الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حياة اليهود في بغداد تستحضر "الشيخ جرّاح" في القدس

حمزة عليان
حمزة عليان
عنصر من قوات الأمن الإسرائيلية يزيل بالونات نصبها فلسطينيون في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية (أ ف ب).
عنصر من قوات الأمن الإسرائيلية يزيل بالونات نصبها فلسطينيون في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية (أ ف ب).
A+ A-
في زحمة الجدل الدائر حول ملكية العقارات في حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية، ومن له الأحقية في ذلك؟ هل العائلات اليهودية التي تدعي أنها جاءت من أوروبا واشترت أراضي هناك أم أصحاب الأرض الذين هُجروا من منازلهم وأعطتهم الأردن صكوك الملكية ووافقت عليها الأمم المتحدة؟

النزاع قد ينتهي بقرار المحكمة العليا الإسرائيلية لصالح اليهود، فقانون الملكية الذي أصدرته دولة الإحتلال في الخمسينات من القرن الماضي موضوع ومفصل على قياس اليهود، يتيح لهم الإستيلاء على تلك الأراضي ليس لأنهم يتوارثونها أباً عن جد، بل لأن القانون المعمول به سيصب في النهاية لمصلحتهم.

إذا لماذا الجزع من ذلك، إذا كانت فلسطين كلها صودرت واحتلت بعد تهجير شعبها فما بالك بحي يقطنه ست أو سبع أو خمسين عائلة مقدسية.

ذهبت إلى مكان آخر، بحثت عن صورة اليهود في العالم العربي، رحت أتصفح كتاب فيوليت شماس "جولة في حياة يهود بغداد" علَني أعثر على جوانب من ذاك التعايش الذي نسمعه وكان قائما بينهم وبين المواطنين العرب المسلمين منهم والمسيحيين وحتى الأيزيديين والأقليات الدينية الأخرى .

تلك كانت بغدادي "أرضي الام التي ترعرعت في حضنها" كما تكتب فيوليت شماس المولودة هناك... إرتحلت منها مع الأسرة للإقامة في فلسطين وقبرص وإسرائيل قبل أن يستقر المقام بها في لندن عام 1964 حيث شرعت في تدوين مذكراتها في ثمانينات القرن العشرين.

كانت حزينة للغاية لتركها بغداد التي شهد جيلها ذاك الإزدهار والنهضة بعد عصور من الظلام، آلمها بشدة فراق المدينة التي شاركتها أفراحها وأتراحها، كان لهم دور بارز في دفعها للحاق بركب التحضر كي يعم الخير والرخاء سائر أهلها... لم تنس الأرض التي عاشت عليها جنباً إلى جنب مع المسلمين قبل أن تعكر الإضرابات صفو العلاقات.

تتساءل فيوليت شماس، ما الذي أطاح "بمكانتنا المرموقة" التي إكتسبتها عبر تفانيها في خدمة المجتمع دون النظر إلى أي اعتبار لدين أو ملّة؟ كان من بينهم من تبوَأ مقاعد برلمانية، كما تقلد أحد رجالاتهم كرسي رئيس المحكمة العليا، وهو أعلى منصب قضائي في عموم البلاد، ولم تكن الحكومة تتدخل في شؤون عقيدتهم بل إحترمت طريقة عيشهم، رغم إختلافها عن حياة سائر المسلمين، لكنها كانت في أغلبها مشابهة للسائد ومتوافقة معه... كانوا يعاملون على قدم المساواة مع الآخرين وكانت أفعالهم لا دينهم هي الفيصل في التعاطي معهم.

أدركت كاتبة المذكرات أن وقت الأسئلة قد إنتهى مع خروجهم من العراق وبعثرتهم في أنحاء الأرض، كما ينثر الريش الذي تحشى به الوسائد، فأين يمكن جمعه من جديد؟
إستقرت في لندن وراحت تتردد على نادي الغاردينيا، والذي أتاح لها لقاء المعارف وتجاذب أطراف الحديث عن الأيام الخوالي واستعادة الأغاني القديمة... ومع تقادم السنين أغلق النادي، حينها شعرت أن يداً خفية سعت لتقطع الخيوط التي ربطت حياتها السابقة، خيطاً تلو الأخر ... أرادت أن تروي تفاصيل عيشها وحياتها "فبغدادنا بغدادي ذهبت ولن تعود".

إستْحضرت صورة بغداد يوم أسقطوا تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس عام 2003 وهي التي أبصرت النور قبل ربع قرن من ولادته وقبل إنشاء الملكية في العراق، وقبل أن تقوم دولة أجنبية هي بريطانيا باستعراض قواتها المنتصرة عبر المدينة التي غزتها تحت ذريعة نشر الديموقراطية، فكانت شاهدة على تجاوز بلدها "مخلفات الماضي" .

حدث كل ذلك في "مدينتي" بغداد التي عاشت فيها سعيدة منعمة وسط مجتمعها اليهودي المتآلف مع جيرانه من المسلمين ... كانت بغدادها فاتنة يفوح منها عبير الذكريات الأثيرة، تراها عام 2003 وقد تغيرت كلية، وطمست معالمها كما لو أن ممحاة أزالت خطوط الطباشير من على اللوح لكتابة قصة جديدة.

مشهدان يستحضران المرء، ما يحدث اليوم في حي الشيخ جراح في القدس على يد مستوطنين يهود جاؤوا من أوروبا ليمحوا أثر أصحاب الأرض ويحولوا تلك المدينة المقدسية إلى "مدينة يهودية خالصة" مستقوين على الفلسطينيين بقانون جرت حياكته على يد قادة الحركة الصهيونية وتلامذتها الجدد، وبين ما كان اليهود يعيشونه في بغداد وكيف يعاملون من سكانها وحكوماتها؟

الصراع لم ينته بعد ... هذا صحيح لكن الخيار بالتعايش قد يكون أحد الحلول؟ كيف ومتى وتحت أي صورة... ذلك هو السؤال؟
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم