الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الحرب الباردة تَستعِر... لكمات "تحت الحزام" وتوعّد بالرد!

المصدر: "النهار"
وداع فخري زاده (أ ف ب).
وداع فخري زاده (أ ف ب).
A+ A-
هادي جان بو شعيا- صحافي وكاتب لبناني
 
اتهمت إيران جهاز الموساد الإسرائيلي ومنظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المحظورة لديها بتنفيذ عملية وصفتها بالمعقّدة لاغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، الذي وُصف بأبي المشروع النووي الإيراني. 
 
على الجبهة الأخرى، تتكتّم إسرائيل على ما لديها فلا تعترف بالاغتيال ولا تنفي مسؤوليتها عنه، مما اعتبرته صحيفة "نيويورك تايمس" نوعاً من الاعتراف. 
ليتساءل كثيرون عمّا اذا كانت هذه الحادثة ستفاقم التوتر القائم بين الجانبين منذ سنوات. فبأي شكلٍ وأين ستردّ طِهران كما توعّدت؟ وأين تقف واشنطن التي تكابد الوقت بدل الضائع لإدارة ترامب الذي يتصرّف كثور جريح في متجر فخّار؟ 
 
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف تسمح السلطات الأمنية الإيرانية لعالم بهذا الحجم، سبق لنتنياهو أن ذكره بالاسم قبل عامين متوعّداً بتصفيته، أن يتنقّل بسيارة ليموزين "عادية" من دون حراسة ويُصطاد بهذه الطريقة التي وُصفت بالـ "هوليوودية"؟!
 
وعملت طِهران على تفنيد كل المعلومات التي تحيط بعملية الاغتيال، التي وصفها رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي بالنوعية واستُخدمت فيها تقنيات حديثة.
ونتساءل هنا: تأتي عملية الاغتيال هذه في خلال الفترة الانتقالية للإدارة الأميركية، فهل ينسجم توقيت العملية مع توجهات إدارة ترامب في وقتها بدل الضائع؟!
الجدير ذكره، وفي الوقت الضائع لفترة ترامب، كل اللاعبين في المنطقة سواء ايران وإسرائيل والسعودية يعملون على تثبيت مواطئ أقدام لهم، معلنين أنهم أطراف أساسيون ينبغي على إدارة بايدن التعامل معهم في المرحلة الجديدة.
في المقابل، ايران لا تريد التفريط بفرص التفاوض مع بايدن بالتوازي مع حديثها عن الردّ. اذاً، كيف ستوازن بين الأمرين؟ 
 
يجري الآن نقاش على المستويين بحيث أن ايران قد لا تراهن بالضرورة على بايدن في ما يتعلّق بإمكانية العودة إلى الاتفاق النووي وماهية الشروط المطلوبة. ربما التكتيكات ستختلف بالتأكيد والرؤى حول ايران، التي يعتبرها الحزبان في أميركا تهديدًا للمصالح الأميركية. 
ولا بد من التذكير هنا أن اغتيال العلماء النوويين السابقين في ايران جرى تحت ادارة "ديموقراطية". ومن هنا تجد إيران ضرورة ان تتريّث في الردّ، فهذا أحد السيناريوات المطروحة.
في المقابل، إلى اي حدّ يمكن إسرائيل أن تنأى بنفسها عن عملية الاغتيال؟ وكيف يُفسّر صمتها حيث لم تعترف كما لم تنفِ؟
 
من الواضح أن إسرائيل تنتهج سياسة "الضبابية" خلال السنوات الأخيرة ضمن عمليات الاغتيال التي طالت العلماء النوويين الايرانيين. الا ان القرائن التي تدين إسرائيل كثيرة لضلوعها في هذه العملية.
لكن لماذا وجّهت إيران أصابع الاتهام إلى إسرائيل؟ 
إنها الجزئية التي ذكرها نتنياهو قبل عامين وهو يستعرض بعض ما ورد في عشرات آلاف الملفات السرية التي تمكنت قوة خاصة من نقلها من طهران إلى إسرائيل. حينها أشار نتنياهو إلى زاده بالاسم كواحد من أبرز المسؤولين عن برنامج ايران النووي. هذا عدا عن أن الأسلحة التي وُجدت في موقع الاغتيال إسرائيلية الصُنع. 
 
هناك من يقول إن حكومة نتنياهو "شرعنت" مبدأ الاغتيال خارج القانون وحوّلت المواطنين الإسرائيليين لربما إلى أهداف لإيران. اليوم الكرة باتت في الملعب الإيراني وإسرائيل تراقب وتترقّب.
وبعدما سارعت الإمارات لإدانة عملية الاغتيال هذه. هل تخرج بذلك من دائرة الردّ الإيراني؟ خصوصًا أن روحاني تعهّد بعد عملية التطبيع بأنه يقع على عاتق ابو ظبي والمنامة أي استهداف إسرائيلي لأمن طهران؟ 
 
اما اللافت، ان الإيراني يواجه كل هذه الضربات بمزيد من الصبر والتريّث والترقب لتتضح الصورة أكثر، حيث يؤكد خبراء سياسيون إيرانيون ان تحقيقات جاري العمل عليها في ما لو استخدمت الأراضي الإماراتية او البحرينية لوجستيًا لتمرير هذه العملية بُعيد تحدث رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي وهو أعلى سلطة أمنية في إيران موجّهاً أصابع الاتهام مباشرة إلى إسرائيل ومنظمة "مجاهدي خلق" المصنّفة إرهابية في إيران. 
 
لذلك يسود اليوم انطباع حول الدروس المستقاة، ان ضبابية تحديد المسؤولية والنكران الإسرائيلي للعمليات التي تنفّذها ستنتهي. وهذا يشير لأساليب حرب غير معلنة إلى أن هناك دولاً محددة تريد خوض حروب مع أطراف أخرين ولكن عبر وسائط وهي كثيرة... وبالتالي ينبغي أن ننتقل إلى مرحلة الاشتباك المباشر أو الذهاب إلى تفاوض استراتيجي يؤول إلى حلحلة العقد وإزالتها والتوجه إلى إرساء منظومة أمن وسلام في المنطقة. 
علماً انه، بُعيد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، كان الرد الإيراني واضحاً باستهداف قواعد عسكرية أميركية في العراق عبر صواريخ ايرانية باليستية. هل بات مستبعداً سيناريو ردّ إيراني مشابه بهذا الشكل وأين؟
 
إذ من المتوقع أن يوجه الإيراني ضربة موجعة تندرج تحت سياسة الإنكار وتخلق بلبلة وضجة عارمتيْن تربك الخصم لناحية شكل رده ومستواه. هل سيأتي الرد في مستوى استراتيجي كما حصل في محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن ما استجلب هجوماً إسرائيلياً على لبنان واسع النطاق؟
هل تدخل إيران في حرب استباقية في الوضع الراهن غير مضمونة الأفق وتطوراتها غير محددة؟ وهذا هو الإشكال الرئيسي الذي تعيشه المنطقة الآن والذي يقف خلف الارتباك الإسرائيلي، إضافة للنقاش الجدي في الداخل الإيراني والمتعلق بجدوى فتح معركة لحرب واسعة النطاق أو الذهاب إلى التفاوض؟
 
ولكن إقرار البرلمان الإيراني رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما فوق الـ20% يأتي ضمن إطار الرد على إسرائيل او يندرج ضمن مناخ الضغط على الأطراف الداعمين لها واستخدام ورقة الاغتيال في الملف الاستراتيجي اذ انه على رغم قساوة وطأة الاغتيالات إلا أنها لا تغيّر في الواقع الاستراتيجي. 
ومن هنا ترى إيران ان ميزان القوى في المنطقة يصبّ في صالحها ولعل الخيارات المتاحة أمامها يتجلّى بالرد التكتيكي على عملية الاغتيال الذي يجب أن لا يتضارب مع الحسابات الاستراتيجية بعيدة المدى، على الرغم من المطالبات الشعبية واسعة النطاق داخل إيران بحتمية الرد على عملية الاغتيال هذه.
 
اذاً، هل تُفهم خطوة إيران بقرار رفع مستوى التخصيب ما فوق 20% توجّهاً لتصنيع القنبلة النووية، خصوصاً في ظل الأصوات التي رفعت في البرلمان الإيراني عن ضرورة التخلي عن البروتوكول الإضافي لاتفاق فيينا بشأن الملف الإيراني النووي؟
علماً ان خطوة التسلّح نووياً لا تُبنى على قرارات من داخل البرلمان الإيراني، إنما الأمر منوط بالمجلس الأعلى للأمن القومي في حال اتخذ قراراً كهذا، والذي يجتمع فيه صانعو القرار الرئيسيون منهم رئيس البرلمان. ويأتي ذلك لزيادة الضغط على الإدارة الأميركية لعدم إعطاء ضوء أخضر لحلفائها في المنطقة. 
 
في الختام، يبقى سؤال شائك مفاده كيف يمكن طهران ان تنفّذ وعيدَها بالثأر لاغتيال محسن فخري زاده من دون الانزلاق إلى فخ الحرب التي حاكها بدقة بنيامين نتنياهو ومن ورائه دونالد ترامب الذي يسعى لإشعال فتيلها في الفترة المتبقية له وقلب الطاولة على جو بايدن المزمع تسلمه مقاليد الحكم في أميركا في 20 كانون الثاني 2021؟ او سيتسنى لطهران ابتلاع ما لا يمكن ابتلاعه؟ او ستنجح إسرائيل في جرّ طهران لاستهداف دبلوماسيين او سياح عاديين ضمن عملية تندرج تحت عنوان "إرهاب الدولة" الذي تطالب طِهران نفسها المجتمع الدولي إدانة إسرائيل به؟ 

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم