السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

طارت بها الكتب قالت: تلك لبنان

طارت بها الكتب قالت: تلك لبنان
طارت بها الكتب قالت: تلك لبنان
A+ A-

ﺇن لم يكن لبنان وطني لاتّخذت لبنان وطني"... مواطنة صادقة، مشاعر حنين وأمل، نعم ما تحمله هذه الجملة من معان سامية، صادقة، بليغة التّأثير. هي جملة قالها جبران خليل جبران في زمنه، نكاد ننساها في زمننا!! لمَ ترانا نحتاج إلى قولها؟ وما البيئة الّتي علينا أن نحيا فيها لنكون صادقين في التّلفّظ بها، بعيداً عن النّفاق والتّملّق، ونشعر وكأنّ الأشواق تحملنا إلى عالم ما فوق الآفاق؟!

ما المجتمع ﺇلّا مجموعة من النّاس أدّى تفاعلهم بين بعضهم بعضًا في مساحة مكان محدّد إلى تكوين حياة اجتماعيّة وبيئة حضاريّة. هذه الحياة، بدورها، تحتاج إلى نظام واضح كامل المعايير، يؤسّس لبناء مجتمع سليم ومتماسك، في منظومة فكريّة رشيدة.

فلبنان، هذه المنارة الّتي لطالما كانت نجمًا في الفضاء مسكنه، ونورًا في الدنى مرتعه، مجتمع ليس كسائر المجتمعات الّتي تؤدّي عواملُ عدّة دورًا كبيرًا ومهمًّا في الحفاظ على كينونته وديمومته، بل هو يتميز بعراقة شعبه وعبقريّة أفراده الّذين آمنوا بالمواطنة والعيش المشترك الواحد الموحّد. ذلك أنّ المواطن، يا أعزائي، هو ﺇنسان قبل أن يكون رقمًا من الأرقام، هو ﺇنسان ذو قيمة معنوية وروحية قبل أن يكون لبنانيًّا، هو مخلوق مكرّم عن سواه من المخلوقات لأنّ حضارته ضاربة في عمق التاريخ منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، مُيّز بعقله ونطقه وذكائه وحنكته، فما دهانا اليوم بتنا نتصرّف بما لا نرضاه، ونسكت عمّا يحاك لنا؟! هذا "المواطن" اليوم يعيش في وطنه، وحقّ له قبل كلّ شيء أن يعيش بأمان وسلام، فأين نحن وسط كلّ ذلك؟! يخاف أن يُقتل ﺇن كان انتماؤه السّياسيّ يعرّضه لخطر فئة من ﺇخوانه يختلفون عنه في النّظرة والرّأي. يخاف الفقر ﺇذ ﺇنّه لا يجد عملًا، ليعيل عائلته. يخاف أن يُسرق وهو في منزله، أو على الطريق! أين نحن من حقّ المواطن في أن يحيا ويعيش في بيئة آمنة ومستقرّة؟! عدا أنّه ﺇذا كان ذا "دخل محدود"، فشوكة يُشاك بها كفيلة بإذلاله... ويحدّثونك عن الأمان!

ﺇن أردنا اعتبار أنّ المواطن ليس ﺇنسانًا، فدعونا نقبل واقعنا بصفتنا أُناسًا، بعيدًا عن كلّ جدال ونقاش بقدر ما تشاؤون... خلقنا أجمعين من طين، فلا يُميَّز ﺇنسان عن آخر ﺇلّا بمقدار ﺇنسانيّته وﺇيمانه، وهذا ما يدعونا إلى تقبّل بعضنا بعضًا والعيش معًا على أُسس إنسانيّة واحدة. ما أعنيه بكلامي أنّك يا أخي لن تستطيع أن تلغي غيرك ﺇن هو اتّخذ منحًى سياسيًّا ودينيًّا مغايرًا لتوجّهاتك ومعتقداتك، فتقبّل الآخر واجب مقدّس بين النّاس، والاݴعتراف بتنوّعهم وتنوّع مشاربهم وأفكارهم ﺇنّما هو دليل على القيمة الّتي غايتنا الوصول ﺇليها، ألا وهي المواطَنة الّتي تكلّمت عنها الأديان السّماويّة كافّةً، ومنها الاسلام حيث يقول تعالى في سورة "الكافرون": "لَكُم دينُكم وَلِيَ دِين" (الآية 6)، فلا يحقّ لك أيّها الانسان التّعدّي على غيرك بحجّة اختلاف المذهب والمعتقد والتّوجّه الفكريّ، فالقانون يكفل ذلك من حيث الحرّيّة في الاختلاف... ولكن "بلا ما نضحك عبعض"، هل من رقابة؟ هل يُحترم هذا القانون؟ وأنتم عندها تعاودون انتخاب من "يفترض" به أن يمثّلكم في "دولة القانون" فإنّكم بذلك تعودون لتشتموا أنفسكم وترفعوا المتاريس بوجه بعضكم، وتهدّدوا السّلم الأهليّ والوحدة الوطنيّة!!

أيّها الاخوة، لا تنظروا إلى انتمائكم، بل غوصوا في أعماق قلوبكم وأرواحكم، وسطّروا إبداعاتٍ وأعمالًا مجيدةً ترفع اسم لبنان. وحقّقوا الأمان لهذا الوطن. أمّنوا له سُبُلَ راحته، اجعلوا العدالة في "دولة القانون" ثقافةً تدرّسونها في كتب التّربية... نعم، أنتم أيّها المعنيّون، نعم أنتم أيّها المواطنون، وأنتم أيّها الأهالي، وأنتم أيّها الشّباب، متى تحْيَوْنَ ﺇنسانيّتكم حتّى نستحقّ أن نهتف مع جبران خليل جبران بفخرٍ وصدقٍ "ﺇن لم يكن لبنان وطني لاتّخذت لبنان وطني"؟!



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم