الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

السعوديّة... تعبيد الطريق إلى نادي الكبار!

المصدر: "النهار"
هادي جان بو شعيا
بن سلمان وبوتين.
بن سلمان وبوتين.
A+ A-
رغم أنّ العالم يمرّ بأزمة اقتصادية كبيرة، والتي من المتوقّع أن تتحوّل إلى واحدة من أسوأ الأزمات التي شهدها الاقتصاد العالميّ؛ إلّا أنّ العام 2022 كان الأفضل على الإطلاق بالنسبة إلى الاقتصاد السعوديّ، حيث حقّقت شركة النفط السعودية "أرامكو" رقمًا قياسيًّا جديدًا من ناحية تحقيق الأرباح. إذ بلغ صافي أرباح الشركة المملوكة للدولة قرابة 50 مليار دولار أميركيّ خلال الربع الثاني من هذا العام فقط. وبذلك تكون الشركة قد حقّقت أكبر أرباح حتّى الآن.
 
وبما أنّ السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، فمن الطبيعي أن يعبّد النجاح الاقتصادي طرقًا سياسية عديدة لصاحبها. وهذا ما يحدث مع المملكة العربية السعوديّة الآن، التي صارت تحظى باهتمام عالميّ أكبر، تحديدًا منذ الهجوم الروسيّ على أوكرانيا، والذي تسبّب بارتفاع أسعار النفط بشكل كبير جدًّا، وبالتالي مزيدًا من الأرباح بالنسبة إلى المملكة المصدّر الأوّل للنفط في العالم.
 
وهذا ما جعل لولي العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان مكانة تسمح له بالتحرّك بشكل أقوى في ما يخصّ الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث قدّم عرضًا كبيرًا جدًّا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدما كان قد قدّم عرضًا آخر للرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي.
 
قد يتبادر إلى الأذهان جملة تساؤلات حول هذين العرضين، لكنّ السؤالين المركزيَّيْن هما: ما الذي يسعى بن سلمان إلى تحقيقه؟! وما الذي تستطيع المملكة العربية السعوديّة تغييره في معادلة الحرب القائمة في أوكرانيا الآن؟!
 
قامت السلطات الروسية بالإفراج عن 215 أسيرًا من أسرى الحرب الأوكرانيين من بينهم قادة من كتيبة آزوف الشهيرة وهي كتيبة يمينية متطرّفة، حيث يتمّ وصف مقاتليها في الإعلام الروسيّ بـ"النازيين الجدد"، وهم الذين قادوا عمليات المقاومة في مدينة ماريوبول جنوب شرق أوكرانيا. كما وأطلقت السلطات الروسية سراح العشرات من المقاتلين الأجانب (المرتزقة) الذين كانوا قد وقعوا في أسر المسلحين الموالين لروسيا في أوكرانيا، بينهم مواطنون من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فضلاً عن آخرين من السويد وكرواتيا والمغرب.
 
وكانت حطّت الطائرة التي كانت تقلّهم إلى المملكة العربية السعوديّة نظرًا لكونها من توسّطت بين روسيا وأوكرانيا من أجل إتمام عملية تبادل الأسرى بالتعاون مع الحكومة التركية وعلى رأسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما وأثمرت جهود الدولتين بإطلاق سراح 55 أسيرًا روسيًا من السجون الأوكرانية، بالإضافة إلى السياسي الأوكراني الشهير والموالي للكرملين فيكتور ميدفيدتشوك والذي كان يواجه اتّهامات بالخيانة في أوكرانيا.
 
ولعلّ نجاح صفقة تبادل الأسرى هو ما شجّع ولي العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان إلى عرض الحلّ السياسيّ للحرب الدائرة بين القوات الروسية والأوكرانية. وبأنّ السعودية مستعدّة للوساطة من أجل حلّ الأزمة في أوكرانيا.
 
قد يقول قائل: لماذا يستطيع بن سلمان فعل ذلك دون سواه؟
الجواب هو أنّ بوتين مستعدّ للتحاور مع بن سلمان أكثر من غيره، وذلك لأسباب نستعرضها في ثلاث نقاط رئيسية:
 
- الأولى، والأهم بالنسبة إلى الرئيس الروسي هي أنّ السعوديّة في عهد بن سلمان تختلف عن السعوديّة عمّا قبله، خصوصًا لجهة التعامل مع الولايات المتحدة الأميركيّة وروسيا في الوقت نفسه، ولا يجب أن ننسى الشرخ الذي أصاب العلاقات السعوديّة-الأميركيّة منذ توعّد الرئيس الأميركيّ جو بايدن بجعل المملكة العربية السعوديّة وولي عهدها منبوذَيْن. وما تلى ذلك من الوقوف على الحياد منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا، فضلاً عن عدم تلبية الرياض لطلبات واشنطن المتكرّرة في زيادة إنتاج النفط. ليس هذا فحسب، بل باتت تقترب من روسيا أكثر، إلى درجة تباحث الدولتين حول إمكانية التبادل التجاري من دون الاعتماد على الدولار الأميركيّ.
 
- الثانية، تقارب في العلاقات السعوديّة-الروسيّة الناتجة عن المباحثات الجارية بين البلدين حول إمكانية انضمام السعوديّة إلى منظمة شانغهاي للتعاون التي يقودها كلّ من روسيا والصين، والتي تكمن أهميتها في كونها منظمة اقتصادية وأمنية في آن واحد، ما يضفي عليها الطابع السياسي. كما أنّها تضمّ عددًا من الدول الآسيوية الأخرى، حيث انضمت إليها كلّ من الهند وباكستان في العام 2017. وعلى مدار السنوات الماضية توسّعت أنشطة المنظمة لتشمل زيادة التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى التبادلات التجارية. ذلك أنّ انضمام دولة بحجم السعودية إلى المنظمة سيعطيها ثقلاً أكبر بسبب القوة الاقتصادية التي تمتلكها.
 
- الثالثة، القوة الاقتصادية للمملكة والتي تتنامى أكثر مع مرور السنوات، خصوصًا أن المملكة باتت تضع خططًا اقتصادية بعيدًا من الاعتماد على الصادرات النفطية.
 
وفي اتصال هاتفي بين بوتين وبن سلمان بمناسبة الذكرى التسعين لتأسيس المملكة، وبعدما هنأ بوتين بن سلمان، تحدّثا عن بدء العمل والتعاون في إطار منظمة شانغهاي للتعاون التي كانت قد منحت السعودية صفة الشريك في الحوار في خلال قمّة سمرقند الأخيرة التي عُقدت في أوزبكستان، وهي صفة عادة ما تُمنح قبل منح العضوية.
 
في الختام، لم تعد السعوديّة تلك الدولة التي تسير على خطى الولايات المتحدة الأميركيّة كما كانت حالها طيلة العقود الماضية. وباتت الرياض أكثر براغماتية وتولي مصالحها الخاصة، من بوابة الاقتصاد والتجارة، أهمية قصوى أكثر من السياسة والصراعات. ولكن يبقى ذلك قيد التغيير استنادًا إلى تغيّر موازين القوى الدولية أو حتى الإقليمية في ما يخصّ إيران، حيث أضحت الرياض أكثر انفتاحًا على طهران في ظلّ الرغبة للتعاون التجاري بين البلدين والنظر إلى مساعي إيران لامتلاك قنبلة نووية بمثابة القضية التي لا يمكن أن تُحلّ سوى على المستوى الدولي.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم