الأربعاء - 01 أيار 2024

إعلان

بعد إعلان مشروع الدولار الرقمي... كيف سينعكس إقراره على الأسواق؟

المصدر: "النهار"
تعبيرية ("النهار").
تعبيرية ("النهار").
A+ A-
بعد أن أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي مشروع الدولار الرقميّ، حدثت موجة من التساؤلات حول أهمية هذه الخطوة وما تحمله من إيجابيات وسلبيات على عالم العملات وفي الأسواق العالمية. وإذا كانت البتكوين تقدّم ميزة واحدة، لا يمكن للدولار الرقمي أن يتحلّى بها، وهي عدم تحكّم طرف مركزيّ بها، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تجد نفسها اليوم أمام واقع لا بدّ منه، خاصة بعد توجّه الصين إلى اعتماد اليوان الرقميّ.

لذلك، قد تكون العملة الاحتياطية في العالم على وشك التحوّل إلى رقميّة، ممّا قد يغيّر الطريقة التي يتحرّك بها الأميركيّون، وطريقة استخدام أموالهم.

وكان قد سبق أن بحث البيت الأبيض مع الوكالات الفيدرالية من وزارة الخزانة إلى وزارة التجارة في عدد من المواضيع المتعلّقة بالتشفير، بما في ذلك إيجابيّات وسلبيّات الدولار الرقميّ، وفق ما جاء في تقرير "بلومبرغ".

بالنسبة إلى المستهلكين، قد تعني هذه الخطوة معاملات منخفضة التكلفة وإمكانية وصول أكبر إلى النظام المالي، في مقابل تهديدها خصوصيّة المستهلكين، وإضرارها بالبنوك الأميركية التي تعتمد على الودائع.

ومن المرجّح أن ذلك سيحصل إذا تمكّنت الحكومة من تنفيذ المهمّة، التي من المحتمل أن تكون معقّدة ومثيرة للجدل.

في الشق التنفيذيّ، اعتبرت الإدارة الأميركية أنّ الدولار الرقميّ لديه القدرة على دعم المعاملات الفعّالة وذات التكلفة المنخفضة، لا سيّما للمدفوعات عبر الحدود، وسيعزّز وصولاً أكبر إلى النظام المالي.

ويقول المؤيّدون إنّ النسخة الرقميّة من الدولار ستُتيح بعض ميزات العملات المشفّرة، من نظام دفع أكثر أماناً، وسرعة ومرونة.

وبالرّغم من توجيهات البيت الأبيض الجديدة، لن يتمّ تطبيق عملة البنك المركزيّ الأميركيّ في وقت قريب، بل من المرجّح أن تكون العمليّة طويلة، مع وجود أسئلة حول ما إذا كانت ستؤمّن كفاءة وسهولة النظام الماليّ الحالي.

علاوة على ذلك، من المحتمل أن تمنح هذه الخطوة الحكومة إمكانية الوصول إلى البيانات المالية، التي يُشير النقّاد إلى أنّها قد تنتهك خصوصيّة المستخدمين.

أمام هذا الحال، صرّح كبير محلّلي السوق في وسيط الصرف الأجنبي "Oanda" إدوارد مويا بأنّ "الحكومة أدركت أنّ التشفير ليس بدعة"، لافتاً إلى أنّ "هذه السّوق لديها نموّ محتمل، ويمكن أن تُقدّم الموجة الرئيسيّة التالية من الابتكار".

وتعدّ المدفوعات الرقمية بالفعل جزءاً كبيراً من كيفية تعامل المستهلكين في الولايات المتحدة يومياً، من تطبيقات الهاتف المحمول، مثل Venmo وApple Pay، إلى بطاقات الخصم والتحويلات المصرفيّة وخدمات الدفع.
ظاهرياً، لن يكون الدولار الرقميّ مختلفاً تماماً عن الاحتفاظ بالأموال في حساب إلكتروني، لكن تغيّراً سيطرأ على الآليّة التي يتم من خلالها تحويل الأموال عبر النظام المالي الأميركي، لأن العملات الرقمية للبنك المركزي، أو CBDCs، هي مسؤولية مباشرة للبنك المركزي الوطني، وليست مسؤولية المؤسّسات التجارية. وسيعتمد المستهلكون بدرجة أقلّ على وسطاء الطرف الثالث، وسيعملون بشكل أساسي ومباشر مع الحكومة لإتمام معاملات معيّنة.

ويشرح الخبراء أنّ "هذا النوع من التعامل لديه القدرة على تمكين تسويات شبه فورية، بالإضافة إلى رسوم أقلّ؛ ويعني أيضاً أنه لن تكون هناك حاجة للقلق بشأن إخفاقات البنوك أو تأمين الودائع. ويُمكن أن يوفّر الدولار الرقميّ أيضاً للحكومة طريقة أسرع لاسترداد الضرائب وفحص التّحفيز وإعانات البطالة إلى المواطنين".

وإذا كانت هذه التقنية أكثر فاعلية، فستُتيح المزيد من المعاملات الأرخص، وستؤدّي إلى قيام الشركات بفرض أسعار أقلّ للمنتجات التي تبيعها.


اليوان الرقمي
قد يكون إعلان الحكومة الأميركية جاء جزئياً ردّاً على ضغوط من الخارج، بعد أن وضعت العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم خططاً لتوفير عملات رقميّة بديلة من أجل الحفاظ على قدرتها التنافسية مع العملات المشفّرة والعطاءات القانونيّة للبلدان الأخرى.

ويُمكن للعملات الرقمية للبنوك المركزية أيضاً أن تقدّم حلّاً بديلاً للنظام المصرفيّ العالميّ، الذي تُهيمن عليه الولايات المتّحدة، وربّما تستخدم كوسيلة لتجنّب العقوبات.

ومن أبرز بلدان العملات الرقميّة الصين، التي بدأت اختبار عملتها الرقميّة في أواخر العام 2019، ثم شجّعت على استخدامها في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيجينغ في وقت سابق من هذا العام. وبلغ إجمالي المعاملات التي تمّت باستخدام اليوان الرقمي في نهاية العام 2021 ما يعادل 14 مليار دولار.

قال مويا: "من المحتمل أنّه ستكون هناك بعض المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لمعرفة أيّهما هو اللاعب المهيمن على كيفية التعامل مع التجارة العالمية، وما تزال هناك ميزة للدولار؛ وطالما كان الأمر كذلك، فإنّ احتمال تمتّع الدولار الرقميّ بميزة ما تزال قائمة".

ووفقًا لصندوق النقد الدولي، هناك نحو 100 دولة في مراحل مختلفة من استكشاف العملة الرقميّة للبنك المركزي، بما في ذلك الهند، التي فاجأت عالم المدفوعات بإعلانها أنّ بنكها المركزيّ سيُصدر روبية رقميّة في السنة المالية التي تبدأ في الأول من نيسان.

والتحدّي الرئيسيّ الذي يواجه الحكومات التي تفكّر في العملات الرقميّة هو ما إذا كان بإمكانها تطوير التكنولوجيا اللازمة لجعلها تعمل بسلاسة مثل القطاع المصرفي التقليدي، فيما المشكلات في إدارة الطرح يُمكن أن تقوض ثقة الجمهور.

وعلى هذا النحو، فإنّ تطوير الدولار الرقميّ سيعود إلى الظهور في نقاش طويل الأمد في أميركا حول ما إذا كانت بعض الخدمات يجب أن تكون خاصّة أم عامّة، وفق ما قال جو كارلاسار، الشريك في "SmithAmundsen"، ورئيس مجموعة العملات المشفّرة و"blockchain" و"fintech" التابعة لشركة المحاماة.

وقال كارلاسار إنّ "النظام المصرفي التجاري فعّال للغاية. إنّه يوفّر قدراً كبيراً من السرعة للمعاملات، وهناك تريليونات من المعاملات التي تحدث بانتظام من خلال النظام المصرفي التجاري. ولن يكون الاحتياطي الفيدرالي أكثر ابتكاراً من ذلك".


مخاوف الخصوصية
ويُثير الدولار الرقميّ أيضاً أسئلة حول الخصوصية المالية، وحول سيطرة الحكومة على دفتر المعاملات؛ فهناك خطر مراقبتها تلك المعاملات من دون المرور بالقنوات القانونيّة المناسبة، لأنّها لا تأخذ معلومات من شخص آخر، بل تبحث فقط في المعلومات الخاصّة بها. فالبنوك والمؤسّسات المالية التي تعتمد على ودائع العملاء لإدارة أعمالها وتمويل الإقراض، بشكل منفصل، قد تتعرّض لضربة إذا أصبح الدولار الرقميّ شائعاً. لذلك أصدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي ورقة مناقشة، في وقت سابق من هذا العام، قال فيها إنّ العملة الرقمية يُمكن أنّ تقلّل من حجم الأموال في النظام المصرفيّ، وستزيد من تكلفة القروض وتقلّل من توافر الائتمان للأسر والشّركات.

عليه، فالضجّة العامة حول العملات المشفّرة تعني أن الحكومة الأميركية لم يعد بإمكانها تجاهل إمكانيّة وجود عملة رقميّة. ولكن بصرف النظر عن التكنولوجيا، سيكون الدولار الرقميّ مختلفاً من الناحية المفاهيميّة عن العملة المشفّرة مثل البتكوين، التي لا تزال متقلّبة للغاية، وغير مقبولة بشكل كافٍ لتكون مفيدة للمدفوعات.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم