وكلّ الصناعات والأفراد المتأثرين بالسياسة الخارجية غير الحكيمة للرئيس بايدن، من تورنتو إلى طوكيو، أن يتذكّروا أنّه هو السبب في الضائقة الاقتصادية التي يعيشونها.

 

ولكن فلنضع السعودية جانبًا، ولننسَ أفغانستان ونتجاهل إسرائيل، ولننظر لما يحصل في أوكرانيا، حيث يكمن أكبر دليل واضح على سوء تقدير الولايات المتحدة. فقد اضطرّ الرئيس فولوديمير زيلينكسي إلى مناشدة الكونغرس الأميركي للحصول على مساعدة إضافية، بعد أن تبدّد الأمل الأبدي لأوكرانيا في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وشكّل عدم احترام الخطّ الأحمر الذي وضعته إدارة أوباما حول ضمّ شبه جزيرة القرم سابقةً خطيرةً مهّدت الطريق أمام ما يحدث اليوم.

 

فإذا لم يكن أصدقاء الولايات المتحدة وحلفاؤها القدامى في السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وأوكرانيا كافين لإقناع الرئيس بايدن، أو إذا كان يعتقد أنّ رأي محرّر صحيفة سعودية سيكون حتمًا متحيّزًا ضدّه، فيتعيّن ربما على فريقه البحث في مكان أقرب إليهم – وقراءة افتتاحية تدين توجّهات سياسته الخارجيّة بعبارات بليغة نشرتها مؤخّرًا صحيفة وول ستريت جورنال(Wall Street Journal) . وقد اختُتمت الافتتاحية بالعبارات الآتية: "في هذا العصر الجديد من المنافسة بين القوى العظمى، لا تستطيع الولايات المتحدة تحمّل تبعات إبعاد حلفائها القادرين على المساعدة في ردع المعتدين الاستبداديين العازمين على إلحاق الضرر بمصالح الولايات المتحدة وقيمها. وتدفع الولايات المتحدة الثمن في الأزمة الأوكرانية لأنها خسرت السعوديين."

 

وبهذه الكلمات العميقة، لا اتصور ثمّة داع لاستمرار مرافعتي!

 
رئيس تحرير "عرب نيوز"*

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم