الأحد - 05 أيار 2024

إعلان

بين الضبابيّة والفراغ المتعمّد يتدحرج الوطن والمواطن نحو الهاوية!

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
محمّد فحيلي/ خبير المخاطر المصرفيّة والباحث في الاقتصاد

لم يتردّد القيّمون على البنك الدولي بوصف أداء السلطة السياسية المتسلطة والمتحكمة بالوطن بـ"الكساد المتعمّد"، وها نحن نعيش تداعيات هذا الـ"لا أداء" كلّ يوم!

في اجتماعها الأخير، أقرّت حكومة تصريف الأعمال سلفة لشركة كهرباء لبنان تفوق الـ 100 مليون دولار (فريش) للصيانة وشراء الفيول؛ هي ذاتها الشركة التي هدرت فوق الـ 40 مليار دولار من ثروة لبنان تحت ذريعة تأمين الكهرباء 24/24، وكلّ ما قدّمت للمواطن هو العتمة والتعتّم على فسادها. كان هناك فائض من الجدل والنقاش حول دستورية هذا الاجتماع بسبب انعدام الأسباب الموجبة وراء الدعوة له، وفق ما ادعى البعض. لم يتوقف المعارضون لهذا الاجتماع عند فعالية وإنتاجية الاجتماعات المتكررة لمجلس النواب التي، بأحسن حالاتها، لا توصف إلّا بـ"الهرج والمرج".

مكونات السلطة السياسية، والفعاليات الطائفية والمذهبية، لا ترى ضرورة لاستنفار ما تبقّى من السلطة التنفيذية في البلاد لمعالجة التدهور السريع والمتسارع للقدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود، وأخصّ بالذكر هنا موظفي القطاع العام.

سقطت سهواً الحاجة إلى التوقف عند زيارة الوفد القضائي الأوروبي للتحقيق بتهمة تبييض الأموال الموجّهة ضدّ رئيس السلطة النقدية التي تدعمه وتدعم كلّ مكونات السلطة السياسية، وما واكب هذه الزيارة من اضطرابات على الساحة النقدية والمصرفية، وأتوقّف هنا عند الضبابية التي تحوم حول "توقيت" قرار مصرف لبنان:
 
• بفتح حجم التبادل على منصّة صيرفة، منذ أيام قليلة، من دون حدود وعلى سعر الـ 38 ألف ليرة للدولار الواحد.
 
• "توقيت" العودة عن هذا القرار، بعد أيام قليلة، من دون تبيان الأسباب الموجبة لذلك. المواطن يطالب بمعرفة من كان المستفيد الأكبر من هذه الخطوات المفاجأة؟ عدد كبير من المواطنين ما زال ينتظر الحصول على دولاراته في الوقت الذي وصل لأصحاب الشأن مبتغاهم!
 
• تعديل سعر صرف السحوبات الاستثنائية تحت أحكام التعميم 151 (من 8000 إلى 15000 ليرة للدولار مع إبقاء سقف السحوبات الشهري على الـ 24000000 ليرة للحساب الواحد)، والتعميم 158 (من 12000 إلى 15000 ليرة للدولار وذلك بزيادة 36000000 من الأوراق النقدية بالليرة للحساب الواحد سنوياً).

وبعد التأكيد على آلية تسديد القروض الممنوحة بالعملة الأجنبية لغير المقيمين، تركت بعض الأمور رمادية: المقترض الذي كان مقيمًا عند منح القرض، واليوم يعمل خارج لبنان وهو الآن غير مقيم، وعكس ذلك - غير المقيم عند المنح، واليوم اضطرّ إلى العودة الى الوطن وهو اليوم مقيم - وهناك عدد من هؤلاء يواجهون مشاكل مع مصارفهم لجهة كيفية تسديد قروضهم – تحديد سعر صرف دولار القرض.

تحديد سعر صرف السحوبات الاستثنائية على الـ15000 ليرة في الوقت الذي يتسلّل فيه الدولار في السوق الموازي نحو الـ100000 ليرة شيء يدفع بالمودع نحو الإحباط وليس السعادة بهذا التعديل؛ وهذا التعديل يؤكّد للمواطن بأنّ الضغوطات التضخمية بالأسعار هي إلى الارتفاع والقدرة الشرائية لرواتبهم هي إلى التآكل. إذا كانت الغاية من هذا الإجراء تحسين سعر السحوبات الاستثنائية، فسوف تكون فقط بعدد الأوراق النقدية التي سوف يستلمها المودع مقابل كل دولار، ولن تكون بما يستطيع المودع تمويل فاتورة الاستهلاك من هذه الأوراق!

ورغم كل ما واجهه لبنان، والوطن والمواطن، خلال السنوات الثلاث الماضية، ما زلنا نفتقد إلى الأجوبة على أسئلة جدّ مهمّة:
 
1. ما هي الأسباب الموجبة التي دفعت بالطبقة السياسية إلى اتخاذ قرار التوقف النهائيّ عن خدمة الدين العام قبل الوصول إلى اتّفاق مع الدائنين على إعادة هيكلة وجدولة الدين؟
 
2. لماذا توقفت المصارف التجارية العاملة في لبنان عن تلبية طلبات المودعين للسحوبات (نقداً أو تحويل الى الخارج) بعد التعثّر غير المنظم في آذار من سنة الـ 2020 رغم أن حجم اكتتاب المصارف في الديون السيادية بالدولار آنذاك شكّل نسبة أقلّ من 10 في المئة من حجم الودائع؟
 
3. ما هي الأسباب الموجبة وراء اتّخاذ قرار الدعم العشوائي للاستيراد في الـ 2021، عوضاً عن دعم الصناعة الوطنية، في وقت كان الكلام عن خطورة استنزاف مخزون مصرف لبنان من العملة الأجنبية؟

كثرت الأسئلة عن الـ"لا أداء" عند السلطة السياسية، والفائض في الأداء من قبل السلطة النقدية وانعدمت الأجوبة، والقاسم المشترك بين الـ"لا أداء" و الفائض في الـ"أداء" هو التدهور المستمرّ والمتسارع، في الآونة الأخيرة، في قدرة الوطن والمواطن على الصمود!

وبعيداً عن النقد ولكن مع الإبقاء على النكد، فقد لبنان حقّ التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة كجنوب السودان وفنزويلا بسبب التخلّف الـ"لا اعتباطيّ" عن سداد مستحقاته. وكانت أيام مفعمة بالأخبار والأحداث وفي قمّة سلّم أولويات المواطن اللبنانيّ زيارة أحد القضاة الفرنسيين للتوقف، مع أصحاب الشأن هنا في لبنان، عند مجرى الأمور في التحقيق بتفجير مرفأ بيروت. والكلّ بات يعلم بأنّ النافذين سياسياً والتي وُجِّهت إليهم تهم بحادثة انفجار المرفأ يتحصّنون بالدستور للتهرّب من المساءلة والمحاسبة.

قد تكون السلطة، بكل مكوناتها، عاجزة عن اتّخاذ قرارات تُنْقذ لبنان من الأزمات التي يتخبط بها، ومن أهمّ ذلك عجز المجلس النيابي عن انتخاب رئيس للجمهورية رغم كلّ الآلام الذي يعيشها المواطن كلّ يوم. عدم انتخاب رئيس للجمهورية أحدث نوعًا من الشلل في الكيان اللبناني. خوفي أن يكون ما أصاب لبنان ويصيبه اليوم هو متعمّد لإلهاء المواطن بالأزمات والمشاكل وبذلك يتوقّف عن المطالبة بالمحاسبة. إضافة إلى أنّ مكونات السلطة الحاكمة تستطيع عندها أن تبرّر عجزها عن إقرار الحلول وتنفيذها لكثرة المشاكل (التي هي ذاتها السبب والمسبب فيها).

رغم كلّ هذا، لم ولن يتردّد المواطن في إعطاء صوته التفضيلي للدولار الفريش، عارضاً وطالباً، ونسي أو تناسى ضرورة أو أهمية المطالبة بإقرار الإصلاحات وتنفيذها...

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم