الخميس - 02 أيار 2024

إعلان

عن بوتين "القوي" ومعجبيه

منى فياض
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الذكرى الثامنة لضمّ روسيا شبه جزيرة القرم في ملعب لوجنيكي، موسكو (18 آذار 2022 - أ ف ب).
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الذكرى الثامنة لضمّ روسيا شبه جزيرة القرم في ملعب لوجنيكي، موسكو (18 آذار 2022 - أ ف ب).
A+ A-
تكثر التحليلات في ما يتعلّق بالعوامل التي دفعت فلاديمير بوتين لاجتياح أوكرانيا، إلى حدّ التساؤل حول صحته النفسية. إنّ أكثر مَن خَبِره وعرفه عن قرب أنغيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة التي وصفته في سيرتها الذاتية التي أنجزتها النفسانية والكاتبة كاتي مرتون مؤخراً ونشرتها بعنوان "Odyssey of Angela Merkel"، بأنّه "منعزل ويحيط نفسه بمجموعة متملّقين يُسمعونه ما يرغب بسماعه". كما تؤكد أنّ نموذج ومثال بوتين هو الديكتاتور ستالين.
 
طبعاً يصعب على المراقب فهم سلوك بوتين وفكّ شيفرة أفكاره من وجهه الصلد والأملس والمفتقر إلى الانفعالات. لكنّ بوريس سيرولنيك، المحلل النفسي الفرنسي المعروف، يذهب للقول إنّ "خطاب بوتين هو هذيان منطقي". الأمر الذي يفسّره ربّما ما جاء به هذا الأسبوع كوزيريف، الوزير السابق بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، من خلال نشره في حسابه على "تويتر" أنّه يرى حسابات الرئيس منطقية، معلناً أنّه "أمر مروّع لكنه ليس غير منطقي. ولفهم سبب عقلانية الغزو بالنسبة لبوتين، علينا أن نضع أنفسنا في مكانه".
 
كما تنقل كاتي مورتون عن المؤرخ المعروف تيموتي سيندر (يال)، ومؤلف كتاب "The Road to Unfreedom"، ما كتبه منذ العام 2018 أنّ "عدم إرسال صواريخ وأسلحة أخرى إلى أوكرانيا التي كانت تقاتل من أجل البقاء عام 2014 كان خطأً فادحاً. كان يمكن عندها إظهار أنّ غزو أوكرانيا ستكون مسألة جدّية".
 
بما أنّ الديكتاتور لم يعاقب، تكون النتيجة بالطبع ما نعاينه الآن، اجتياح غير مبرّر على الإطلاق لبلد من 44 مليون نسمة، يعرّضهم للتهجير والتشرّد ومهدّدين بفقدان سيادة بلدهم ما يجعلهم أتباع حاكم مستبدّ.
 
هذا ما استدركه الرئيس الأميركي مؤخراً، قائلاً إنّ "ما نراه اليوم عواقب عدم معاقبة ديكتاتور الكرملين. عندما لا يدفع المستبدّين ثمن اعتداءاتهم، يتسبّبون بفوضى أكبر بكثير، مع أثمان وتهديدات تزداد فداحة باستمرار"؛ فيما يمتنع عن تطبيق مقولته تلك على ديكتاتور طهران! ربما بانتظار "لو كنت أعلم" أخرى.
 
بوتين ومعه هتلر، هما من أكثر مستبدّي القرن العشرين دموية وقسوة. فستالين، مثال بوتين الأعلى على ما أكّدت ميركل، قتل عشرة ملايين من مواطنيه في حملات التطهير التي نفّذها، إضافة إلى عشرة ملايين من الجنود الروس في الحرب العالمية الثانية. أمّا الجنود الذين عادوا بعد هزيمتهم للنازيين عام 1945، فتركهم لمصيرهم. هذا بالإضافة إلى الخمسة ملايين من الأوكرانيين الذين قضوا بين عامي 1932 و1933 من المجاعة التي تسبّب بها استيلاءه على محاصيل الفلاحين لصالح الدولة السوفياتية.
 
التقت المستشارة السابقة ببوتين وتحادثت معه عشرات المرات، وبادلته الحديث باللغة الروسية التي درستها لأنها ولدت في شرق ألمانيا. لذا عرفت جيداً جهاز الستازي، البوليس السري في ألمانيا الشرقية والموازي للـKGB الآن، حيث استفاد بوتين كثيراً من الدروس التي تعلمها هناك من أساليب الكذب والخداع والتلاعب بالبشر.
 
تقول ميركل إنّ بوتين يستخدم نقاط ضعف الآخرين. يختبر الآخر بشكل دائم؛ وعندما لا يقاومه، سوف يتصاغر أمامه باستمرار. فهو يبحث دائماً عن التخجيل والسيطرة. لذا نجد أنّه استغلّ معرفته بخوف ميركل من الكلاب (تعرّضت لاعتدائها مرتين)، فوصل إلى موعدهما برفقة كلب ضخم من اللابرادور، تركه من دون رباط، فذهب يشمّ ساقيها، كما أظهرت صور الصحافة. علّقت ميركل: "لقد قام بذلك كي يُظهر رجولته".
 
يصل بوتين مواعيده متأخراً دائماً ليبرهن أهمّيته. وعندما أشارت ميركل إلى تأخره، أجابها: "نحن هكذا". فأجابته: "نحن لسنا كذلك"، لتظهر أنها لن تسمح بفرض سلوك الكرملين السيء.
 
كان يذهب للقاء باراك أوباما، عندما يحادثه عام 2014 كي لا يحتل القرم أو يحارب في دونباس (13 ألف قتيل)، نافخاً صدره. ولا شكّ أنّ القيصر كان سعيداً جراء انحناءات دونالد ترامب المتكررة أمامه، وسرعان ما وضعه في جيبه الصغير. كما انتفخ الإيغو البوتيني مجدداً أمام المحادثات الهاتفية المتكرّرة من ماكرون وشولتز وغيرهما. هذا بينما يسخر منهم جميعاً، ويجعلهم يخرجون بخفي حنين. فبوتين لا يفاوض. لماذا يفاوض طالما اختبر ضعف الغرب وعدم جديته؟
 
ربّما هذه الصفات ما تجذب إليه جمهوراً عربياً وازناً؛ يعجبون بقوته، وطموحاته السلطوية، وطغيانه، وحتى أكاذيبه مستخفاً بالرأي العام العالمي. مع صعوبة الكذب في زمن التكنولوجيات والوسائط الحديثة.
 
طالما احتاج الجمهور العربي إلى بطل، من هتلر إلى بن لادن إلى مجانين الخلافة الإسلامية، والآن بوتين! فالجمهور العربي يعيش على مسلّمات جامدة، الغرب عدو بالمطلق والاتحاد السوفياتي وخليفته قيصر روسيا أصدقاء، مع أنّ الاتحاد السوفياتي أول من اعترف بإسرائيل كدولة. يتغافل هذا الجمهور عن تعاونه مع إسرائيل وإيران وتركيا، أكثر الدول تهديداً للبلدان العربية. كما يغمض عينيه عن تدميره سوريا وتشريد أهلها واستخدامهم الآن وقوداً في وجه الأوكرانيين.
 
كأنّه جمهور امتهن الخضوع للظلم والاستبداد. لسان حاله، من الأفضل أن تستسلم الدولة الَضعيفة التي جرّدت من ترسانتها النووية وعلى أوكرانيا جارة روسيا العظمى، قبول مطالب جارتها الجبارة وتتخلى عن سيادتها. لا معنى عنده لحلم الحرية والديموقراطية وحق تقرير المصير للشعوب المبتلية بجيران أكبر وأقوى منها. يطالبونهم بالواقعية وعدم سماع الغرب الامبريالي. يستسهلون الاستسلام للطاغية الذي يسمي حربه "هجوماً عسكرياً"!
 
يحتار المرء كيف يفسّر هذه المواقف من قبل شعوب عانت وتعاني الاحتلال والاستبداد، وانتفض بعضها على حكامه. كيف يقفون مع نفس من هجّر وقصف ونكّل بالشعب السوري ووقف حائلاً أمام حريته؟
 
حتى الحياد حالياً يعني عملياً التسامح تجاه بوتين: الحيادية بين الحقّ والباطل، بين المعتدي والمعتدى عليه، بين المحتلّ والخاضع للاحتلال، هو باختصار موقف غير أخلاقي.
 
ربما يمكن فهم هذه الإشكالية بين المعتدي والمتماهي معه، إضافة عمّا ورد في التقرير الذي أعدّته "الحرّة" بعنوان "ولاءات" ونظريات مؤامرة"، بالقوة التي يوحي بها بوتين لتعويض الشعور بالدونية. إنّ نظرية الشعور بالدونية، كما يقترح آدلر، تقول أنّ كلّ شخص لديه شعور بالدونية منذ الطفولة، ويعمل على التغلب عليه من خلال السعي لتحقيق التفوق. بعض الأفراد سيركزون على التعاون والمساهمات في المجتمع بينما سيحاول البعض الآخر ممارسة السلطة على الآخرين وإظهار استعلائهم، والبعض الآخر يتماهى معهم. إنّ الشخص الذي لم يتدرّب جيداً على حلّ مشكلات الحياة قد يتحوّل إلى السعي لتحقيق التفوق بالتسلح بالاستعلاء الشخصي على حساب كلّ شيء. وعندما لا يستطيع الشخص أن يصل إلى أداء يثبت تفوقه، سيحاول تدمير شخص آخر أو مجموعة أخرى للحفاظ على حالة التفوق. قد يفسر هذا أحد أسباب هذا التدمير الذي يهدد الكوكب.
 
هنا تضيء حكاية الدرس الذي تعلمه بوتين الطفل من الفأر، الذي حاصره في الزاوية، فلم يجد الفأر أمامه من خيار سوى مهاجمته. بوتين يتبنّى ردّ فعل الفأر، متناسياً أمران: الأول أنّ مغزى حكايته ينطبق على الأوكرانيين أيضاً ومواجهتهم له. الأمر الآخر أنّ تبنّيه سلوك الفأر سَلَبَه موقعه الإنساني وامتلاكه لغة تسمح له بالتفاهم مع الآخرين، عكس الحيوان الذي يفتقر لها. ربما هذا ما يريد أن يوصله للآخرين.
 
* نُشر على موقع "الحرة"
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم