الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الزواج المدنيّ كذريعة لشيطنة النوّاب التغييريّين

المصدر: "النهار"
منى فياض
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
كان مستغرباً كيف غفل رجل الدين عن هموم اللبنانيين المعيشية كانقطاع الدواء مثلاً، وانبرى ليتهجّم بحماس على النواب السنّة الجدد ممّن يعرفون بالتغييريين؛ فصبّ جام غضبه عليهم لأنّهم صرّحوا خلال حملتهم الانتخابية أنّهم مع الزواج المدنيّ، الذي يشوّهونه ويجعلون منه تشريعاً للزنى وزواج المحارم.

بدأت الحملة على هؤلاء النواب، السنّة، منذ ما قبل الانتخابات، لتكفيرهم ومنع الناخبين المحافظين من الاقتراع لهم. لكنّهم انتُخبوا مع ذلك.

لم يقل النواب الجدد في مقابلاتهم أنّ أولى أولويّاتهم شرعنة الزواج المدني في زمن الانهيار، فأشاروا إلى الأولويات التي تهمّ المواطن وتحمي الدولة من التدهور، ولم لا! الاهتمام بالتشريعات التي تلبّي طموحات الأجيال الشابة من غير الطائفيين، بما فيها الزواج المدنيّ!!

حجّة رجل الدين في محاربته لهم، بدل محاربة الفاسدين من حوله، زعم أنّهم: "نجحوا باسم المسلمين يعني ممّن تسلّطوا على الإسلام"، مستعيداً فتوى المفتي قباني الذي سبق أن كفّر من يتزوّج مدنيّاً، فأهزق دمه.

ليسمح لنا سماحته التنبيه بأنّ النواب لم ينجحوا باسم المسلمين، بل نجحوا لأنّ مسلمين اختاروهم لتمثيلهم. وهم لم يُنتخبوا فقط من مسلمين، بل من مختلف الطوائف الموجودة في دائرتهم. فهم لا يمثلون المسلمين حصراً، بل يمثلون جميع اللبنانيين دون تفريق بحسب الدستور.

غريب أمر العواصف التكفيرية التي يثيرها بعض من رجال الدين تجاه الزواج المدني، كما سبق وحصل مع الوزيرة الحسن عام 2015 عندما أبدت استعداداً للاهتمام بالموضوع!

غريب أمر تدخّلهم في مسألة تتصل بجوهر حقوق المواطن كفرد، وجوهر الكرامة الإنسانيّة على السواء. يفرضون التعامل مع المواطن، من منظار طائفيّ وكناقص الأهليّة وعاجز عن اتّخاذ قرارات مصيريّة كالزواج. خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين التي عبّرت عن رفض الأجيال الشابة منطق الطوائف ورفض ربطها بحبال الطائفة الغليظة وتحكّمها بهم، لتنتقص وتمحو انتماءهم الوطني الجامع.

إنّ إلزام المواطن بأن يولد ويعيش ويموت تحت سلطة الطائفة، والرجال الممسكين بزمامها، وتقرير صحّة إيمانه، من شأنه أن يطرح شرعيّة احتكار الطوائف لتمثيل المواطن والدين الحقّ معاّ.

وهذا ما انبرى لرفضه، بشجاعة، مجموعة من طلّاب وخريجي مدارس الشريعة، الذين شاركوا في ثورة 17 تشرين، فأصدروا بياناً للردّ على الشيخ، معلنين رفضهم إقحام الدين في معركة تحجيم نوّاب قوى التغيير لحماية القوى البيروتية الفاسدة باسم محاربة الزواج المدني، مؤكّدين أنّه موضوع يقحم في كلّ مرّة في سياق سياسي ووفق مصالح أهل النفوذ. والأهمّ أنّهم أكّدوا أنّها "مسألة لا تعني المسلمين لا من قريب ولا من بعيد، ولا ينبغي للمسلمين أن يتصدّوا لها وأن يعارضوها، ما دام حقّهم هم محفوظاً في الاحتكام إلى المحاكم الشرعيّة"، مشدّدين على أنّ التشريع في المجلس النيابيّ ليس للمسلمين والمسلمين الملتزمين فقط، بل لعموم اللبنانيين. ولا ينبغي أن يستخدم الإسلام الذي يتبنّى قاعدة أن "لا إكراه في الدين"، كأداة إكراه على سائر أصناف المجتمع اللبناني، منبهين أنّ استمرار المرجعيات الدينية الإسلامية في إدارة الشؤون على هذا النحو سيتسبّب بارتفاع صوت معارضة علنيّة للجيل الجديد.

أُدخل في العام 1990 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتّحدة في صلب الدستور اللبنانيّ، الذي ذكر في مقدّمته أنّ لبنان يلتزم مواثيق الأمم المتّحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء. وتنصّ المادة الثانية على أنّ "لكلّ إنسان حقّ التمتع بكافّة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أيّ تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسيّ أو أيّ رأي آخر، أو الأصل الوطنيّ أو الاجتماعيّ أو الثروة أو الميلاد أو أيّ وضع آخر، ودون أيّ تفرقة بين الرجال والنساء". والقانون الدوليّ يعلو على القوانين المحليّة.

وأكثر ما ينطبق عليه هذا الحقّ الزواج المدنيّ، لأنّها مسألة تتعلّق بجوهر الحرية الإنسانية والاختيار الحرّ أيضاً في حياة كلّ إنسان.

لكنّ السؤال، لماذا يتّخذ النقاش في لبنان حول الزواج المدنيّ هذا الشكل العنيف والذي يصل لإهراق الدم؟

أليس لأنّ رجال الدين يدركون أنّ الزواج الذي لا تعقده المؤسسة الدينية هو بمثابة خروج المواطنين عن سيطرتهم؟ السيطرة المادية والمعنوية والسياسية والاجتماعية. هذا الخروج الذي يهدّد الامتيازات التي تتمتّع بها المؤسسات الدينية في لبنان، وتجعلها قوّة ماديّة ضخمة، تسمح لها بالعلاقة مع المؤسسة السياسية، فتفرض بموجبها على السياسة والسياسيين حلفاً غير مقدّس، تؤمّن المؤسّسة الدينية بموجبه حشد الجماهير استناداً إلى استثارة غرائزها الطائفية، وتجيّرها لرجال السياسة، مقابل دعم هؤلاء لمطالب المؤسّسة الدينية في تكريس القوانين التي تمكّنها من السيطرة على جموع السكان وإبقائهم مسجونين في بئر الطائفية.

طبيعيّ أن تهتزّ أركان المؤسّستين، الدينية والسياسية، عند إرساء ممارسة قانونية تعترف بحقّ الفرد، فيتحرّر لاختيار نمط حياته خارج هيمنة الطوائف. من هنا وقوف السياسيّين التقليديّين وبعض الصحافيّين والمفكّرين اليساريّين أو اللاطائفيّين - رغم أنّ كثراً بينهم وبين أولادهم أقاموا زواجاً مدنيّاً في قبرص - ضدّ تكريس الزواج المدنيّ في القوانين اللبنانيّة.

علّق ساخر: قد يكون عقد الزواج في قبرص حرصاً على السياحة فيها، على ما استسهل وزير الداخليّة عام 2015.

المشكلة الآن أنّ المواطن أصبح عاجزاً ليس فقط عن السياحة، لكن عن الزواج أيضاً.

لكنّ البدء بإزاحة جدران مجلس النواب التي نصبت بوجه الثوار ومنعتهم من الاقتراب منه، أدخلتهم الثورة إلى البرلمان.

ربما فسحة أمل بإمكانية نجاح التغيير القادم ولو بعد حين.
 
نُشر في موقع "الحرة".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم