الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

اليمن... المنتخب الرئاسي الجديد

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
اليمن.
اليمن.
A+ A-
 ثلاثة مشاهد استثنائية لخصت التطور الجديد في الحكومة اليمنية والمشهد السياسي اليمني، تشكل تحولاً تاريخياً في الأزمة اليمنية، منذ الانقلاب الحوثي على الدولة عام 2014 ومحاولة اغتيال الرئيس عام 2015، وقيام التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية بإطلاق عاصفة الحزم. 

مشاهد تاريخية
المشهد الأول كان لقاء ألف ممثل لكل أطياف المجتمع اليمني بأقاليمه وأحزابه ورموزه الوطنية والشعبية في المشاورات اليمنية التي عقدت في مقر مجلس التعاون الخليجي في الرياض. 
 
المشهد الثاني، صور التسليم والتسلم، بتنازل الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، عن الرئاسة لمجلس رئاسي من ثماني قيادات أكثرها فاعلة، ومتواجدة على الأرض اليمنية، وهيئة تشاور ومصالحة مكونة من خمسين عضواً، ويمكن لرئيس مجلس القيادة توسيعها إلى مئة عضو، تنتخب الهيئة رئاستها التنفيذية المكونة من رئيس وأربعة نواب من أعضائها وخمسين عضواً. مع بقاء مجلسي الوزراء والنواب على تشكيلهما الحالي. 

وبخطاب اللواء الدكتور رَشاد محمد العَلِيمِي، رئيس المجلس الرئاسي، وإعلانه أن هذه حكومة سلام، ولكنها أيضاً حكومة قوة. وما تلا ذلك من لقاءات تصالح وتفاهم بين الفرقاء، واجتماع المجلس مع القيادات العسكرية، ومحافظي المناطق المحررة. 

المشهد الثالث الذي انتظرناه طويلاً، هو عودة الحكومة بكامل قياداتها الى الوطن، بسلام، للتواصل مع المواطنين، والاتصال بواقع الحال، ومواجهة التحديات السياسية والأمنية والاحتياجات والمعاناة اليومية. 

المنتخب اليمني المنقسم
قلت لمساحة تويترية في جلسة خصصت لمرحلة ما بعد المجلس الرئاسي، أن انطباعي السابق عن الحالة اليمنية أنها تشبه منتخباً وطنياً لكرة القدم، مشكلاً من فرق عدة متنافسة، كل منها يرتدي قميص فريقه، ويرفع شعاره، معه إدارته ومدربه وجمهوره، ويتلقى رواتبه من صندوق رعاته. 

والغريب أنه يلعب خارج ملعبه أكثر من لعبه على أرضه، ويسعى الى تحقيق أهداف متناقضة، بعضها يصب في مصلحة خصمه. يتلفت كلما تقدم، خوفاً من غدر زملائه أو تهاونهم، ويتراجع بعد كل هدف خوفاً على مرماه. وعندما ينتصر الفريق، يحتفل كل لوحده، وينسب الانتصار لجهده، ويتهم الآخرين بالتخاذل والخذلان. 

المنتخب الحوثي المتحد
وفي المقابل، يتّحد خصمه، رغم محدودية كفاءته وشعبيته، تحت إدارة واحدة، يمولها راعٍ واحد، وتلعب على أرضها ووسط جمهورها. يستغل الشروخ في صفوف خصمه، ويلعب على المتناقضات بين أفراده. يكر ويفر، يتقدم خطوة ويتراجع أخرى، ولكنه باقٍ رغم ضعفه، وصامد رغم جروحه. فالوحدة مصدر قوته، والتشتت سر ضعف خصومه. ولأنه يلعب تحت قانون مختلف، فإن ما تسميه مخالفة يسميه تصحيحاً، وما تعتبره خطأ يعتبره صواباً. قانونك في نظره دنيوي قابل للكسر والتعديل، وقانوه سماوي لا رأي فيه ولا نقاش. 

فريق لا يأبه لجمهور غير جمهوره، ولا تعنيه مرجعية غير مرجعيته. لا يستمع لصافرة الحكم ولا يستجيب لبطاقاته الصفر والحمر. بل لا يعترف بوجوده وشرعيته أصلاً، إلا عندما يحتج على خصمه، أو يطلب وقفاً للمباراة بدعوى الإصابة. أو للتشاور وطلب الدعم والممالأة (سراً وعلانية)! 

عودة الفريق
كل هذا يبدو أنه تغير اليوم مع عودة توافق اليمنيين على فريق رئاسي موحد، يقف صفاً واحداً، تحت إدارة واحدة، لمواجهة الخصم الحوثي على الأرض. ولكسب الجمهور المتذمر، حصلت الإدارة الجديدة على الدعم الكامل من التحالف العربي لدعم الشرعية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، ومجلس الأمن، والأمم المتحدة، والقوى الكبرى، لحل المشكلات العالقة وتقديم الخدمات اللازمة. وقدمت السعودية والإمارات ثلاثة مليارات دولار لدعم الريال اليمني والبنك المركزي في عدن وموازنة الحكومة، ودعت الدول المانحة والمجتمع الدولي الى تقديم المزيد. 

كما يجري التنسيق بين التنظيمات العسكرية والأمنية المختلفة لضبط إيقاعها وتوحيد جهودها وتوحيد عقيدتها وأهدافها. ويجري العمل على دعم المقاومة الشعبية وتنظيمها وضمها تحت لواء الجيش الوطني. ولأن القوى الوطنية هي الأكثر عدداً وعدةً، تدريباً وتنظيماً، من الطرف المقابل، فهي الأقوى والأقدر على تحقيق الانتصار في المواجهات القادمة، بإذن الله. 

سرعة التحول
سرعة تحقق هذه النتائج، في النصف الأول من شهر رمضان، رغم العدد الكبير للمشاركين، والتعددية المدهشة لاتجاهات الحضور وأجنداتهم والتحول من التنظير الى التطبيق، ومن الاتفاق الى التفعيل مذهلة في حد ذاتها. ولكن هذا لم يكن ليتحقق لو تمسك كل بمصلحته وأهدافه، وقدم الطموح الشخصي، والانتماء الحزبي والطائفي والقبلي والمناطقي على مصلحة الوطن. 

وليس أوضح مثالاً من تنازل قيادات كبيرة عن مواقعها، وأولها الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، بكل سلاسة وتقبل وأريحية. ثم تراجع طموحات قيادات الصف الأول عن الرئاسة والزعامة، والقبول بالمشاركة ومواءمة أهدافهم وشعاراتهم لتتفق على هدف مرحلي واحد، مع تأجيل أي تباين في الرؤى المستقبلية الى ما بعد توحيد الوطن، واستعادة الدولة، والعودة الى مسار التنمية والخدمة المدنية والبيئة الحاضنة للأعمال والاستثمار. مع الاعتراف بقضية الجنوب وإعطائها أولوية كقضية دولة وكيان في أي مشاوارات ومراجعات دستورية. 

رسالة السلام والقوة
رسالة المجلس الرئاسي واضحة في هذه المرحلة الانتقالية. فالمجلس برئيسه ونوابه السبعة يمثلون الوطن بكل أقاليمه ومجتمعاته وأحزابه. ولديه بذلك تفويض كامل من الجميع لمفاوضة خصم واحد انقلب على الدولة واستلب سلطتها واحتل عاصمتها والعديد من محافظاتها ونهب سلاحها وخزينتها ومواردها ومواجهته. وعليه أن يسلم سلاحه الثقيل والمتوسط، وينسحب من العاصمة، ويعود، كحزب سياسي، الى مسار السلام الذي شارك في حواره الوطني وأقر مخرجاته عام 2014، ويقبل بالمشاركة السياسية والإدارية، ويخضع للدستور الذي يتم الاتفاق عليه، وإرادة الشعب التي تعبّر عنها انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف دولي. 

هذا هو خيار السلم، أما البديل فهو خيار القوة. والتعامل هذه المرة سيكون مع جيش وطني، ومقاومة شعبية تحت قيادة موحدة، وعلى عقيدة عسكرية واحدة وبدعم مسلح من التحالف العربي وسياسي ودبلوماسي من الإقليم والمجتمع الدولي. 

طريق النصر
لا أتوقع ان تستجيب جماعة مصنفة دولياً إرهابية لنداء السلام لأنه يعني التخلي عن كل الغنائم والمكاسب التي تحققت لها بالدم والحديد والنار. ولأن سادتها في إيران لن يسمحوا بخسارة عاصمة عربية هيمنوا عليها سبع سنين، واستغلوها كورقة تفاوض وضغط وتهديد مع جيرانها العرب والمجتمع الدولي. ولن يفرطوا بمشروع عملوا على تنفيذه أربعين عاماً، وحان موسم قطافه. ومع تخاذل القوى الكبرى عن مواجهتهم، ومحدودية تكلفة المواصلة، طالما أن الدم عربي والخسائر عربية، فليس هناك من سبب يدفعهم للتراجع والسماح لمطاياهم بالاستسلام والتسليم. 

أن ما أخذ بالقوة في اليمن، لن يستعاد إلا بالقوة. ومعركة كسر العظم قادمة، وعلى الحكومة اليمنية الجديدة الاستعداد لها بالتخلص من الذين يتخادمون مع العدو، ويتاجرون بالحرب، ويعيشون على الخلاف. فأنت لا تستطيع أن تتقدم وظهرك مكشوف، وتحارب وفي وسطك خائن، وتتحد وبينك مفرق. وعليها أن تكسب ولاء جندها وموظفيها بعدالة توزيع المزايا وسرعة تسديد الرواتب وتحسين ظروف الحياة. وعندما تدق ساعة الحرب، فعلى الجميع أن يكونوا على الأرض معاً، وعلى رأسهم القادة. فلن يتقدم صف لمواجهة العدو وهو يعلم أن من ورائه صفوفاً تنتظر الغنائم. 

اليمن بحاجة الى منتخب وطني واحد، تحت لواء واحد، وقيادة موحدة. يلعب على أرضه ويلبي نداء جمهوره ويحقق أهداف وطنه. وإذا تحقق له ذلك، واحسب أنه في الطريق، فابشروا بنصر من الله وفتح قريب. 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم