الأربعاء - 08 أيار 2024

إعلان

كيف ستواجه روسيا العقوبات الغربية؟

المصدر: "النهار"
جندي أوكراني يتفقّد مبنى متضرّر في شارع كوشيتسا، إحدى ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف (25 شباط 2022 - أ ف ب).
جندي أوكراني يتفقّد مبنى متضرّر في شارع كوشيتسا، إحدى ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف (25 شباط 2022 - أ ف ب).
A+ A-
بعد العملية العسكرية التي شنّتها روسيا ضدّ أوكرانيا أمس، أعلنت الدول الغربية فرض عقوبات اقتصادية واسعة و"قاسية" على روسيا، وهدفها الضغط على الاقتصاد الروسيّ وصولاً إلى تعديل السلوك السياسي للرئيس بوتين والاتحاد الروسي. لكن العقوبات التي تنظر إلى الأفق البعيد، لم تحظَ بالوقع المطلوب والتأثير على نفوس الروس الذين قابلوها بحزم وثبات استراتيجيّ، إذ عملت روسيا طويلاً لمواجهة هذه اللحظة؛ والأرجح أنّها حصّنت نفسها، واقتصادها تحديداً!
 
 
وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، يوم دخول روسيا إلى شبه جزيرة القرم، لوجدنا أن عقوبات دوليّة فُرضت على روسيا، فاتّخذت لذلك سلسلةَ إجراءاتٍ لتعزيز الاعتماد على الذات، وتخلّت مذّاك عن الدولار كعملة صعبة، ممّا قلّل تأثير الجانب الأميركي على الإمساك بروسيا من اليد التي تؤلمها.
 
أولى العقوبات اليوم صرّح بها الرئيس الأميركي جو بايدن، فأعلن استهداف مصالح روسيّة، بهدف "الحدّ من قدرة روسيا على ممارسة الأعمال التجارية بالدولار واليورو والجنيه الاسترليني والينّ الياباني، والتي تتيح لها أن تكون جزءاً من الاقتصاد العالمي"، إلى جانب "وقف القدرة على تمويل الجيش الروسي وتنميته".
 
وتهدف العقوبات المعلَنة إلى تجفيف مصادر التمويل لروسيا والتأثير على المدى البعيد، ممّا يُعيق تطوّرها التكنولوجيّ والعسكريّ، مع ضرب مصالح الأثرياء النافذين الروس المقرّبين من السلطة، من خلال استهداف أكبر عشر مؤسّسات ماليّة روسيّة، والحدّ من إمكانيّة وصولها إلى الأسواق الماليّة الدوليّة والتعاملات بالدولار.
 
كذلك، أعلن بايدن فرض عقوبات جديدة على 4 بنوك روسية "تمتلك مجتمعة أصولاً تُقدّر بنحو تريليون دولار"، إلى جانب إعلانه أنّ مجموعة الدول الصناعيّة السبع الكبرى وافقت على فرض "رزم عقوبات مدمّرة" بحقّ روسيا بسبب غزوها أوكرانيا.
 
في السياق نفسه، حذّر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أنّ الدول الغربية ستفرض عقوبات "هائلة" تستهدف الاقتصاد الروسي "بالتنسيق مع حلفائنا، وسنتّفق معاً على عقوبات اقتصادية هائلة مصمّمة لعرقلة الاقتصاد الروسي على المدى الطويل"، متوعّداً بالقول "علينا أيضاً وضع حدّ جماعيّ للاعتماد على النفط والغاز الروسيَين اللذين سمحا لبوتين، لوقت طويل جدًا، بإحكام سيطرته على السياسية الغربية".
 
إلى ذلك، أصدرت المفوضيّة الأوروبية بياناً بتفاصيل العقوبات المقترحة على روسيا، والتي تنتظر موافقة الرؤساء الأوروبيين اليوم مساء.
 
وتشمل هذه العقوبات حرمان روسيا من 24 مليار يورو سنوياً من عائدات النفط عن طريق حظر أوروبيّ على صادرات النفط، وعقوبات مالية تستهدف 70 في المئة من السوق المصرفيّة الروسيّة وقطع وصول روسيا الى أهمّ أسواق المال.
 
كذلك تشمل العقوبات حظراً لبيع جميع الطائرات وقطع الغيار والمعدات للخطوط الجويّة الروسيّة، والحدّ من وصول روسيا إلى التكنولوجيا الحيوية مثل أشباه الموصلات أو التقنيّات المتطوّرة. وتتضمن منع الدبلوماسيين والمجموعات ذات الصلة ورجال الأعمال من امتياز الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، والحدّ من وصول النخبة الروسية الى الودائع المصرفيّة في أوروبا.
 
وقبل يوم من الغزو الروسيّ لأوكرانيا، أعلنت ألمانيا تعليق المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2" مع روسيا على خلفية الاعتراف باستقلال الجمهوريتين.
 
في الأثناء، سارعت كندا إلى فرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا عبر حظر الكنديين من الانخراط في شراء سندات الدين الحكومية الروسية. ولفتت الحكومة إلى أنها ستفرض عقوبات إضافية على المصارف الروسية المدعومة من الدولة ومنع أيّ تعاملات مالية معها.
 
من جهتها، شاركت أوستراليا في حُزم العقوبات الغربيّة، وأعلنت عزمها - بالتنسيق مع شركائها - جملةً من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا. 
ولم تبتعد اليابان عن سربها الأطلسي، ففرضت عقوبات على روسيا، وحظرت التوريد من جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وجمّدت أصول المسؤولين فيهما، وحظرت إصدار التأشيرات لممثليهما.
 
 
كيف ستواجه روسيا هذه العقوبات؟
توعّدت روسيا بردّ "قاس" على العقوبات الأوروبية التي ستُفرض عليها، فقالت الخارجية الروسية أنّه "بموجب مبدأ المعاملة بالمثل الذي هو أساس القانون الدولي، سنتّخذ إجراءات مضادّة قاسية".
 
وقد اجتمع بوتين مع ممثلي قطاع الأعمال الروس لبحث تداعيات الأزمة مع أوكرانيا، وأكّد خلال الاجتماع أنّ "المخاطر كان لها أن تؤثر على وجودنا، لكننا أعددنا أنفسنا لأيّ عقوبات"، وفق ما نقلت "روسيا اليوم".
 
وأكّد البنك المركزي الروسي أنّ المصارف التي تعرّضت لعقوبات يوم الخميس كانت مستعدّة جيداً لذلك مسبقاً، وهي مستعدّة لإعادة الودائع إذا طلبها العملاء.
وبحسب ما أوردت وكالة الأنباء الروسية "نوفوستي"، اعتبر الخبير في الاقتصاد، الأستاذ في جامعة القرم، سيرغي زملياتشيف، أنّ العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على روسيا في مختلف المجالات "مزعجة، لكنّها ليست حرجة".
 
وقال زملياتشيف إنّ "البنك المركزي الروسي سيقدّم الدعم للقطاع المصرفي، إذا دعت الضرورة، أمّا العقوبات المفروضة على تصدير منتجات التكنولوجيا العالية فستدفع إلى إيجاد بدائل واستيرادها بشكل سريع. وبالنسبة لبعض الصناعات (الطيران، والإلكترونيات)، فقد يكون الوضع مزعجاً لكن ليس حرجاً".
 
ووفق "نوفوستي"، أعلن مجلس الوزراء الروسي أنّ الحكومة ستساعد على ضمان التشغيل المستدام للشركات المدرجة في قائمة العقوبات الغربية والحفاظ على الوظائف والأجور.
 
لروسيا دعائم اقتصادية ثابتة، في قائمتها احتياطيّ النقد الأجنبيّ، بحسب مقال نشره موقع شبكة "BBC". ففي كانون الثاني من العام الجاري، بلغ الاحتياطي الدولي لدى الحكومة الروسية من عُملة صعبة وذهب مستوى قياسياً، تجاوز ما قيمته 630 مليار دولار. ويعدّ هذا رابع أعلى احتياطي في العالم - وهو كفيل بدعم العملة الروسية، الروبل، لفترة ليست بالقصيرة. فالدولار لا يمثل سوى 16 في المئة فقط من احتياطي العملة الصعبة في روسيا حالياً، مقارنة بـ40 في المئة قبل خمس سنوات.
 
إلى ذلك، حصّنت روسيا في السنوات الماضية نفسها عبر تراجع اعتمادها على القروض والاستثمارات الأجنبية، وبدأت عمليات استكشاف فرص تجارية جديدة بعيداً من الأسواق الغربية، ومثّلت الصين جزءاً كبيراً من هذه الاستراتيجية.
 
واتخذت موسكو خطوات مبدئية لتدشين نظامها الخاص للمدفوعات الدولية في حال حرمانها من خدمات جمعيّة الاتصالات المالية العالمية – سويفت - الخاضعة لإشراف البنوك المركزية الغربية الكبرى.
 
وبحسب "BBC"، ترى ريبيكا هاردينغ، المديرة التنفيذيّة لدى كوريوليس تكنولوجيز أنّ "ما فعلته روسيا هو تدشين نظام ماليّ بديل، يساعدها على تحمّل صدمات العقوبات التي قد يفرضها الغرب".
 
 
لكن هل تنجح العقوبات؟
لم يحدث أبداً من قبل أن فُرضت عقوبات خارجية بهذا الحجم على اقتصاد بحجم اقتصاد روسيا. وللإجابة عن هذا السؤال، يورد مقال بعنوان "Do sanctions work"، نُشر في صحيفة "نيويورك تايمس" أنّه يمكن للعقوبات أن تنجح لكن ليس في كثير من الأحيان.
 
في التفاصيل، في حالة روسيا، ستبدأ مجموعة أكثر شدّة من العقوبات برفض شراء نفطها -أكبر مصدر دخل لروسيا إلى حد بعيد- لكن ربما يتم تطبيقه على مراحل للتخفيف من ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية. وقد يشمل ذلك أيضاً تقييد الصادرات إلى روسيا، مثل قطع غيار السيارات وأجهزة الكمبيوتر، أو منع البنوك الأخرى من العمل مع البنوك الروسية.

إنّما ستظل روسيا قادرة على الوصول إلى أجزاء من الاقتصاد العالمي، خاصة إذا استمرت الصين في العمل معها. ومع ذلك، قد يكون التأثير كبيراً، لأن الاقتصاد الروسي أصبح الآن متكاملاً تماماً مع الاقتصادات الأوروبية والأميركية.

على المدى القصير، من شبه المؤكّد أنّ هذه العقوبات لن تجعل بوتين يتوقف عن تهديد أوكرانيا. وفي هذا الإطار، قالت مراسلة صحيفة "التايمس" في برلين ميليسا إيدي: "لدى روسيا الآن كومة كبيرة من الأموال الإضافية، لديهم صندوق حرب".

هناك سيناريوان رئيسيان من عدم حسم نجاح العقوبات: الأول إذا ما كانت العقوبات ستضرّ بالاقتصاد الروسي بمجرد سحب صندوق الحرب. والثاني، إذا ما كانت الولايات المتحدة وأوروبا ستفرضان عقوبات أكثر صرامة إذا واصل بوتين حربه.

كما أورد المقال أنّه حتى يكون للعقوبات تداعيات سياسية كبيرة، يجب أن تكون قاسية في كثير من الأحيان. إذ كتب إدوارد فيشمان وكريس ميللر، خبيران في العلاقات الدولية، مؤخراً في "بوليتيكو" أنّ "العقوبات" الذكية "أو" المستهدَفة "لن تنجح"، و"لفرض الألم على روسيا حقاً، سيتعيّن على الولايات المتحدة وأوروبا تحمّل بعض العبء أيضاً. رغم أنّه، لحسن الحظ، هناك طرق لتقليل التداعيات على الاقتصادات الغربية".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم