الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

خاص- حوار برلين الثامن حول الطاقة... ألمانيا تنتقد اعتمادها على الغاز الروسيّ "لقد أخطأنا"

المصدر: "النهار"
كميل بو روفايل
كميل بو روفايل
حوار برلين الثامن حول تحوّل الطاقة.
حوار برلين الثامن حول تحوّل الطاقة.
A+ A-
العمل الجادّ للتحوّل إلى الطاقة البديلة تلقّى دفعة كبيرة من الحرب الروسية على أوكرانيا، فالبلدان الأوروبية أجمعت على ضرورة الاستغناء عن الغاز الروسي وضمان الأمن الطاقوي في أوروبا، وتبلور هذا الأمر أكثر في حوار برلين الثامن حول تحوّل الطاقة الذي عقد بشعار من الطموح إلى العمل يومي الثلثاء 29 والأربعاء 30 آذار، وتابعته "النهار". 

 جملة تصاريح لمسؤولين ألمان في المؤتمر أكدت على الاتّجاه الواضح إلى الاستغناء عن الغاز الروسي، وفي مقدمة المؤتمر تشديد على أنّ الاتّحاد الأوروبي يناقش حظر الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة وضرورة التحرّر منه والاستقلال عن الجهات التي تؤمنّه، لأنّ الاتحاد يعتبر ذلك المسؤولية العالمية.

أمّا بالنسبة إلى ألمانيا، فهي اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى تريد التحرّر من الاعتماد على الطاقة الأحفورية الروسية بخاصة بعد تخفيضها الاعتماد على الفحم بمعدّل 50 في المئة، فالآن توجه ألمانيا الاستغاء عن الغاز الروسي بالكامل.

ووفق المسؤولين الألمان، فإنّ دولتهم ستجد مصادر بديلة عن روسيا لتأمين الغاز، ولكن عليهم بدء تطبيق الكلام الذي يكرّر من نحو 50 سنة، والقاضي بضرورة الاعتماد أكثر على الطاقة النظيفة والاستغناء عن الوقود الأحفوري كليّاً. والمهلة الزمنية لتحقيق هذه الأهداف تنتهي في أربعينيات هذا القرن.

لم يطرح المجتمعون فكرة الاستغناء عن الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة من زاوية مناخية وبيئية بحتة، بل الفكرة الأساسية التي تمحور التركيز عليها تكمن في أنّ مسألة تحوّل الطاقة باتت اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، سياسية وصناعية واقتصادية إلى أبعد الحدود. فالمسؤولون الألمان والخبراء شدّدوا على أنّ الاتّحاد الأوروبي يجب أن يضمن حريّته بالنسبة إلى إنتاج الكهرباء، وذلك من خلال الاعتماد على الطاقة النظيفة.

ضمن هذا الإطار، طُرحت سياسة المناخ في المؤتمر على أنّها سياسة أمنية. والنقاش دار حول اعتبار التحوّل العالمي للطاقة مثالاً على ذلك: فمن الضروري الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري، والطاقة النظيفة تضمن الاستقلال عن إمدادات الطاقة وبالتالي الأمن الأعلى للبلاد. فحوار برلين الثامن حول تحوّل الطاقة ركّز على هذه الأسئلة.

وأظهرت الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا مرّة أخرى أنّ تحوّل الطاقة يتعلّق بحماية المناخ، ولكنّه يتعلّق أيضاً بالسياسة الأمنية. فالمجتمع الدولي بحاجة إلى تطوير الطاقات المتجددة إذا أراد تحقيق أهداف حماية المناخ العالمية ومكافحة الاحتباس الحراري وتأثيراته السلبية. وفي الوقت عينه، يؤثّر انتقال الطاقة على الهياكل الجيوسياسية، لأنّ الطاقات المتجدّدة تضمن الاستقلال عن منتجي الوقود الأحفوري. لكن رغم ذلك، تظهر مخاطر تنذر بتبعيّات جديدة، مثل ضمان تأمين الموادّ الخام اللازمة لتصنيع البطاريات أو الألواح الشمسية، فالبطاريات ضرورية جدّاً لتخزين الطاقة النظيفة التي يعرف إنتاجها بالتقلّب الدائم.

وأتاح المؤتمر المجال لأن يدخل وزراء الخارجية والطاقة من أكثر من 50 دولة في حوار حول التحوّل العالمي للطاقة مع خبراء من قطاع الأعمال والبحوث والمجتمع المدني، وكذلك مع كبار ممثلي المنظمات الدولية.

افتتحت الحوار وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك قائلة إنّ "حماية المناخ وانتقال الطاقة لا يحدّدان فقط مستقبل كوكبنا ومستقبل عائلاتنا وأطفالنا، لكنّهما يحدّدان أيضاً المصالح الأمنية والجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين"، وتابعت أنّ "الحرب العدوانية الوحشية التي يشنّها بوتين على أوكرانيا هي انتهاك للقانون الدولي، فإلى جانب كلّ المعاناة المروعة التي تسببها لملايين الأشخاص، تدفعنا أيضاً إلى أن نصبح مستقلّين تماماً عن واردات الوقود الأحفوري الروسي".

أرادت ألمانيا من خلال الحوار الدعوة إلى الحياد الكربوني وتحقيق استقلالية الدولة في انتاج الطاقة، ودعت دول الاتّحاد الأوروبي والدول المجاورة له إلى تحقيق هذا الهدف والتعاون المشترك لإنجاحه.

نوّه المسؤولون بالمؤتمر بتجربة إنتاج الكهرباء من قوّة الرياح في الكوسوفو، التي تضمن 10 في المئة من طاقتها من قوة الرياح، وشدّدوا على أنّه إذا كانت فترة التخطيط لهذا المشروع قد امتدت 7 سنوات، فإنّ الاتّحاد الأوروبي يجب أن يسرع لتحقيق إنجاز التحوّل الطاقوي.

تطرّق الدكتور روبرت هابيك الذي يشغل منصب الوزير الاتّحادي للشؤون الاقتصادية والعمل المناخي في ألمانيا منذ 8 كانون الأوّل 2021 إلى خطأ ألمانيا بالاعتماد على الغاز الروسي بنسب مرتفعة، قائلاً: "نرى أخطاء الماضي، فألمانيا كانت مرهونة في السنوات الأخيرة في سياسة الطاقة لديها"، واعتبر أنّ "سياسة الطاقة ليست اقتصادية ومناخية فحسب، بل أيضاً سياسة سلطة وأمن ومصالح، ويمكن استخلاص ذلك بمجرّد النظر إلى الماضي".

وشرح هابيك أنّه "كلّ ما كان التأثير السياسي أقلّ كلّ ما كان الرفاه أعلى في العالم، وهذا ما جلبته العولمة للعالم"، مشيراً إلى أنّ "الأسابيع الحالية التي نمرّ بها، هي أسابيع تحوّل من العولمة إلى العالم سياسي أكثر، لذلك المطلوب أن تكون سياستنا أقوى وأمتن. ألمانيا ارتهنت للغاز الروسي، فـ55 في المئة من إمدادات الغاز لها تأتي من روسيا، وبقينا على هذا الارتهان رغم مشاهدتنا للتدخل الروسي في الحرب السورية واحتلال جوروجيا والقرم"، وشدّد على أنّه "كان يترتب على ألمانيا أن تلتفت إلى ما قامت به روسيا في هذه الدول وتخفّض ارتهانها للروس". اعترف هابيك بخطأ ألمانيا، ودعا إلى سياسة تضمن الاستقلال عن الغاز الروسي.

وأوضح أنّ "هناك بعض المنتجات التي لم يعد الاتحاد ينتجها كالسابق، منها السماد، الأمر الذي يهدّد إنتاج المنتجات الغذائية، فهذا المؤتمر يعقد في فترة يجب أن نعترف أنّنا بحاجة إلى التوافق على الاستراتيجيات، وأن ندعم بعضنا بعضاً، ويجب أن يكون لدينا طاقة للتغيير وأن نخفّض قدر الإمكان تبعات الحرب".

وفي حين يواجه الاتّحاد الأوروبي تحدّيات بنيويّة على صعيد السياسة والمناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض، بالإضافة إلى تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا التي أدّت إلى تهجير الأوكرانيين، أكّد هابيك "ضرورة التصرّف واتّخاذ القرارات الجذرية، بخاصة بعد أن بتنا نضع علامات استفهام عدّة على العولمة، في وقت تطلب بعض الدول أن تكون الاستثمارات محلية، وأخرى تفرض ضرائب جمركية، فهناك ميل إلى اللاعولمة، ويجب ألّا نقبل بذلك إطلاقاً".

لذلك يمكن التأكيد أنّ الطاقة الأحفورية تخلق احتكارات سياسية واستثمارية، وأنظمة استبدادية، على عكس الطاقة النظيفة، فلا يمكن احتكار الريح أو الشمس، فالطاقة النظيفة تضمن عالماً أكثر سلاماً.

الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش كان له تصريح مقتضب خلال الحوار، أكّد فيه ضرورة تحقيق الأهداف المناخية، والاتجاه إلى الطاقة النظيفة، لأنّ الانبعاثات لم تنخفض، بل زادت 6 في المئة.

وورد في الحوار أيضاً أنّ 28 في المئة الاستثمارات في مجموعة الـ20 منها 10,6 في المئة فقط له تأثير إيجابي بالبيئة.

وكان لسيدة أوغنديه تدعى هيلد ناكابية مداخلة، أوضحت فيها أنّ بلدها لا يساهم بأكثر من 4 في المئة من الانبعاثات في العالم، لكنّه الأكثر تضرّراً من التغيّر المناخي، ويخطط الآن أن تكون أوغندا مكان مرور لأنابيب النفط الخام، التي قامت شركة "TOTAL" الفرنسية ببنائها ما تسبب بنزوح قرى كثيرة، وزاد من نسب الفقر، وسيكون هناك أنابيب أخرى في أوغندا في أكبر مسطح مائي بالبلاد، وأيّ تسرّب سيسبّب بكارثة صحية وبيئية في البلاد. وقالت إنّ "العالم لا يهتمّ بالأطفال الذين يموتون جوعاً"، وختمت: "التنمية في أوروبا لا يجب أن تكون على حساب الطبيعة".

وقد أكّد المحاضرون أنّ أكثر من 10 في المئة من سكان الأرض ليس لديهم طاقة كهربائية، وما يزيد عن 40 في المئة من سكان الأرض لا يتوفّر لديهم إمكانيّة تحضير الطعام بطرق نظيفة، الأمر الذي يضرّ كثيراً بصحّة العائلات ويزيد الأمراض.

أزمة المناخ هي التحدّي الرئيسي للقرن الحادي والعشرين. حتّى اليوم يعيش أكثر من 3 مليارات شخص في مناطق مهدّدة بشكل كبير بتغيّر المناخ. في الوقت نفسه، تؤدّي أزمة المناخ إلى تفاقم النزاعات القائمة، على سبيل المثال تلك الناتجة عن ندرة الموارد باستمرار.

تعهّد المجتمع الدولي بالحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1,5 درجة أو درجتين كحدّ أقصى، مع اتّخاذ تدابير حماية المناخ. لتحقيق هذه الأهداف، نحتاج إلى التحوّل السريع لتوليد الطاقة إلى بدائل صفرية صافية وزيادة كفاءة الطاقة.

لهذا السبب تلتزم ألمانيا بالتحوّل العالميّ في مجال الطاقة، وتساعد الحكومة الفيدرالية أيضاً البلدان الأخرى على المضي قدماً في تحول الطاقة الخاصّ بها، وهو هدف وموضوع مكاتب ديبلوماسية الهيدروجين الجديدة في نيجيريا وأنغولا والمملكة العربية السعودية.

[email protected]
 
 
 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم