الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كثُر المنتصرون... ودور خفيّ لرجل الظلّ

المصدر: "النهار"
رولان خاطر
الوسيط الأميركي آموس هوكستين.
الوسيط الأميركي آموس هوكستين.
A+ A-
لطالما تمنيت أن نتحوّل في لبنان يوماً صنّاع قرار. ولطالما اعتبرت أن مسافات تُبعدنا عن تحقيق هذا المرتجى، لأنه، إذا حصل، عندها سيكون هذا هو "الإنجاز".

وإذا كان التعريف العلميّ البسيط لمصطلح "إنجاز" هو عملٌ ما، تمّ تحقيقه بنجاح، في إشارة إلى الترسيم البحريّ هنا، فإنّ ما يوازيه أهمية هو السؤال عمّن هو "المُنجِز".

قد يسهو البعض، ويتشتّت وضوحُ فكرهم، نتيجة شعبوية تكثر في قاموس البعض، وباتت – للأسف - مرتكز الاستقطاب السياسي نتيجة العطش إلى الظهور والإنجازات، فينساب مع موجة الدعاية في لحظة تاريخية حسّاسة وبغفلة عن الإدراك الفعليّ لماهيّة الوضع الحقيقي الذي نحن فيه؛ وهو ما تتنازعه القوى السياسية في المنظومة الحاكمة على مَن يعود الفضل بتحقيق "الترسيم البحري الجنوبي". وقد لا يكون من المبالغة القول إنّهم لو استطاعوا لنَسَبوا لأنفسهم وجود النفط والغاز في قاع البحر.

يعرف الساسة اللبنانيون أنّ المعادلات الدوليّة المتغيّرة، هي التي فرضت عمليّة ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، وإلاّ ما الذي استدعى من واشنطن التحرّك سريعاً لإتمام الاتفاقية؟ وهل كان من الرئيس الأميركي جو بايدن أن يستدعي آموس هوكشتاين ليكلّفه مجدّداً باستئناف المفاوضات؟ وهل كان تم استنفار ما يسمّى في واشنطن بالـUS channels لمواكبة هوكشتاين في تحركاته والبقاء على تواصل مستمرّ مع البيت الأبيض؟

في المقابل، لا ضير من القول إنّ لبنان قد يكون اغتنم الفرصة الدولية. لكنّ السؤال: هل كان باستطاعة لبنان ألاّ يفعل؟ أمام إصرار العالم والغرب والإسرائيليين الذين ردّدوا في كلّ مرّة أنّه حين يحين الوقت سيبدأون باستخراج الغاز والنفط، مهدّدين لبنان و"حزب الله" بدفع ثمن باهظ إذا ما هاجم الحزب منصة "كاريش"؛ بالإضافة إلى أنّ ملف الترسيم بقي متوقّفاً سنوات طويلة من دون أيّ مبادرة لبنانيّة لإنهائه، فأيّ عامل داخليّ استجدّ اليوم ليطفو الملف على السطح مجدداً؟

ليست هذه السطور للتقليل من أهميّة ما تحقق، أو لأنّه حصل في عهد الرئيس ميشال عون كما يردّد العونيون، المتعطشون إلى قليل من النجاحات في عهد اتّسم بالخيبات والفساد والانهيارات. فما تمّ قد تمّ، ولا عودة عنه.
وانطلاقاً من أهمية ما تمّ، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مسار العمل كان مضنياً، وشابته معوّقات، وما نراه في الإعلام اليوم قد لا يعكس الحقيقة الكاملة؛ فاللاعبون كثر، منهم من ظهر علناً، ومنهم من بقي في الظلّ، وهذا أساس العمل التفاوضيّ؛ وهنا بيت القصيد، لأنّ الكثير من الدعاية والإعلام قد يحجب عن البعض قدرة التفتيش أو التفكير في من كانوا وراء العمل الحقيقيّ الذي تحقق، وطرح بعض الأسئلة عن مختلف العناصر الرابحة التي استُخدمت في تحقيق هذا النجاح، الذي أعتبره قضية تاريخية في الزمان والمكان.

من هنا، يُوجَّه السؤال للذين ينسبون إلى أنفسهم "الإنجاز":

1- من وضع وأين الخطوط العريضة للاتفاقية وفي أيّ جلسة سريّة؟

2- لماذا توجّه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في 13 حزيران الفائت فور وصوله إلى بيروت رأساً لزيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم؟ علماً بأن التعليق الوحيد الذي صدر في ذاك الوقت أن "أجواء اللقاء كانت إيجابية".

3- ولماذا عاود هوكشتاين الكرّة في 31 تموز وتوجّه من المطار مباشرة للقاء إبراهيم؟

لا شكّ في أنّ الإدارة الأميركية استخدمت كلّ الوسائل المتاحة للوصول إلى الهدف المنشود، واستغلاله القصير الأمد سيكون في الانتخابات النصفية التي تخوضها الشهر المقبل، واستغلاله البعيد الأمد، لن يكون له أفق، لكن الأكيد أن واشنطن وإسرائيل تعتبران أنه قد يكون اتفاق أبراهام آخر مع لبنان.

كرّست اتفاقية الترسيم كل الأطراف رابحين. واشنطن لجهة بدء العمل على استخراج الغاز ونقله إلى الدول الأوروبية لمواجهة الأزمة التي تعدّها موسكو عدّوها التاريخي. الحفاظ على أمن إسرائيل الذي هو أيضاً أولوية أميركية.

أمّا وقد كرّس لبنان معادلة "قانا" مقابل "كاريش"، يبقى أن لا تصدق تنبؤات الإسرائيليين، وأن تكون مجرّد كلام انتخابي على عدم توافر الغاز في قانا بكميات كبيرة، وإلا فإنّ نجاح اليوم سينعكس كابوساً غداً.

يقول مسؤول غربي ممن واكبوا عملية الترسيم "لم نتفاجأ أن ينسب كلُّ طرف في لبنان لنفسه الإنجاز، فيما مَن حقّق الإنجاز صامت. همروجة النجاح اليوم قد تحجب لبعض الوقت الحقيقة، لكن مع كلّ غد آت لا مكتوم إلا وسيُعلن"....
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم