الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حرب الغاز الروسية- الأوروبية... هل يرتمي بوتين في حضن الصين؟

المصدر: "النهار"
كميل بو روفايل
كميل بو روفايل
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب).
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب).
A+ A-

في ما يتعلق بمسألة الغاز والصراع الروسي ‒ الأوكراني، فإنّ كلّاً من الطرفين الأوروبي والروسي بحاجة إلى الآخر، فلا روسيا من مصلحتها الاستغناء عن السوق الأوروبية وتوقيف إمدادها بـ60 في المئة من صادراتها للغاز، ولا أوروبا يمكنها أن تستبدل الغاز الروسي بالكامل بمصادر أخرى كلفتها أعلى ونوعيتها مختلفة.

ولا يمكن حصر الأمر بأنّه صراع بين روسيا وأميركا فحسب، لأنّ الأخيرة لن ترمي روسيا في الحضن الصيني كاملاً، فإن كانت الصين تحصل على 30 في المئة من الغاز الروسي، وأرادت روسيا الاتجاه نحو الصين بعد معاقبة الدول الأوروبية لها، فستصبح مجرّد مورّد لغازها إلى قوّة عظمة تنافس الولايات المتحدة الأميركية، لذلك لن يقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذا الدور لدولته.

اليوم، تطرح البلدان الأوروبية معاقبة روسيا إذا ما شنّت هجوماً على أوكرانيا من خلال وقف إمداد الغاز الروسي إليها، وذلك بعد أن حاولت توفير البدائل لنفسها، من خلال تنويع مصادر استيرادها للطاقة، لا للغاز فحسب. وضمن هذا الإطار شرح أستاذ العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر لـ"النهار" أنّ "أوروبا بدأت أخيراً بوضع سياسات لتأمين أمنها الطاقوي، من خلال تنويع مصادر شراء وإنتاج الطاقة. لذلك بدأت بناء أنابيب للنفط لا تمرّ في أراضٍ تهيمن عليها روسيا كما هو حاصل مع خط "البلو ستريم"، ومع النورد ستريم 1 والنورد ستريم 2".

 

لذلك، أخذ "النورد ستريم 2" بُعداً أساسياً في الخلاف الحاصل، لأنّه يربط روسيا بألمانيا، والأخيرة أوقفت، تحت ذريعة أمور إدارية، العمل بالمشروع، ودخل هذا الحدث في صلب الخلاف الحاصل.

 

خط "نورد ستريم 2"

تحصل ألمانيا على 55 في المئة من وارداتها من الغاز من روسيا. لكن، مع الأزمة التي أثارتها عدوانية بوتين تجاه أوكرانيا، بدأ السياسيون وكبار رجال الأعمال الألمان بدعوة بلدهم إلى إيجاد طرق لتنويع مزيج الطاقة لديها. وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أنّ برلين ستوقف "نورد ستريم"، ردّاً على قرار بوتين الاعتراف باستقلال أراضي المتمردين في شرق أوكرانيا ونشر قوات روسية هناك.

الردّ الروسي على قرار ألمانيا كان تذكيراً "عقلانياً" بأهمية العلاقات الروسية ‒ الألمانية بالنسبة إلى تبادل الغاز. فالرئيس الروسي السابق الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف كتب على "تويتر": "حسناً. مرحباً بكم في العالم الجديد الشجاع حيث سيدفع الأوروبيون قريباً 2000 يورو مقابل ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي".


إلّا أنّ محلل سوق الطاقة في شركة "أورورا" لاستشارات الطاقة هانس كونيغ اعتبر أنّ ردّ ميدفيديف هو "تهديد بزيادة مستوى الأسعار إلى أكثر من الضعف". لقد أكّدت الأزمة الحالية أنّ ألمانيا تركت نفسها معرّضة بشدة لروسيا التي تستخدم الغاز كسلاح جيوسياسي. ففي الأشهر الأخيرة، اتهم مسؤولو الاتحاد الأوروبي موسكو بتعمّد رفع الأسعار للمستهلكين الأوروبيين مع تزايد التضخم في جميع أنحاء القارة.

حتى الآن، لم يُضخّ الغاز عبر "نورد ستريم 2"، إلّا أنّ لموسكو الكثير من النفوذ في مجال الطاقة في ألمانيا، وذلك بفضل خطوط أنابيب الغاز "نورد ستريم 1"، التي دخلت الخدمة في عام 2011 وتَعبُر أوكرانيا.

أمّا بالنسبة إلى تهديد ميدفيديف، فسيتضح خلال الأشهر المقبلة ما إن كان مجرّد كلام فارغ. وعلى الرغم من الأزمة الحالية لدى بوتين مصلحة في إبقاء ألمانيا "مدمنة" على الغاز الروسي.

 

يعود اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي إلى حقيقة أن البلاد تهدف إلى إغلاق آخر محطاتها النووية هذا العام، بينما يستمر التوسع في الطاقات المتجددة ببطء. لذلك قررت ألمانيا أن الغاز هو أفضل طريقة لسد الفجوة.


الأزمة الأوكرانية تدفع أوروبا لمراجعة تأمين إمداداتها بالطاقة

صحيح أنّ ألمانيا استغنت عن الطاقة النووية، إلّا أنّ فرنسا تطور هذا النوع من الطاقة مجدّداً، وفق نادر الذي شرح أنّ "ذلك هدفه تقليل الاعتماد على الغاز الروسي".

وأوضح أننا "أمام معسكر غربي يطوّر وينوّع مصادر الطاقة، من تلك النظيفة إلى النووية، وتعزز السياسات التي تكافح الغيير المناخي، ولهذا الأمر أهداف جيوستراتيجية تريد أوروبا من خلالها تعزيز استقلاليتها في مسألة الطاقة وتقلل من انكشافها على الغاز الروسي. وبالتأكيد الولايات المتحدة الأميركية تساعد أوروبا في هذا التوجّه، وتحاول أن تؤمّن المصادر البديلة لها لاحتواء النفوذ الروسي من خلال الطاقة".

تُظهر الأزمة ضعف أوروبا في التقدّم لاستكمال "اتحاد الطاقة"، رؤية 2015 للسماح بتدفق الغاز والكهرباء عبر الحدود مع تنويع الموردين وتحقيق الأهداف المناخية. ورغم أنّ مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تتراكم ببطء ويتم التخلص التدريجي من الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، لا تزال أوروبا بحاجة إلى الغاز الطبيعي، وهي تعتمد على روسيا للحصول عليه.

الآن، يركّز الاتحاد الأوروبي على الحصول على الغاز الطبيعي المسال عن طريق السفن من الولايات المتحدة وقطر والجزائر وأماكن أخرى.

وبعد أن استولت روسيا على منطقة القرم الأوكرانية في عام 2014، تمّ تكريس تنويع إمدادات الطاقة لتقليل الاعتماد الروسي في خطة الاتحاد الأوروبي لاتحاد الطاقة لعام 2015.

منذ ذلك الحين، حصل تقدم كبير: فقد بُني المزيد من وصلات خطوط الأنابيب الثنائية الاتجاه والتخطيط لمزيد من محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال. فهناك خط أنابيب جديد ينقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا الغربية عبر تركيا واليونان. وهناك أيضاً مخطّط لتمديد خط الأنابيب من شمال شرق اليونان إلى جنوب بلغاريا، وهذا من شأنه أن يخفف اعتماد بلغاريا الكلي على الغاز الروسي. وتمضي اليونان قدماً في خططها لبناء منشأة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال المستورد عن طريق البحر.

وضمن هذا الإطار ذكر نادر أنّ "ثاني مصدّر للغاز في أوروبا هو النرويج، فـ30 في المئة من حاجات الاتحاد من الغاز تأتي منها".

وتابع نادر حديثه لـ"النهار" قائلاً إنّ "(ساوث ستريم) يربط كازاخستان بأوروبا، وبالتالي تحاول أوروبا أن تضع بدائل لها، كي يكون لديها اتكال أقلّ على الغاز الروسي، وتطوّر أيضاً طاقات بديلة".

هل بوتين قادر للتوجّه شرقاً؟

رأى نادر أنّه "إذا توجّه بوتين حصراً للصين، فسيصبح أسيراً لها. فإذا أراد أن يصبح اتكاله الأساسي على الصين، وهي قوة اقتصادية صاعدة، فسيصبح مجرّد مورّد لها، وسيخسره قوّته القائمة على حسن التوازن في علاقاته بين الولايات المتحدة الأميركية والصين".

وأضاف نادر أنّ "الحديث عن خيارات أخرى لروسيا غير صحيح، لأنّ الخيار الآخر ثمنه الارتهان للصين، لأنّ الصراع الحقيقي ليس بين واشنطن وموسكو، بل هو بين واشنطن وبيجينغ"، وتابع أنّ "روسيا لاعب أساسي، أحسنت التوازن"، وأشار إلى أنّ "بوتين في مواجهته هذه سقط في الفخ".

 

هل أوروبا قادرة على التوحّد في وجه بوتين؟

فشلت التهديدات التي تراكمت بفعل توافق القوى الغربية، من العقوبات على روسيا إلى المزيد من الدعم لأوكرانيا، في ردع بوتين عن التحرّك لإعادة رسم حدود دولة في المنطقة الواقعة بين الاتحاد الأوروبي والفناء الخلفي التاريخي لروسيا.

وتماشياً مع الشعور بالوحدة، ردّ الغرب على الخطوة الأخيرة لبوتين بتعهد سريع بمزيد من العقوبات. ودعت ألمانيا إلى وقف اعتماد خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، بينما استهدفت المملكة المتحدة القطاع المصرفي. لكن روسيا ستواصل اختبار هذا العزم، وتراهن على أنّ من مصلحتها لعب لعبة "فرق تسد" بناءً على المصالح الاقتصادية السائدة.

في وقت سابق، قال المستشار الألماني أولاف شولتس لشبكة "سي أن بي سي" إنّ على الغرب أن يعمل "بجدّ" لإيجاد مصادر بديلة للطاقة خارج روسيا مع تكثيف المحادثات حول عقوبات محتملة.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم