الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"الكابيتال كونترول"... قصّة تطول من عمر اللبنانيّ والرأسمال تبخرّ!

المصدر: "النهار"
منال شعيا
منال شعيا
من أرشيف "النهار".
من أرشيف "النهار".
A+ A-
"إنّهم يقيمون إدارة لرأسمال طار وتبخرّ منذ زمن". لعلّها العبارة الأكثر دقة وتعبيراً عن واقع مشروع قانون "الكابيتال كونترول".
 
فمنذ أكثر من عامين، واللبنانيون يخسرون تباعاً رأسمالهم في المصارف أو ما استطاعوا اكتنازه من عرق جبينهم، فيما القيّمون "تباروا" في النقاشات والدرس والتحليلات لمشروع قانون يفترض أن يدير ما هو موجود، لا أن يتحدّث عن رأسمال هو فعلياً لم يعد موجوداً بيد اللبناني، أو أقلّه لا يستطيع التصرّف به، وبما هو حقّ له.
 
الشهر الماضي، وافقت الحكومة على مشروع قانون يرمي إلى وضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية. وشملت التعديلات الجديدة على المشروع كيفية تشكيل اللجنة التي تنظر في الاستثناءات، على ألّا تقتصر على رئيس الحكومة ووزير المال وحاكم مصرف لبنان، بل أن تضمّ خبيرين يتمّ تعيينهما من رئيس الحكومة بالإضافة إلى تعيين قاض، الى جانب وزير الاقتصاد والتجارة.
 
ومن أبرز التعديلات التي لحظتها الصيغة بشقّيها القانوني والتقني، مدة القانون الذي يرمي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية بسنتين قابلة للتجديد مرة واحدة بعدما كانت محدّدة بخمس سنوات.
 
ولكن ما هي قصّة هذا القانون الشهير، أو بالأحرى ما هي المراحل التي سبق أن قطعها؟
 
قصّة تطول
هي قصة اقتراح قانون بقي مجمّداً طويلاً "بإرادة وتصميم واضحين"، بعدما صال وجال من اجتماع الى آخر، وأخذ أشكالاً متعدّدة من المسوّدات والمشاريع، ونقّح بملاحظات كثيرة.
 
هي قصّة اقتراح قانون " الكابيتال كونترول".
 
بدأت القصة تحديداً بعيد أحداث ثورة 17 تشرين الأول 2019، حين بدأت تباشير التضييق الماليّ والمصرفيّ على اللبنانيين من جانب المصارف تتزايد بوتيرة سريعة، لتساوي المودعين الكبار والصغار مع تدابير لم تكن رسمية أو حتى معلنة في بعض الأحيان، بل كانت تأتي وفق أهواء كلّ مصرف وتعليماته.
 
استمرت الوتيرة هكذا حتى بدأ الحديث عن ضرورة تشريع " الكابيتال كونترول"، في محاولة لامتصاص النقمة الشعبية... في البداية، بدأت المطالبات ترتفع من مجلس النواب، علماً أنّ هذه الأمور هي من صلب صلاحيات مجلس الوزراء.
 
والمعلوم أنّ غاية " الكابيتال كونترول" هي في الأساس إجراءات مراقبة لرأسمال وضبطه، تتّخذها الحكومة أو البنك المركزيّ بهدف الحدّ من تدفق الرأسمال الأجنبي من والى الاقتصاد المحلّي.
 
أمّا في لبنان. فالمعادلة دوما مختلفة. تطوّرت مراحل اقتطاع الرأسمال، من دون أيّ خطّة، وباتت السوق اللبنانية مفتوحة على أكثر من سعر صرف وسط إجراءات يتّخذها كلّ مصرف، "على ذوقه"، في تحديد السقوف المالية بالعملة الأجنبية وحتى اللبنانية، ووسط غياب أيّ قوننة لهذه القيود، ومن دون أن يترافق الأمر مع أيّ تطوّر عملاني لإقرار جدّي ونهائي للمشروع... بل وضع كلّ لبناني في وجه مصرفه... أو اكثر وضوحاً، وضع اللبناني في وجه موظفي المصارف الذين نالوا نصيباً من الشتائم والقهر، وهم لا دخل لهم فيه.
 
وفي الوقت عينه، كانت آليات " الكابيتال كونترول" تمارس عملياً على اللبنانيين والمودعين، من دون أيّ ركائز قانونية واضحة تحفظ الحقوق وتصون الاعتمادات المالية للمواطن.... فكان "الاقتطاع المقنّع" يمارس على الجميع!
 
ولا يزال هذا " النمط" يتعاظم، في غياب أيّ رؤية علمية منطقية ووسط تضخّم غير مسبوق وانعدام لمقوّمات العيش البسيطة... حتى طارت قيمة الأموال وكلّ الرأسمال الذي جمّع!
 
...بهذه البساطة، أو بالأحرى "بقصد متعمد"، عجزت، أولاً، حكومة الرئيس حسان دياب عن تقديم أيّ مشروع قوننة للـ"كابيتال كونترول"، فكان أن أخذت لجنة المال والموازنة النيابية المبادرة تجاه إعداد اقتراح قانون بهذا الصدد، بدل مشروع قانون مقدّم من الحكومة.
 
دور للجنة؟!
الى لجنة المال والموازنة تحولت الأنظار... وبدورها، باتت قصّة اللجنة مع الاقتراح طويلة ومعقدة. تطلّبت صولات وجولات واتّصالات على أرفع مستويات، وباشر حينها رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان اتّصالاته، والتي أنتجت اقتراح قانون موقع منه ومن النواب الآن عون وسيمون ابي رميا وياسين جابر، في محاولة لسدّ فراغ حكومي كان يومها يضيّق الخناق على كاهل لبنان الرسمي والشعبي معاً.
 
بادئ الامر، كان الاقتراح معجّلاً – مكرّراً ، بمعنى أنّه لا يمرّ داخل اللجان النيابية، إلّا انّ الهيئة العامة ردّته، في احدى الجلسات، الى لجنتي المال والإدارة والعدل، "بهدف مزيد من الدرس".
 
هكذا، بدأ مشوار لجنة المال مع درس الاقتراح تحديداً في حزيران 2020. وفيما كانت على شفير الانتهاء منه، أواخر تموز . هزّ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب كلّ لبنان، وتعطلّ العمل داخل مجلس النواب لفترات طويلة، تخللّتها استقالة حكومة دياب، ولاحقاً الفشل في تأليف حكومة جديدة.
 
بعد نحو عام، بقي الاقتراح في لجنة المال، لينتهي النواب منه في حزيران 2021 ، تمهيداً لرفعه رسمياً الى الهيئة العامة، إلّا انّهم اصطدموا، حينها، ببعض الملاحظات الآتية من صندوق النقد الدولي، ممّا تتطلّب إعادة درس المسودة. وهذا ما صار، بات الاقتراح يتلاءم مع المندرجات الدولية المطلوبة.
 
وفق معلومات " النهار"، كان من أبرز ما تضمّنته المسودة، " فرض عقوبات على المصارف التي لا تلتزم القوننة الموضوعة، لدرجة شطبها في حال مخالفة القانون، تحديد السحوب الشهرية بالدولار والليرة اللبنانية معاً، أو بالأحرى توحيد هذا التحديد، تحديد السقوف بشكل يتلاءم مع الظرف الاجتماعي، مع لائحة من الاستثناءات الموضوعة، والتي أتى من ضمنها موضوع الدولار الطالبي".
 
تطلب هذا الامر عملاً استمرّ حتى آب 2021. يومها، انتهت لجنة الإدارة من درس الاقتراح الذي حوّل مجدداً الى الهيئة العامة. ومرة ثانية، عادت ملاحظات صندوق النقد لتوقف هذا المسار، مما أعاد النقاش التشريعي الى بداياته.
 
هذه " الملاحظات المطلوبة" تعيد الأمور الى نقطة الصفر. ولعلّ اكثر ما كان يزعج النواب في هذا الصدد أنّ "هذه الملاحظات ليست من مسؤوليات مجلس النواب، انّما الحكومة، لأنّها تتطلّب خطة متكامة، وتحديد لسعر الصرف وغيرها من المسائل الملّحة التي تعتبر من المسؤوليات المترتبة على مجلس الوزراء ومصرف لبنان، وتتخطى إدارة صلاحيات مجلس النواب ودوره".
 
بهذا الوضوح، يعلّق كنعان لـ"النهار" على "المسار الذي أخذه اقتراح القانون من قبل"، رافضاً تحميل أيّ تأخير لمجلس النواب آنذاك، ومذكّراً بالفترات الطويلة التي كان فيها لبنان خالياً من أيّ حكومة ، بعدما طال أمد حكومة تصريف الاعمال، مما انعكس سلباً على إقرار " الكابيتال كونترول".
 
بعد تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة، تبدّل العمل قليلاً مع مسار قانون "الكابيتال كونترول" بعدما تولّى نائب رئيس مجلس الوزراء الوزير سعادة الشامي، باسم الحكومة، المفاوضات مع صندوق النقد، وبالتالي بات هذا الامر رسمياً  في عهدة الحكومة، أيّ في موقعه الذي يفترض أن يكون في البدء.
 
إذا كان هذا المشروع يفترض أن يكون من ضمن سلّة إصلاحيّة، ينبغي إقراره سريعاً، فإنّ توقيته الآن في لحظة حرجة، قبيل الانتخابات النيابية، لا يعتبر بالأمر السهل أبداً. واذا لم يعط صندوق النقد الضوء الأخضر على القانون، يكون لبنان مجدداً قد دعس دعسة ناقصة... فهل الآوان قد فات حقا لأيّ إدارة للرأسمال، أم أنّ القيمين سينجحون في رفع القليل من الغبن الذي سقط "كالجحيم" على رؤوس اللبنانيين، منذ ما يزيد على الثلاثة أعوام؟!
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم