الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مع ارتفاع الدولار وشحّ الأخشاب... قطاع النجارة بات يقتصر على التصليحات

المصدر: النهار
فرح نصور
(تعبيرية - أ ف ب).
(تعبيرية - أ ف ب).
A+ A-
كما في جميع القطاعات الإنتاجية التي تعتمد على الاستيراد، تأثّر قطاع النجارة وتصنيع الأثاث. ووقفت عوامل أساسية من تراجع القدرة الشرائية وارتفاع سعر صرف الدولار، إلى جانب ارتفاع أسعار الأخشاب لشحّها محلياً، وراء تأذي هذا القطاع. ما هو واقع قطاع النجارة في هذه الأزمة؟
 
عندما نوت ميرنا البحث عن أثاث لتفرش منزلها، لم تجد غرفة نوم بأقلّ من 18 مليون ليرة. اضطرت لأن تشتريها "على سعر صرف السوق رغم أنّ البضاعة معروضة منذ وقت طويل لدى صاحب الغاليري الذي تذرّع بحجة أنّه ينوي شراء غيرها"، وفق ميرنا. اشترت طقم طاولات التقديم المصنوعة من الخشب بنحو 400 ألف ليرة بعد أن كانت حوالى 60 ألف ليرة، وإطار التلفزيون ما يقارب مليوني ليرة، وغرفتي الجلوس والطعام بـ 25 مليون ليرة، "إنّه فعلاً مبلغ باهظ علينا، في حين أنّ جميع هذا الأثاث هو صناعة وطنية غير مستورَدة".
 
لم تتغيّر التسعيرة بالنسبة للتصنيع، فالعمل في تصنيع الأثاث هو بالدولار ولا يزال، بحكم أنّ المواد الأولية من أخشاب وغيرها جميعها مستورَدة. لكن ما تغيّر حالياً هو أنّ هذه المواد تشحّ في السوق المحلية، إذ تراجع استيراد الأخشاب أيضاً بسبب ارتفاع سعر الدولار، وكذلك انخفض عدد التجار المستوردين، وباتوا يستوردون بضعة أنواع فقط من الأخشاب، ومن يتواجد لديه نوع خشب معيّن يزيد سعره. 
 
وكان متر الخشب بحوالى 250$، أمّا الآن، فأصبح 275$ وزاد سعره التاجر حوالى 20% بسبب شح البضاعة في السوق إلى جانب ارتفاع سعر الشحن كثيراً. كما أن معامل الأخشاب في الخارج زادت الأسعار ما بين 10 و15%، بما فيها أكسسوارات الأخشاب التي تتضمن البراغي والمفصلات وسواها. وكانت حاوية الخشب تصل إلى لبنان من الصين بحوالى 1300 دولار، أمّا الآن، فارتفع إلى 6000 دولار لأنّ الخشب من الصين يشهد طلباً عالمياً بعد إقفالها لفترة طويلة بسبب كورونا.
 
كلفة تصنيع الأثاث زادت 15% فقط إذا ما حسبناها بالدولار، بحسب محمد فتح الله، صاحب مؤسسة Magico my collection لتصنيع الأثاث، لكن إذا ما حوّلنا مثلاً سعر باب الخشب الذي يبلغ 300 دولار إلى الليرة على سعر الصرف، يكون حوالى 3700000 ليرة ويصبح "الرقم مخيفاً" للزبون. ورغم السواد الذي يعيشه المجتمع وارتفاع نسبة الفقر من جراء الأزمة الاقتصادية، إلّا أّن هناك أشخاصاً ما زالوا قادرين على الدفع بالدولار لأثاث منازلهم وتنفيذ الديكورات فيها، "لا بل على العكس، أصبح ثمن هذه الأشياء أرخص لهم". 
 
العمل بات يقتصر على التصليح
 
"واقع قطاع النجارة والمفروشات رديء جداً"، وفق حسن درويش صاحب مصنع وغاليري Darwish design للمفروشات. إذ تأثّر المبيع من جراء ارتفاع الدولار بطبيعة الحال، مع تراجع القدرة الشرائية لدى الناس وبقاء مداخيلهم على حالها، بالإضافة إلى أنّ الأثاث يُعتبر من الكماليات باستثناء من يودّ أن يتزوج ويفرش منزله، فضلاً عن انتشار كورونا وإجراءات الإقفال التي صاحبته، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الخام وعلى رأسها الأخشاب المستورَدة أيضاً وارتفع حتى سعرها بالدولار، "فكل متر من الخشب ارتفع سعره حوالى 30$".
 
إزاء هذا الواقع، فضّل درويش بيع مخزون البضاعة لديه، وتخفيض أسعارها وتقليص هامش ربحه من 20 إلى 4% لكي يحصل على سيولة ليتمكّن من الإنفاق، وتوقّف عن التصنيع لعدم قدرته على تصنيع أثاث جديد لعرضه بالغاليري التي تبلغ مساحتها 2300 متر، حيث كان يعرض 100 صالون و100 غرفة نوم، و30 غرفة سفرة وأثاث آخر، لكن الآن، لا نجد في الغاليري سوى 30 صالوناً، 10 غرف نوم، و 3 غرف سفرة، أي "أنفق من رأس المال لأصرف ما تبقّى لدي من بضاعة". 
 
وتقتصر حركة العمل لديه حالياً على مَن يريد أن يوصي على أثاث معيّن أو جزء من غرفة نوم أو إعادة تنجيد، "فبعد إجراء حساباتي لطلبية سريرين، بلغ ربحي نحو 200 ألف ليرة لعمل دام 15 يوماً في المصنع، حيث لدي مصاريف عمال وآلات ومواد"، يقول درويش. وفي وقتٍ كان يبيع "في أيام دولار 1500" بضاعة يومياً بحوالي 10 إلى 15 ألف دولار، قد يمر الآن شهرٍ ليبيع بألفي دولار. و"إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه لبضعة أشهر إضافية، سنتّجه نحو الإقفال أنا وغيري، إذ لن يسعنا الصمود أكثر من ذلك، وأعرف زملاء كثراً لي في القطاع أغلقوا مصالحهم"، يشتكي درويش. 
 
وما يؤثّر أيضاً على سوق النجارة حالياً هو المضاربات الكبيرة التي يشهدها بسبب تصنيع الأثاث الرديء والرخيص الذي تُستخدم فيه فضلات الخشب والإسفنج وغيره، والذي يسيء إلى الصناعة الوطنية، لكنّه يجذب الزبائن لرخص سعره إنّما يخرب بسرعة. 
 
وينشط لدى درويش حالياً عمل التصليح. فالناس لعدم قدرتهم على شراء الجديد يصلّحون ما لديهم. ومن خلال بعض المواد التي كانت في مستودعاته، يحاول استخدامها في الطلبيات القليلة التي تأتيه، وعندما يضطرّ، يشتري المواد بالدولار لتلبية الزبون "عالطلب". 
 
أمّا محمد صالح، صاحب منجرة، فتراجع العمل لديه 70%. جميع المواد التي يستخدمها ترتبط بالدولار وأصبح العمل "يوم بيوم على سعر السوق السوداء"، ويرتفع سعرها و"الزبون غير راضٍ فالأسعار غالية"، خصوصاً لمَن يتقاضى بالليرة، فما سعره 50 دولاراً أصبح باهظاً له. 
 
ولم يعد صالح قادراً على شراء نوعية الخشب الغالية، ويكتفي بالعمل بالخشب ذات النوعية المتوسطة. ويبلغ تفصيل باب الخشب العادي ابتداءً من 150 دولاراً، ويبلغ طقم الطاولات حوالى 100 دولار، وباب البيت الرئيسي العادي من الخشب السويدي ابتداء من 450 دولاراً، لكنّه يضطر إلى أن يقتطع من كلفة اليد العاملة ومن ربحه لكي يستمر بالعمل "ما بقى توفّي معنا". وبحسب صالح، ارتفع سعر متر الخشب الذي يشتريه حالياً حوالى 70$ ويشتري الخشب من التاجر بسعر أعلى حتى من سعر السوق السوداء، ومعظم عمله حالياً يتركّز على التصليحات. 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم