الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

بؤر من الحروب والنزاعات الاستنزافية... نواة النظام العالمي الجديد لإحياء الزعامة الأميركية

هادي جان بو شعيا
أعلام أميركيّة خارج مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة (18 ك1 2021 - أ ف ب).
أعلام أميركيّة خارج مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة (18 ك1 2021 - أ ف ب).
A+ A-
توجد أسباب كثيرة لاندلاع الصراعات على غرار الصراع من أجل السلطة والنفوذ، أو الصراع الذي ينطوي على أسباب سياسية واجتماعية، أو حتى في سبيل القومية، سواء أكانت قومية أو ثقافية أو دينية. إلا أن أكثر الصراعات انتشارًا هو من أجل الموارد الطبيعية وغير الطبيعية والثروات، حتى إن معظم الصراعات التاريخية التي تمّ تغليفها بأسباب دينية أو عقائدية (أيديولوجية) كانت في الأصل صراعات من أجل الموارد والثروات، وبالمحصلة من أجل السلطة والنفوذ. فالدولة التي تملك أكبر قدر منها تستطيع أن تمتلك أكبر اقتصاد في العالم.
 
وفي ظل ما يعانيه العالم اليوم وبات يعانيه من دويّ صفارات الإنذار من هنا وهدير الطائرات وضجيج الصواريخ من هناك، فضلاً عن أزيز الرصاص في بقاع مختلفة على امتداد ترامي أطراف الكوكب... غير أن رابطًا أصيلاً يجمع بين كل هذه الصراعات التي استفاقت دفعة واحدة والتي تشير بقوة إلى أصابع الولايات المتحدة التي تمضي قدمًا في تفجير الأرض تحت روسيا والصين في كل مكان، سواء في مناطق نفوذ الدب الروسي والتنين الصيني أو في أراضي حلفائهما.
 
بعد أوكرانيا... فتيل صربيا وكوسوفو
ففي أوكرانيا ظل حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة واشنطن يصرخ على حدود روسيا حتى تورّطت موسكو في إحدى أكبر الحروب منذ الحرب العالمية الثانية. إذ مضت سبعة أشهر وما زال أحفاد الجيش الأحمر يستنزفون كل قوى بلادهم على الجبهات، فلا انتصار يأتي ولا هزيمة تلوح في الأفق، في ظل استمرار أميركا وأوروبا قاطبة بتوريد الأسلحة لكييف.
 
أما في كوسوفو لم يكد يغادرها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حتى اشتعل الصراع بين صربيا التي تمثل أرض نفوذ روسيا وكوسوفو حليفة "الناتو" وواشنطن وقتما قررت سلطات كوسوفو على حين غرّة إلزام صرب الشمال بالحصول على هوية من إصدار البلد واستبدال لوحات السيارات الآتية من صربيا المجاورة إلى لوحات من إصدار كوسوفو، الأمر الذي قابله قطع للطرقات وتظاهرات من قبل صرب ما زالوا يعيشون في شمال كوسوفو غير المعترف بها دوليًّا، فكانت ردة فعل قوات الأخيرة مهاجمة الأقلية الصربية، ما أدى إلى انتفاض صربيا مغلقةً بذلك ممرات حدودية لتعدّ العدة لضرب كوسوفو، ما يعيد إلى الأذهان صراعًا داميًا بين الطرفين خلّف 13 ألف قتيل معظمهم كانوا من ألبان كوسوفو والذي انتهى بإعلان انفصال كوسوفو دون اعتراف دولي، خصوصًا من جهة صربيا أو روسيا.
 
ويبدو اليوم أن أميركا في طريقها لدفع كوسوفو نحو عزل الصرب في المنطقة الشمالية عن بقية صربيا، ما ينذر بحرب جديدة أخرى في أوروبا تتورط فيها روسيا في منطقة نفوذها.
 
 
سريعًا نحو تايوان
وكما بات ظاهرًا وجليًا أن الولايات المتحدة لم تتأخر كثيرًا في تايوان قبل أن تشعل النار تحت الصين الحليف الأكبر لروسيا وقتما زارت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي (82 عامًا) تايوان على الرغم من تحذيرات الصين ووعيدها من انعكاسات الزيارة على الأوضاع مع تايوان التي تعتبرها بكين جزءًا متمردًا منها. لكن واشنطن مضت في خطتها حتى النهاية. ما أجبر الصين على تنفيذ تدريبات ومناورات حول تايوان تحاكي سيناريوات هجومية عليها. الأمر الذي من شأنه أن يُحيي الذاكرة إزاء السيناريو الروسي حيال أوكرانيا حين بدأت بتدريبات قالت واشنطن إنها بمثابة مقدمة لعملية عسكرية ضد كييف.
 
ولأن أميركا لن تتوقف قبل توريط الصين ومعها روسيا بحرب جديدة، تستمر واشنطن وحلفاؤها بإجراء تدريبات عسكرية على الحدود أو في مناطق أخرى من آسيا لاستفزاز الصين وروسيا، آخرها تمثّل بانطلاق مناورات "درع غارودا" العسكرية في إندونيسيا، حيث شارك فيها أكثر من خمسة آلاف جندي من إندونيسيا والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى سنغافورة واليابان وأستراليا لأول مرة، بالتزامن مع مناورات تايوانية دفاعية تفترض غزوًا صينيًا وشيكًا، ما قد يثير صدامًا عسكريًا صينيًا- أميركيًا مباشرًا لن تقف روسيا، بأي حال من الأحوال، تشاهده مكتوفة الأيدي!
 
 
التلويح بضرب إيران
ونطير في رحلتنا هذه من شرق آسيا إلى الشرق الأوسط، إذ لا تبدو الحال مختلفة كثيرًا، بحيث لم تتوقف إسرائيل وأميركا عن التلويح بضرب إيران لاستيائهما من مفاوضات فيينا الرامية لحلّ معضلة البرنامج النووي الإيراني وفق سيناريوات وخطط وكان آخرها الخطة باء (Plan B) القائمة على تدمير المفاعلات النووية الإيرانية، فضلاً عن شلّ قدرات أذرع طهران المتمثلة بميليشياتها في المنطقة (حزب الله في لبنان، حركة حماس والجهاد الإسلامي في غزة) عبر ضربها على نحو متزامن. وفي حال نشبت مثل هذه الحرب في الخليج فمن المرجّح أن تطال الدول العربية المجاورة التي ستتطلب تدخلاً مباشرًا من روسيا حليفة إيران.
 
 
ناغورنو قره باخ... فتيل يتبع
لعلّ نيران الحرب التي تراها تصبّ فوق رأس موسكو وصلت إلى أذربيجان التي أعلنت مؤخرًا سيطرتها على مرتفعات استراتيجية في إقليم ناغورنو قره باخ المتنازع عليه مع أرمينيا. ما يعيد شبح حرب العام 2020 بين أرمينيا المدعومة من روسيا وأذربيجان المدعومة من تركيا. في وقت تتحدث تقارير عن دعم أميركا لنقل أسلحة لأذربيجان وتكديس الثقيل منها في قره باخ بغية توريط روسيا في حرب جديدة تدعم بها أرمينيا، بالإضافة إلى دق إسفين بين تركيا وروسيا بعد التقارب والعلاقات المتنامية مؤخرًا بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين.
وفي النهاية، عادة ما يقال إذا عرف السبب بطل العجب. فما الذي تريده أميركا من إشعال الأرض حروبًا تحت أقدام روسيا وحلفائها أو حتى دول أوروبا المتحالفة مع أميركا؟!
 
 
هدم نظام والتمهيد لآخر يمنح أميركا طوق النجاة
لا يختلف اثنان على أن الولايات المتحدة الأميركية ظلت لعقود طويلة المستفيد الأكبر من نظام العولمة الذي بنته وبقي متمحورًا حولها مذ انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي يفرض تساؤلات جدية حول مصلحة أميركا بهدمها لهذا النظام اليوم عبر إشعال سلسلة حروب تتورط فيها روسيا في مناطق نفوذها أو على أراضي حلفائها، بينما تقف واشنطن على الجانب الآخر داعمةً من بعيد. فيما تدفع أوروبا ودول آسيا حلفاء واشنطن ضريبة الحروب على أراضيها. ما يشي بأن النظام الذي أقرّته الولايات المتحدة وبَنَتْه ذات يوم لم يعد يفي بالغرض في ظل تطورات جلّها اقتصادي وجيو- سياسي، ذلك أنه ما بات مطلوبًا اليوم بالنسبة لواشنطن، بحسب مراكز بحثية، جعل الدول الأخرى سواء العدوة مثل روسيا والصين أو الحليفة منها في كل من أوروبا وآسيا أن تتكبّد الخسائر أكثر من الولايات المتحدة التي لن تسمح بذلك في البداية، خصوصًا أنها ترمي لجني الأرباح في النهاية كما حدث في الحرب العالمية الثانية التي أسست للهيمنة الأميركية-السوفياتية قبل أن تنهار دولة الشيوعيين، خصوصًا مع نمو التنين الصيني كوحش اقتصادي عملاق يكتسح الأسواق دون وجود القدرة على إيقافه، بينما نجد روسيا تحاول العودة رويدًا رويدًا كأحد أقطاب العالم وريثة للسوفيات.
 
يجري كل ذلك على وقع ازدياد التضخم والعجز التجاري الأميركي حتى لم تعد تنفع الحلول الاقتصادية لإصلاح ما قد كُسِر! خصوصًا فكّ ربط عملة الدولار بالذهب وطباعة الدولارات الورقية من دون احتياطي موازٍ من الذهب لشراء السلع والمواد الخام من الدول الأخرى حول العالم. وكان كلما نما هرم الدين الأميركي ببلوغه 30,6 تريليون دولار ظهر الحل الموازي بزيارة طباعة النقود الورقية غير المغطاة. وإن كان هذا الحلّ أخّر، ولو مؤقتًا، الانهيار الاقتصادي، لكنه لم يصلح الخلل بل زاده من حيث تسريع وتيرة التضخم وارتفاع الأسعار حتى قبل حرب بوتين على أوكرانيا.
 
وفي ظل هكذا ظروف كان لا بد من بناء نظام جديد يمنح أميركا طوق النجاة عبر تدمير كل مراكز القوة البديلة والاقتصادات الكبيرة خصوصًا للأعداء في روسيا أوّلاً والصين ثانيًا أو حتى لو طال الأمر الحلفاء الأوروبيين الذين تورطوا في حرب تمزّق قارتهم!
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم