الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

فرقاء العالم... "رمضان يجمعنا"

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
مؤتمر الرياض للحوار اليمني - اليمني برعاية دول مجلس التعاون الخليجي (أ ف ب).
مؤتمر الرياض للحوار اليمني - اليمني برعاية دول مجلس التعاون الخليجي (أ ف ب).
A+ A-
 
هنأ الرئيس الأميركي جو بايدن المسلمين بشهر رمضان، واستشهد بالآية القرآنية "ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره" ولم يكمل بقية الآية "ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره". وبدا أن الرئيس وأركان إدارته يحاولون فتح صفحة جديدة مع بلدان العالم الإسلامي عموماً، والخليج العربي خصوصاً، علماً أن هذه التهانئ عادة سنوية دأب عليها الرؤساء الأميركيون السابقون. وبعضهم كان يستضيف رموزاً إسلامية أميركية في البيت الأبيض على مائدة إفطار رمضانية.

مفاوضات أنقرة
على أن هذه البادرة برمزيتها لم تكن المؤشر الوحيد على أن شهر الروحانية والتسامح والسلام لهذا العام قد يشهد مبادرات تقارب بين خصوم، ربما تقود في الأيام المقبلة إلى حلول لمشكلات مستعصية. فعلى الصعيد الدولي، أسفرت مفاوضات أنقرة بين الوفدين الروسي والأوكراني عن تخفيف الاحتقان وتوافق على بعض نقاط الاختلاف الأصعب، وأهمها عدم انضمام أوكرانيا لحلف "الناتو"، وتحولها الى أرض محايدة، لا تسمح بوجود قواعد أو قوات أجنبية، ولا تسعى للحصول على قدرات نووية، ولا مانع من انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي كمنظومة اقتصادية. فيما يجري البحث حول وضع خاص للأقاليم ذات العرقية الروسية وشبه جزيرة القرم.

وكنتيجة، أعلنت موسكو عن سحب جزئي لقواتها من بعض المناطق، من بينها محيط العاصمة الأوكرانية، وغيّرت هدف حملتها العسكرية من احتلال كامل الى تحرير مناطق محددة، ومن معركة مفتوحة مع الجيش الحكومي، إلى حرب على الإرهاب "القومي والنازي" في بعض المواقع. واليوم يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر تقبلاً لفكرة لقاء مباشر مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تركيا للمرحلة النهائية من المباحثات ضيفاً على الصديق المشترك، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويحظى هذا التوجه بحماسة أوروبية طامعة في عودة الغاز والنفط الروسي، وقلق من حرب عالمية ثالثة مسرحها أوروبي. يقابله تردد أميركي بريطاني، لأنه يعني عودة روسيا على طاولة مجلس إدارة العالم، ورفع العقوبات الاستنزافية، وتوقف الالتفاف الغربي حول الراية الانغلوساكسونية.

المصالحة مع تركيا
على صعيد الشرق الأوسط، أعادت تركيا ملف الصحافي السعودي جمال خاشقجي الى المحاكم السعودية، بعد تلكؤ دام سنوات، وتسييس نجم عنه صدع كبير في العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، ومقاطعة شعبية ورسمية واسعة للاستثمار والسياحة والتجارة مع تركيا شاركت فيها دول خليجية وعربية. وبهذا التحرك يصبح الطريق خالياً من عوائق المصالحة، والباب موارباً لزيارة الرئيس أردوغان للديار المقدسة، التي انقطع عنها للمرة الأولى، منذ سنوات. فعمرة في رمضان تعادل حجة مع النبي (صلوات الله وسلامه عليه)، وفرصة مواتية لإغلاق ملف استنزافي لا مصلحة للمسلمين فيه.

مشاورات اليمن
وفي ملف أطول عمراً واستنزافاً، يجتمع الفرقاء اليمنيون بكل أطيافهم وأحزابهم في مقر مجلس التعاون الخليجي، الرياض، تلبية لدعوة من الأمانة العامة للمجلس، صاحب المبادرة الخليجية، وفي إطار مشاورات معمقة حول كل القضايا الخلافية. وبعد أيام من الاجتماع، ظهرت بوادر مبشرة بمصالحات شخصية بين القيادات، وتقارب في الرؤى حول بعض المسائل الشائكة. وفي الوقت نفسه، قرر الحوثي أخيراً القبول بالمبادرة السعودية للسلام التي رفضها عند طرحها مطلع العام الماضي، وزاد، فعرض هدنة أحادية، ووسّط الأمم المتحدة لإنجاز أكبر تبادل للأسرى منذ بداية الصراع، بما في ذلك قيادات بارزة مثل شقيق الرئيس هادي ووزير الدفاع السابق وأسرهم.

قابل التحالف العربي لدعم الشرعية البادرة بالموافقة، وبدأت المفاوضات فوراً برعاية الأمم المتحدة في مسقط، لتنفيذ بنود المبادرة السعودية. كما كرّرت أمانة مجلس التعاون الخليجي دعوة الحوثي للمشاركة في المؤتمر التشاوري، فأصر على نقلها الى دولة "محايدة" (عُمان)، وحتى كتابة السطور لم يستجب للدعوة، وإن بدا (ظاهرياً على الأقل) أنه أكثر تجاوباً وتقبلاً لمبدأ السلام.

موقف إيران
ويبقى السؤال: ما هو موقف إيران؟ وهل وصلت أخيراً الى قناعة في أن دعم ميليشياتها الإرهابية في اليمن لن يحقق هدف الهيمنة على بلد عربي رابع، بقدر ما سيعرقل أي فرص للتصالح مع جيرانها والعالم، والتفرغ لقضايا الداخل الذي تكاد تفجره ضغوط "الاقتصاد المقاوم" وتمرد الأقليات والعقوبات الدولية؟ أم ستراهن على صمود الحوثي وتحمله لمزيد من الاستنزاف البشري والسياسي والمالي، ونجاح الاتفاق النووي وعودة المليارات المجمدة وتخفيف العقوبات والقيود على أنشطتها وسياساتها المزعزعة للسلم والأمن في المنطقة العربية؟

رمضان لا يزال في أول أيامه المباركة، والأمل لا يزال عريضاً بقبول دعوات المؤمنين بأن يقي الله عالمنا من مآسي الصراعات والحروب، ويؤلف بين القلوب، ويصلح أحوال خلقه على كل أرضه. آمين.

@KBATARFI
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم