الأربعاء - 29 أيار 2024

إعلان

دعاوى قضائية خارجية تواكب خطوة المصارف بربط النزاع مع الدولة

المصدر: "النهار"
رولى راشد
جمعية المصارف.
جمعية المصارف.
A+ A-
لا خلاف على أن الخسائر الموجودة في مصرف لبنان، والمقدّرة بـ76 مليار دولار، هي ديون على الدولة تضاف إلى ديون سندات الـ"يوروبوند"، مما يرفع مجموع ديون الدولة إلى 107 مليارات دولار، وفق ما تكشفه المصادر المصرفية، ويؤكّد عليه معظم الخبراء الاقتصاديين. إذن، على الدولة الإسراع في التفاوض على إعادة هيكلة كل الدين، لا دين الـ"يوروبوند" فقط.
 
بعد 4 سنوات على الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، تحرّكت بعض مجالس المصارف، تحت ضغط مناقشة قوانين يطالب بها صندوق النقد الدولي، وهي تطال القطاع بموجوداته وبأدائه، مع الخوف المتنامي من شطب ودائعها. وقد طالبت مذكرة ربط النزاع المرفوعة من 11 مصرفاً الدولة اللبنانية بتسديد دينها تجاه مصرف لبنان، والبالغ 67.9 مليار دولار، لتقوم بدورها برّد إيداعات المصارف لديه بما يمكنّها من الإيفاء بالتزاماتها وردّ الودائع لأصحابها.
 
ويبدو أن هذه الخطوة انسحبت على جهات أخرى محلية وإقليمية وعربية تحتفظ باستثمارات في لبنان، من بينها مجموعة الحبتور الإماراتية، التي وجّهت في 7 كانون الأول الجاري رسالة مفتوحة إلى الحكومة اللبنانية ممثلة برئيس الحكومة نجيب ميقاتي "مطالبة بشكل عاجل بضمان وحماية الاستثمارات والممتلكات مع كفالتها في حالة التعرّض من الغير"؛ والأهمّ، وفق ما جاء في الرسالة "باحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتعويضها عن كافة الأضرار والخسائر التي تكبّدتها المجموعة إلى تاريخ اليوم، والتوجيه بفكّ الحظر عن كافة أموالها المحتجزة غصباً في البنوك اللبنانية، وذلك تفادياً لتعقيد وتصعيد الوضع الحالي وانتقالها إلى المراحل القانونية والسياسية الأخرى".
 
بالعودة إلى المصارف اللبنانية، تأتي خطوتها متسلّحة بنصّ المادة 276 من قانون الموجبات والعقود التي تحفظ "حقّ الدائنين في استعمال جميع الحقوق وأن يقيموا جميع الدعاوى المختصة".
لتحديد مفهوم المذكّرة، التي تثير عدّة تساؤلات، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مقاضاة الدولة صراحة أو ضمناً، نتيجة قرار إداري اتّخذته لتحميلها المسؤولية، يكون بمثابة ربط نزاع وفق قرارات مجلس شورى الدولة. وعندها، على الدولة الإجابة صراحة أو ضمناً، خلال مهلة شهرين.
 
اليوم، مذكرة المصارف موّجهة إلى وزارة المال لمطالبة الدولة اللبنانية بتسديد ديونها والتزاماتها إلى مصرف لبنان .
 
في المبدأ، هذا التحرّك يعتبر خطوة إيجابية على مسار تحريك ملفّ الودائع التي نشطت المواقف الشعبويّة حولها باعتبارها مقدّسة ومصانة بالدستور.
 
وفي المضمون، فإن المذكّرة موجّهة إلى الدولة بشخص وزارة المال، لا مصرف لبنان، الذي أقرض الدولة المفلسة، وحيث ُصرفت أو احتجزت أو ُهرّبت ودائع المصارف، بموافقتها وعلمها أو تحت ضغوط!
 
هل المذكرة تطال الجهة المعنيّة؟
 
 
سلسلة ملاحظات سطرّها رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية، الدكتور المحامي بول مرقص، الذي يربط الحلّ البنيوي بالتعاون بين الحكومة ومجلس النواب بموجب قانون واضح وصريح.
ويقول لـ"النهار": "إنّ السند القانوني لمذكرة ربط النزاع الراهنة هي المادة 276 من قانون الموجبات والعقود التي نصّت على أنّه: "يحق للدائنين أن يستعملوا باسم مديونهم جميع الحقوق، وأن يقيموا جميع الدعاوى المختصة به... ويجوز للدائنين أن يداعوا مباشرة عن مديونهم بدون أن يجروا مقدماً أية معاملة للحلول محلّه في الحقوق والدعاوى المختصة به، وإن كانوا لا يملكون سنداً تنفيذياً. ولكنهم لا يستطيعون الشروع في تلك المداعاة إلا إذا كان دينهم مستحق الأداء. وتكون نتائج الدعوى مشتركة بين جميع الدائنين بدون أن يترّتب للدائن الذي شرع في الدعوى امتياز ما على الآخرين". فهذه المذكّرة تقوم على تحميل المسؤولية للدولة بسبب دين عالق بذمّتها لصالح مصرف لبنان.
وبالتالي، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه للّجوء إلى المراجعة الشاملة في القضاء، يجب على الإدارة (الدولة) إصدار قرار صريح أو ضمنيّ لتحديد المسؤولية".
 
قدّم مذكّرة ربط النزاع هذه 11 مصرفاً بوجه الدولة، وليس بوجه المصرف المركزي، باعتبار أنّه يقع على الدولة اللبنانية، تطبيقاً للمادة 113 من قانون النقد والتسليف، موجب تغطية قيمة الخسائر الظاهرة في ميزانية مصرف لبنان المصحّحة والبالغة عن سنة 2020 ما قدره 887، 155،302، 51 د.أ.، إضافة إلى أنّها تنفيذا لأحكام المادة 113 من قانون النقد والتسليف تُغطي كامل الخسارة التي تسبّبت بها لمصرف لبنان.
 
ويجيب مرقص هنا: "لقد ركّزت المذكّرة على أن المصارف المستدعية هي دائنة لمصرف لبنان، ومتضرّرة من عدم مطالبة هذا الأخير الدولة اللبنانية:
1- بأن تسدّد له المبالغ التي استدانتها منه.
2- بأن تغطي كامل الخسائر التي تظهر في عجز ميزانيّته، بعدما تمّ تصحيحها بموجب تقرير شركة Alvarez & Marsel.
وبالرغم من ذلك، توّجهت المصارف بهذه المذكّرة إلى وزارة المالية، وذلك لإلزام الدولة اللبنانية بتنفيذ موجباتها القانونية والتعاقدية تجاه مصرف لبنان، فيما لا شخصيّة معنويّة لوزارة المال، التي في مطلق الأحوال لا سلطة لها مباشرة على مصرف لبنان، وذلك لمطالبة الدولة بالتسديد الفوري إلى "المركزي" للمبالغ المستحقة بذمّتها تجاهه. ومن المعلوم أن المصرف مستقلّ؛ وبالرغم من ذلك جرى تحميل الوزارة تصحيح ميزانيته عن سنوات 2021 و2022، عن طريق اعتماد معايير وقواعد التصحيح التي أوردها تقرير الشركة، وتحديد قيمة العجز الإضافي المترتّب عن سنتي 2021 و2022، وإلزام الدولة اللبنانية بتسديد موجباتها القانونية والتعاقدية تحت طائلة مراجعة القضاء الإداري".
باختصار، تضمّنت المذكّرة أنّ المسؤولية تنبع من دين الدولة، ولم يتم ربط مسؤوليّة "المركزي" بالتكافل والتضامن (وهذا ما كان يجب أن يحدث)".
 
بين حسن النيّة ومصرف لبنان!
وفق المراقبين، اجتهادات عدّة صادرة عن مجلس الشورى تشير إلى أنه حتى في حالة توجيه المذكرة إلى جهة غير صالحة، يجب على الدولة، انطلاقاً من موجب حسن النيّة، تحويل النزاع إلى الجهة الصالحة، المتمثلة بمصرف لبنان. والسؤال هل مصرف لبنان هو جزء من الدولة؟!
بالتالي، هل المصارف مستعدّة لدفع الرسوم على المبالغ الواردة في مذكرة ربط النزاع حيث هناك رسم نسبيّ لصندوق تعاضد القضاة، وإذا لم تدفع تُردّ المراجعة شكلاً؟
 
حتى مع وجود حسن نيّة في تقديم هذه المذكّرة، فبمجرد مطالبة الدولة بدين في ذمّة المصرف المركزي يتعرّض مصرف لبنان للمسؤولية بشكل غير مباشر. والخطر يكمن في إفساح المجال أمام سائر الدائنين والصناديق، التي قامت بإقراض الدولة، للّجوء إلى الحجز على المؤسّسات التابعة للمصرف المركزي، ومنها ما يعود لشركة أنترا، وطيران الشرق الأوسط وسواها.
 
أخيراً، يبقى السؤال: أين ستكون مصداقية الدولة في المحافل الدولية حتى لو تجاهلت هذه الدعاوى؟
 
مع خشيته من ردّ المراجعة للأسباب المذكورة من قبل مجلس الشورى في حال تقديمها بالشكل، يجيب مرقص "بأن الدولة اللبنانية لا يمكنها تجاهل الإجراءات القضائية تحت طائلة إلزامها بالمبلغ الذي يمكن أن يقضي به مجلس الشورى في حال قبول المراجعة، حيث إن قرارات المجلس ملزمة للدولة اللبنانية".
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم