الاغتصاب والتحرش... نختار ما يظنّ المجتمع أم ما تشعر به الضحيّة؟
هالة بو علوان
"أشعر بأنني إنسانة غير نظيفة، أشعر بالذنب، وبأنني مغتصبة في كل مجالات حياتي. أشعر دائماً بالخوف، أشعر بأنني لا أساوي شيئًا".
عبارات سمعتُها من نساء كنّ ضحية وحوش تجرّأوا أن يُنهكوا آمالهن، ويدمروا حياتهن.
آلام غارقة بالدموع الموجعة التي تحرق وجوههن كل يوم. نظرات أسى وظلم عشنها على مر السنين. حزن وغضب اضطررن أن يخبئنه سنين طويلة كي لا يلفتن الأنظار إليهن، ولا يعذبن خصوصًا الأهل والأحبة.
بماذا يبدأن، وكيف يخبرن الغير بما حدث؟ حين يقع الاغتصاب أو التحرش في مجتمعات ظالمة، ظنينة وجلادة؟
مجتمعات ترى أن المرأة المغتصبة هي غالبًا المذنبة، لأن "من المؤكد أنها مارست إغراءها على الرجل عندما تحرش بها أو حتى اغتصبها"، و"هل يعقَل أن تكون بريئة مئة بالمئة؟".
وكم من مرة شعر أو علم الأب أو الأم بهذا الفعل الفظيع الذي حلّ بابنتهما، ولكن لم يتجرّآ على مواجهة الواقع، بسبب ظلم المجتمع والخجل والخوف من الفضيحة، أو لعدم وجود الوعي بكيفية التصرف في هذه الحالة التي تحيطها عدة أسئلة يتراشقونها باضطراب حول من يكون الملجأ، وأي مستشفى، وأي طبيب نفسي، أي مخفر وأي قانون؟
ولم نتحدث بعد عن سفاح القربى، حيث بقيت هذه المعالجات مقموعة بصرامة ومختومة بخطوط حمراء تمنع تناولها ورفع الظلم عن الضحية وقصاص المعتدي. غالباً ما يخاف الأهل مواجهة سفاح القربى وتحمّل مسؤوليته وتداعياته، فيحكمون على البنت بالموت الصامت الأليم.
من جهة أخرى، ثمة وجه مضيء من الحقيقة. فقد قابلتُ أيضاً نساء تغلبن على هذه الصعاب وساعدن أنفسهن على الشفاء من المشاعر القاسية التي حملنها لسنين طويلة.
إحدى هؤلاء المناضلات قالت لي يومًا: "أردت اختيار حياة الأمل وتحقيق ذاتي، وتركت ورائي حياة الضحية. بعد تعرضي للتحرش الجنسي في سن صغيرة استمر نحو 8 سنوات حيث لم يصدقني أهلي وغضبوا مني عندما أخبرتهم بالأمر. قررت في سن الـ16 الاستعانة بطبيبة نفسية، كان لها الفضل بإيقاظ أملي بأن الحياة جميلة، وبالإمكان التغلب على كل صعابها شرط الإيمان بأنفسنا. تعالجتُ حينها لمدة 4 سنوات. وبمرور الوقت، ظننت بأنني شفيت تماماً ولكن مخاوفي تغلّبت عليّ في أكثر من موقف مصيري".
أتذكر كيف عانت هذه السيّدة وكم بكت وذاقت العذاب، وأحدَ لم يفهم معاناتها. عاشت صراعًا طويلًا مع معاناتها النفسية التي تسببها الاغتصاب، ولكن "الله رحيم، منحني القوة مرة أخرى". تابعت علاجها بعد عدة تعثرات، وهي اليوم أمّ لعائلة جميلة وتبوأت منصباً رائعاً، "أنا جميلة وفخورة وطاهرة وأعرف أنني من أقوى نساء العالم".
قصة أثّرت بي وجعلتني أفكر كيف أن كل شخص منا يمكنه أن يعيد الأمل لضحايا الاغتصاب. إن تضامننا على صعيد الحكومات، والقطاعين العام والخاص، المشرعين، المعالجين النفسيين، الشرطة، والخبراء المعنيين والمدارس والجامعات والأفراد وخاصة الأهل وغيرهم، فهذا سيزيد الوعي لدى شعوبنا وتولد من جديد قلوب كان قد أطفأها الاغتصاب.
تخيلوا أن بلداننا العربية كلها تتبع هيكلية موحدة لمكافحة جرائم العنف المتحيز، وتتسم بالقوة والرؤية الموحدة والقوانين العادلة المنصفة، هيكلية تبعث الأمان في قلوب نسائنا وفتياتنا.
لنحمِ أولادنا، إخوتنا، أحبتنا، وأصدقاءنا من مرض الأفكار المضللة الذي يقتل الضحية ببطء عليل. لنفتح قلوبنا لهم، كي نفهم ما بداخل قلوب هؤلاء النساء قبل أن نصدر عليهن أحكامنا، فنظلم الضحية مرتين.
آن الأوان لكسر كل رؤية ظالمة للبنت أو المرأة المغتصبة. لقد حان الوقت لكسر هذه النظرة المقيّدة والتفاعل مع هذه القضية بحكمة وتعاطف. يجب تغليب المحبّة على الجَلْد. فالمحبة دائماً تشفي القلوب، وكل إنسان يستحق أن ينظر في المرأة ليرى حقيقة الجمال والطهارة والاعتزاز.
كلّ منّا يلعب دورًا فعالًا في حملة مكافحة العنف المتحيز على أساس جندري، التي أطلقتها الأمم المتحدة من 25 تشرين الثاني إلى 10 كانون الأول من كل عام. ولكن هذا واجبنا مدى الحياة ولا يجب أن ينحصر في الـ16 يومًا.