الجمعة - 10 أيار 2024

إعلان

ستّ سنوات انتهت ولبنان في أصعب مرحلة: فماذا تحقق من الوعود الاقتصادية والمالية؟

المصدر: "النهار"
أرشيفية.
أرشيفية.
A+ A-
رأى صندوق النقد الدولي في تقرير "آفاق الاقتصاد الإقليمي" أن اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت مرنة في عام 2022، لكنه توقع أن يؤدّي التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الى تباطؤ النموّ في عام 2023، لتصل معدلات النموّ إلى 3.6% نتيجة تداعيات حرب أوكرانيا وارتفاع الأسعار وتباطؤ الاقتصاد العالمي.

اللافت أن صندوق النقد الدولي رأى أن التوقعات تبقى قاتمة للغاية بالنسبة للبنان غير المستقرّ سياسياً لدرجة أنه لم يعلن عن أيّ توقعات اقتصادية للبلاد في تقريره. فممّا لا شك فيه أن الاقتصاد اللبناني مرّ في ظروف صعبة خلال ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون، ومما لا شك فيه أيضاً أن النجاحات والفشل في السياسات الاقتصادية لا تعود لرئيس الجمهورية وحده نظراً إلى أن دستور الطائف حدّ من صلاحيات الرئيس لمصلحة الحكومة مُجتمعة. فمشاكل لبنان الاقتصادية في الفترة التي تلت انتهاء الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، برزت في عام 1998. آنذاك قام رئيس الحكومة سليم الحص بتنفيذ خطة تقشفية أدّت في نهاية المطاف الى انخفاض النموّ الاقتصادي من دون تحقيق الأهداف التي كانت تتمحور حول لجم الدين العام، ما دفع برئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري إلى تنظيم سلسلة مؤتمرات دعم للبنان بمساعدة صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك. أربعة مؤتمرات دولية داعمة استفاد منها لبنان وهي: باريس 1، باريس 2، ستوكهولم، وباريس 3. وكلها طالبت بالإصلاحات من دون جدوى. ولم تُساعد الأزمات السياسية التي عصفت بالبلاد على إجراء إصلاحات وعاش البلد من عام 2006 حتى عام 2016 من دون موازنات مع عجز مزدوج في ميزان المدفوعات والموازنة. وتُشير التقارير إلى أن لبنان وصل إلى عدم الملاءة بالعملة الصعبة في عام 2015، وهوما دفع المصرف المركزي إلى إجراء هندسة مالية أدخلت أكثر من 12 مليار دولار أميركي إلى احتياطات المركزي سمحت للدولة بالصمود حتى الساعة.
 
بدا وصول الرئيس عون إلى السلطة في 31 تشرين الأول من عام 2016 كأنه بصيص أمل مع ما أطلقه من وعود في قسمه الدستوري (31 وعداً اقتصادياً، سياسياً، أمنياً، قضائياً...). إلا أن الرياح لم تجرِ كما اشتهت سفن عون، حيث استطاعت حكومات الرئيس عون النجاح في بعض الملفات فيما أخفقت في مُعظمها، حيث يفنّد أستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة اللبنانية البروفيسور جاسم عجاقة بعض الملفات الاقتصادية التي نجح فيها عهد الرئيس عون والملفات التي أخفق فيها. فوعود الرئيس عون الاقتصادية طالت: إصلاحاً يقوم على التخطيط والتنسيق بين الوزارات، تأهيل مختلف إدارات الدولة، وضع خطة اقتصادية شاملة مبنيّة على خطط قطاعية، استثمار الموارد الطبيعية في مشاريع منتجة، استثمار الموارد البشرية خصوصاً في قطاع التربية والتعليم والمعرفة، إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام من ضمن رؤية مالية هادفة. في الواقع، لم تُنفّذ أيّ من هذه الوعود باستثناء الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي لم تُطبَّق حتى الساعة.

النجاحات
مما لا شك فيه أنّ الملفّ النفطي هو نقطة نجاح كبيرة افتتح بها عون ولايته مع إقرار مرسومي الغاز والنفط في كانون الثاني من عام 2017 في أول جلسة للحكومة في قصر بعبدا. أيضاً أُطلِقت مناقصات لتلزيم البلوكين 4 و9. وخُتم هذا المشروع بتوقيع ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي.

أيضاً من الملفات التي يُمكن اعتبارها نجاحات في عهد الرئيس عون، إقرار أول موازنة عام بعد انقطاع دام أكثر من 12 عاماً من عام 2006 حتى عام 2017. وهو ما أعاد الانتظام إلى حدّ معيّن إلى احترام الدستور. لكن بالطبع لم يستطع العهد إقرار قطوعات الحسابات من عام 2004 حتى عام 2015 نظراً للحسابات السياسية القائمة التي حتى اليوم تمنع إقرار أي قطع حساب في المجلس النيابي

الإخفاقات
أخفق العهد وحكوماته بحسب عجاقة في إخراج المالية العامة من أزمتها المزمنة المتمثلة بعجز الموازنة وعجز الحساب الجاري. كما أخفق في وضع موازنات تُقارب الواقع حيث إن الموازنات كانت ورقية والعجز المُحقق بعيداً عن المرتقب في الموازنة على مثال موازنة عام 2018. واستخدمت القوى السياسية الموازنات كباب للصراع السياسي مع مزايدات أدّت إلى تحقيق رقم قياسي في موازنة عام 2019 مع أكثر من 45 جلسة مناقشة في الحكومة ولجنة المال والموازنة. وأيضاً فشل العهد وحكوماته في وقف التهريب عبر الحدود الذي امتصّ على مدى أكثر من 10 سنوات أكثر من نصف الدولارات التي كانت موجودة في لبنان. هذا التهريب شمل كل شيء تقريباً مع احتلال المحروقات المرتبة الأولى من دون منازع.

ومن الإخفاقات فشل العهد وحكوماته في إدارة الأزمة التي عصفت بلبنان بعد ثورة 17 تشرين. ولعل قرار وقف دفع سندات اليوروبوندز كان الأسوأ في تاريخ لبنان من ناحية عزله لبنان عن التمويل العالمي.

يتابع عجاقة بالقول إن العهد فشل أيضاً في لجم الاستيراد الذي أخرج الكثير من الدولارات من لبنان بمعظمها دولارات آتية من القطاع المصرفي. ولا يُمكن نسيان فشل الخطط الاقتصادية التي حاول جاهداً وضعها خصوصاً في عام 2019. وفي عام 2018، سنحت للبنان فرصة ذهبية مع مؤتمر سيدر بإجراء إصلاحات كان يمكن أن تجلب إلى لبنان استثمارات بقيمة تفوق 11 مليار دولار أميركي. إلا أن غياب الحكومة من أيار عام 2018 حتى شباط عام 2019 منع القيام بأية إصلاحات وبالتالي لم يكن مُمكناً الاستفادة من الوعود بالاستثمارات. ولعل الفشل في السيطرة على الدين العام هي السبب الجوهري الذي سرّع في عملية السقوط. ويرى عجاقة أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب كان القرار الأكثر فشلاً من ناحية أنه ضرب الأسس النقدية في لبنان وأخرج الكثير من الدولارات من الاقتصاد اللبناني مع تخطي التوقعات من ناحية الإنفاق ومع زيادة الكتلة النقدية بالليرة بشكل غير منطقي. ويتابع بالقول إن العهد وحكومته فشلا في حماية القطاع المصرفي من الانهيار، لا بل على العكس، قامت حكومة الرئيس حسان دياب بالهجوم على المصارف وعلى المصرف المركزي وهو ما ضرب هذا القطاع بالصميم ومعه ضُربت العملة التي لم تستطع المقاومة أمام دولار يُهرَّب إلى الخارج، وأيضاً كان لسياسة الدعم التي اتبعتها حكومة دياب دور سلبي جداً في تسريع السقوط مع استفادة قلّة من المحسوبيات من دولارات الدعم.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم