الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ما آثار التقارب بين السعودية وإيران على إسرائيل؟

المصدر: "النهار"
فيصل ج. عباس
ترقب مستمر لمفاعيل الاتفاق. (تعبيرية. "أ.ف.ب").
ترقب مستمر لمفاعيل الاتفاق. (تعبيرية. "أ.ف.ب").
A+ A-

فيما كنّا نشهد على موجة من الأخبار المتعلقة بالسعودية منذ يوم الجمعة الماضي، مرّ خبر "حصري" غريب نشرته اثنتان من وسائل الإعلام الأميركية حول "الثمن" الذي تطالب به المملكة لقاء تطبيع علاقتها مع إسرائيل من دون أن يلاحظه أحد. ومن غير المستغرب أن يكون الاتفاق الذي أُبرم بين السعودية وإيران، بوساطة صينية، قد غطّى على ذلك "السبق" المفترض — وأنا أستخدم مصطلح "سبق" هذا بشكل فضفاض هنا.

 

لا يُشكّل هذا "السبق" خبراً فعلياً لكونه لم يُقدّم أي جديد. ولعلّ الوصف الأدق يشير إليه على أنه أفكار نوقشت منذ عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي قاد كبير مستشاريه وصهره جاريد كوشنر جهوداً بهدف حلّ النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد أكّد أحد كبار المسؤولين السعوديين لصحيفة "عرب نيوز" أن التسريب الأخير لهذه الشروط للصحف الأميركية لم يكن مصدره المملكة، ما قد يعني - حكماً - أن أحد كبار المستشارين الأميركيين، الذين تجمعهم علاقات بإسرائيل أو يشغلون مناصب ذات صلة بالأمن القومي، يقف وراءه.

 

 

لكن كما ذكرت، لا شيء جديداً هنا. فقد سبق أن اطّلعت شخصياً على بعض هذه "الشروط" السعودية خلال اجتماع رفيع المستوى عُقد العام الماضي، حيث أشار مسؤول سعودي كبير بوضوح إلى أنه لا يمكن مناقشتها إلا بعد التوصّل الى حلّ يحفظ حقوق الفلسطينيين – ولطالما كان هذا الشرط الأوّل بالنسبة الى السعودية.

 

يكمن الهدف في أن تتلقّى المملكة، من حيث الحقوق والامتيازات، المُعاملة نفسها التي تتلقاها بعض الدول التي وقّعت معاهدات سلام مع إسرائيل. ويمكن مناقشة القضايا الأخرى، مثل الحق في الاستخدام السلمي لليورانيوم والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل أو بآخر واعتبار المملكة حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، بعد التوصّل إلى حلّ للقضية الفلسطينية.

 

وبالإضافة إلى ذلك، لو أرهق محرّرو صحيفتي "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" الأميركيتين اللتين نشرتا هذ الخبر أنفسهم بعض الشيء وأجروا بحثاً بسيطاً عبر محرّك غوغل، لاكتشفوا أن "خبرهم الحصري" سبق أن نُشر عبر قناة "آي 24" في إسرائيل في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي وفي صحيفة "جيروزاليم بوست" في شهر كانون الثاني/ يناير.

 

وبطبيعة الحال، جاءت هذه القصص في الوقت المناسب حينها بالنسبة الى وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث كان قد أُعيد انتخاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حديثاً، بعد أن ركّز، خلال حملته الانتخابية، على وضع مسألة تطبيع العلاقات مع السعودية على قائمة أولوياته. وبالطبع – بحسب ما أخبرني به مسؤول سعودي كبير آنذاك – كان هذا الجزء في خطاب نتنياهو مُخصّصاً للحملات الانتخابية الداخلية والاستهلاك المحلي في إسرائيل.

وقد عمد نتنياهو أيضاً إلى إثارة هذه المسألة في مقابلة أجراها مع قناة العربية السعودية في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي. وتداول بعض محبّي رئيس الوزراء الإسرائيلي ظهوره هذا، واصفين إيّاه بالأول من نوعه (على الرغم من أنه لم يكن كذلك، حيث سبق له أن أجرى مقابلةً مع قناة العربية في شهر آب/ أغسطس).

 

لماذا أكتب عن هذا الموضوع إن لم يكن هناك من جديد؟ أقوم بذلك لسببين. أولاً، لأن الاتفاق الذي أُبرم مع إيران (إذا افترضنا أن النظام في طهران سيحترم التزاماته) أعطى أهمّيةً جديدةً للعلاقات بين السعودية وإسرائيل. وثانياً، لوجوب مناقشة شروط السعودية، حيث يُعدّ هذان السببان متداخلين.

 

اعتبر البعض أن الاتفاق مع إيران يُضرّ بتطبيع العلاقات المُحتمل بين السعودية وإسرائيل، محمّلين إدارة بايدن مسؤولية إقصاء المملكة لدرجة أنها اختارت الصين وسيطاً. ويُعدّ هذا الرأي صحيحاً جزئياً، لا كلياً. فكما سبق أن ذكرت في مقالي الأخير، تم اختيار الصين لمجرّد أن بكين قادرة على الضغط على إيران، ولا دخل لذلك بالعلاقات مع الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، صرّح البيت الأبيض قائلاً إنه كان على علم بالمحادثات، كما رحّب وزير الخارجية أنتوني بلينكن بالاتفاق.

 

وبالطبع، قد يُقال إنه إذا ما احترمت طهران التزاماتها من الآن فصاعداً، فستخسر إسرائيل قدرتها على استخدام الورقة المهمّة التي تعتبر أن "عدوّ عدوّي هو صديقي"، إلّا أنني أعتقد أن هذه الورقة لم تكن مستدامةً أبداً لأنها تعتمد على الكثير من المتغيّرات.

 

أما الورقة التي تُعتبر مستدامةً فهي تلك التي اعتمدتها السعودية منذ عقود مع دفعها إسرائيل باتجاه التوصّل إلى حلّ عادل ومُنصف للمعاناة التي يعيشهاالفلسطينيون. فقد مرّت عقود والمملكة تقول إنها ترى الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أنه خلاف على الأرض، لا حرباً أيديولوجية. ونحن – في المملكة العربية السعودية - لا نرغب برمي اليهود في البحر وإزالة دولة إسرائيل من الوجود، على عكس كلام الإيرانيين ووكلائهم. وفي الوقت نفسه، غنيّ عن القول إن التوصّل إلى حلّ عادل يتطلب وجود قيادة فلسطينية جريئة وقادرة، إلى جانب الإقرار بأنهم (الفلسطينيين) اكتسبوا سمعة "عدم تفويت فرصة لتفويت فرصة".

 

وفي المقابل، تمادت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة الجديدة في قمع الفلسطينيين وترهيبهم. وقد دان هذه السياسات أقرب حلفائهم في واشنطن وأعضاء من الجالية اليهودية في أميركا وحتّى مواطنوهم الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج عليها. ودانت الإمارات العربية المتحدة مثلاً العدوان الإسرائيلي الذي طال المسجد الأقصى ومخيّم جنين للاجئين، مما يدفع الدول الأخرى إلى التفكير ملياً قبل اتباع المسار نفسه مع إسرائيل.

 

أما بالنسبة الى الشروط السعودية المفترضة الأخرى، فأرى أنها ستكون نتيجةً طبيعيةً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ففي طبيعة الحال، لن يكون لدى أي أحد مخاوف من استفادة السعودية من احتياطيات اليورانيوم لديها. وفي ما خصّ الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل أو بآخر، فأعتقد أن القضية أكبر من ذلك وهي ترتبط بالسياسات المتقلّبة للولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، يقدّم المسؤولون الأميركيون تطمينات شفهية متكررة حول التزامهم بأمن المملكة، إلّا أنهم يرفضون تدوين هذا الالتزام أو وضعه في إطار رسمي.

 

ولا تزال المملكة تذكر الإجراءات الأميركية الأخيرة التي دقت ناقوس الخطر خلال العامين الماضيين، حيث أزالت الولايات المتحدة جماعة الحوثي عن لائحة الإرهاب وسحبت بطاريات صواريخ الباتريوت من المملكة، فيما كان المدنيون السعوديون يتعرّضون للهجوم.

 

وعندما تحرم إدارة الرئيس بايدن المملكة من وسائل تسمح لها بالدفاع عن نفسها وترفض الالتزام بضمان أمن السعودية خطياً (في الوقت الذي تعي فيه جيّداً أن مثل هذا الالتزام يصبّ في مصلحتها) وتتفاوض مع إيران بشأن جميع المسائل باستثناء أمن حلفائها، لا يمكن لوم الرياض لأنها بحثت عن طرق بديلة للدفاع عن شعبها، مثل الموافقة على عرض الصين لأداء دور الوسيط.

 

وفي الوقت نفسه، تُعدّ إسرائيل ضحيّة الأضرار الجانبية الناتجة عن توتر العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة والأضرار التي ألحقتها بنفسها بسبب طريقة معاملتها للفلسطينيين. أما الخبر السار فهو أنه، على الرغم من الاتفاق الذي أبرم مع إيران، لا يزال هناك أمل في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة، إلّا أنه يجب على إسرائيل أولاً أن تغيّر من طباعها تجاه الفلسطينيين وتستلهم من مقولة وردت في العهد القديم، حيث قيل "أحب جارك كما تُحبّ نفسك".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم