الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

صلاة يسوع وصلوات المسيحيين

المصدر: "النهار"
المسيحية (تعبيرية- مارك فياض).
المسيحية (تعبيرية- مارك فياض).
A+ A-
 
غسان صليبي

اعتدتُ ان أقرأ الانجيل لمناسبة الاعياد المسيحية، من مثل عيد الميلاد او عيد الفصح الذي يحل علينا بعد عشرة ايام. وكلما قرأت الانجيل فوجئت بالإختلاف وأحيانا بالتناقض، بين ما يقوله يسوع او يفعله وبين ما يقوله مسيحيون او يفعلونه، مما يذكرني دائما بجبران في احد نصوصه، عندما يروي ان الكهنة لم يكونوا يسمحون لعامة الشعب بالاطلاع على الانجيل.
احببتُ، هذه السنة، التأمل بموضوع "الصلاة" في الانجيل، في وقتٍ يضطر المسيحيون بسبب كورونا للصلاة في بيوتهم بدل الصلاة في الكنائس. اكتشفت ان المسيحيين في معظمهم يصلّون كما علّمتهم السلطة الدينية وليس كما علّمهم يسوع، وأن الصلاة بحسب يسوع تتناسب أكثر، وللمفارقة، مع ظروف الحجر المنزلي.
 
يصلي المسيحيون أحيانا في بيوتهم وعندما يكونون وحدهم، لكن الصلاة الرسمية هي جماعية وخلال القداس، في حين ان يسوع قال "اما انت اذا صليت فادخل الى مخدعك واغلق بابك وصلِّ الى أبيك الذي في الخفاء".
 
يكثرون من الكلام في الصلوات، أكان في القداس أم حين يصلّون المسبحة، فيما يسوع قال "لا تكثروا الكلام لأن اباكم يعلم بما تحتاجون اليه قبل أن تسألوه".
 
إن للصلاة الجماعية مزاياها العاطفية على مستوى الشعور بالتضامن والإنتماء، خاصة إذا كانت الجماعة المسيحية تمر بأوقات صعبة من حروب وإضطهاد وما شابه.
لكن في الاوقات العادية يمكن السلطة الدينية أن تستخدم الصلاة الجماعية لتأطير المؤمنين وممارسة سلطتها عليهم، عبر ترسيخ تقاليد وعادات ومعتقدات جماعية قد لا تتناسب مع تعاليم يسوع، مما يحرم المؤمن من حرية التفكير والتأمل في دينه، بعيدا من تأثير تشابك المصالح السياسية والاقتصادية والدينية التي قد يجسدها رجال الدين.
 
الصلاة الجماعية عند المسيحيين هي في أغلب الاحيان مزيج من العبادة والعرفان والطلب من الله المساعدة والغفران. الصلاة عند يسوع، وخاصة فعل العبادة من خلال تقديم القرابين كما في زمانه، مشروطة بالمصالحة مع الآخر. يقول: "فإن قدّمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك واذهب اولا واصطلح مع أخيك"، اي ان يسوع يطالبك بأن تذهب الى الله وتزور معبده بعد ان تكون قد أحببت، وليس بعد ان تكون قد أخطأت في حق البشر. وهذا ما يغيّر كليا من وظيفة "الاعتراف" عند الكاهن خلال القداس. فبدل ان تخبره عن خطاياك، تخبره عن مزاياك. وبدل ان تركع امامه ذليلا حاملا ذنبك، تتشارك معه بثقة في النفس، افعال المحبة، مما يجعل الله يتقبل قرابينك.
 
علّم يسوع تلاميذه كيف يصلّون، وهي الصلاة التي تُعرف بالصلاة الربانية، "أبانا الذي في السماوات". في هذه الصلاة القصيرة، يدعوهم يسوع لأن يطلبوا من الله ان تكون مشيئته "كما في السماء كذلك على الارض"، اي ان يعمّ الخير على الارض قبل التعويل على الحياة في الآخرة. كذلك يدعوهم للطلب من الله ان يغفر لهم ذنوبهم "كما يغفرون هم لمن أساء اليهم"، اي انه لن يغفر هو إذا لم يغفروا هم. وان يطلبوا منه أيضا ان يعطيهم خبزهم "كفاف يومهم" وليس أكثر من حاجتهم، وهذا يتعارض مع الطلب من الله تكديس الثروات.
انزلقت البروتستانتية أكثر من الكاثوليكية او الارثوذكسية، في إتجاه الدعوة الى المزيد من العمل والانتاج، كنوع من تمجيد الخلق والخالق، مما جعل بعض المفكرين الكبار من مثل ماكس فيبر، يضيئون على العلاقة الوثيقة بين البروتستانتية من جهة وبين تراكم الرأسمال وانتشار الرأسمالية من جهة أخرى.
 
لا اعتقد بأن يسوع كان ليكون ضد العمل والانتاج والنمو، لكنه لم يكن ليقبل بأن يكون ذلك بهدف تكديس الثروات وتوزيعها بشكل غير عادل على البشر كما تفعل الرأسمالية. بل كان ليفترض ان يكون هذا النمو بهدف إشباع الاحتياجات البشرية التي لا يمكن ان تكون الا متساوية ولو اختلفت بعض الشيء في حجمها ونوعها.
 
في "الصلاة الربّانية"، يريد يسوع أيضا من المصلين ان يطلبوا من الله "الا يدخلهم في التجارب وأن ينجّيهم من الشرير"، اي الاّ يفترضوا كما يعتقدون، ان الله يحب ان يجرّبهم ويختبر إيمانهم من خلال التلاعب بحياتهم بسادية مطلقة، بل على العكس عليهم ان يطالبوه بألا يجرّبهم وبأن يواجه معهم الشرير.
 
ربما كانت فرصة للمسيحيين اللبنانيين هذه السنة، ان يقرأوا الانجيل بأنفسهم ويصلّوا في حجرهم المنزلي كما يفضل يسوع، طالبين من الله ان يبسط مشيئته "كما في السماء كذلك في لبنان" بدل ان يعيشوا في جهنم التي يرأسها ممثل للمسيحيين في السلطة، وان يعطي اللبنانيين "خبزهم كفاف يومهم" بدل أن يجري احتكار خبزهم ورفع اسعاره وتهريبه فيما هم يعيشون الفقر والعوز، وان "ينجّيهم من الشرير"، أكان مسيحيا أم مسلما، عربيا أم إيرانيا، إسرائيليا أم أميركيا.
 
يبقى ان الصلاة ليست هي الاهم عند يسوع، لا بل أجازف ربما بالقول انها تبدو لي غير مهمة بالنسبة اليه، وخاصة بالمقارنة مع المحبة التي هي جوهر المسيحية. فعندما كان يُطلب منه تحديد شروط الدخول الى ملكوت السماوات، لم يكن يذكر الصلاة، بل محبة الآخرين، من خلال إطعام الجياع ومساعدة المرضى وزيارة المساجين.
 
المحبة بين البشر وليس الصلاة، هي التي تجعل مشيئة الله تتحقق "كما في السماء كذلك على الارض"، والمحبة بين البشر وليس الصلاة، هي التي تجعل الخبز يتأمن للجميع، والمحبة بين البشر وليس الصلاة، هي وحدها قادرة على مواجهة الشرير.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم