الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الفودكا والويسكي اللبنانية في السوبرماركات... صناعة منافِسة للمستورَد

المصدر: "النهار"
فرح نصور
مشروبات في السوبرماركت (تصوير حسام شبارو).
مشروبات في السوبرماركت (تصوير حسام شبارو).
A+ A-
 
 
لطالما اشتُهر لبنان بإنتاج أجوَد أنواع النبيذ المنافس للنبيذ العالمي. وجرّاء منافسة المشروبات الكحولية الأخرى المستورَدة كالفودكا والويسكي والجين التي تُستهلك كثيراً وبشكلٍ خاص الويسكي، لم ترُج صناعة هذه المشروبات كثيراً في لبنان إلّا منذ سنوات قريبة. منتوجات صُنّعت بكميات محدودة وبقي بيعها محصوراً في بعض نقاط البيع الرفيعة، أو في المصانع المنتِجة. 
 
ومع ارتفاع الدولار وغلاء السلع المستورَدة، أصبح ثمن زجاجة الويسكي يفوق التصوّر، ما حوّل المستهلك إلى المنتَج المحلّي، وحتّم على المؤسسات المنتِجة تصنيع هذه المنتجات وتوزيعها في الأسواق كافة. هي فرصة ذهبية لهذه المؤسسات لأنّ لا بديل حالياً عن المشروب المحلّي بجميع أنواعه. في هذا التقرير، نسأل أهمّ مؤسسات إنتاج المشروبات الكحولية في لبنان عن سبب ابتعادها عن السوق المحلية حتى الآن رغم حاجة الناس إلى منتوجاتها ذات الأسعار المعقولة، ونكتشف ما هي التحديات أمام هذه الصناعات في الوقت الراهن، لا سيّما مع ارتفاع الطلب على المنتَج المحلّي سواء كأفراد، أو كىسوبرماركات، أو كمطاعم وحانات.
 
 
بدأت مؤسسة "Riachi winery and distillery" بتصنيع الجين منذ سنتين والويسكي منذ زمن بعيد بما أنّ لبنان مستهلك كبير له. هي مؤسسة عريقة ومن أقدم مصانع المشروبات الكحولية في لبنان. "بعد لعبة الدولار وتخطّي سعر الصرف عتبة الـ 4000 وغلاء المشروب المستورَد، أصبح التوجّه أكثر نحو المنتَج المحلّي من جين وفودكا"، يقول صاحب المؤسسة روي رياشي. ينتج الفودكا ويورّدها إلى الخارج رغم تأثّر ذلك بلعبة الدولار، لكنّه يعمل حالياً على تخفيف كلفة الغلاف لبيع المنتَج في السوق المحلية، لأنّ التوضيب والتعليب هما المادتان الوحيدتان اللتان يستوردهما روي بالدولار، أمّا باقي المواد الأساسية لإنتاج المشروب فهي من إنتاج المصنع لديه، وهو من المورّدين لهذه المواد لمصانع لبنانية مشابهة.
ورغم الظروف التي نمر بها، استكمل رياشي الإنتاج والسبب الأساسي هو أنّه "مهما حصل في البلد لا يجب أن نتوقّف عن العمل، إذ مرّ لبنان في ظروفٍ أصعب من تلك التي يمرّ بها الآن واستمر العمل، ومصنعنا عمره نحو 200 عام، ولم يتوقّف العمل فيه عبر الأزمان، وأسوأ الأحوال هي خسارة المال لكن هذا لا يهمّ، إنّما تواجدنا واستمراريتنا واسم المصنع العريق هو الأهمّ وهو الهدف الأساس".   
 
وكان رياشي يبيع منتوجاته سابقاً أونلاين أو في المخمرة لديه، لكنّه وسّع مؤخراً انتشاره ودخل السوبرماركات الكبيرة، "لأنّ المنتَج المستورَد لم يعد ينافس المحلي"، فمثلاً زجاجة الـنصف ليتر من الجن والفودكا يراوح سعرها بين 20 و25 ألفاً، بينما المنافِس لها من المستورَد بـ 150 ألفاً، والطلب على هذه المنتجات في المطاعم والحانات تضاعف أيضاً، وفق روي.
 
 
 
ويوضح أنّ "هناك أشخاصاً كثيرين أصبحوا يدخلون الأسواق ومنهم يصنّعون الكحوليات في أماكن غير مرخصة وذات نوعية متدنية، ويؤثرّون بذلك سلباً على سمعة المنتَج اللبناني، لكن رغم ذلك، الإقبال جيد جداً وحجم استهلاك منتجاتنا ارتفع كثيراً مقارنةً بالعام الماضي، إنّما انخفض المدخول بالدولار، فنحن مضطرون أنّ نحسبه على دولار السوق السوداء، ومع اقتراب الميلاد، الطلب ازداد على النبيذ، لكن حتى الجن والويسكي عليها طلب كبير حالياً، وعلى الرغم من أن ّسعر زجاجة الويسكي 100 ألف ليرة، بيعت تقريباً الدفعة الأولى منها والتي بلغ عدد زجاجتها نحو 1537، وأتوقّع من الآن حتى عيد الميلاد أن تنفد كلّها وهي طُرحت في الأسواق في 10 تشرين الثاني، وهذا أمر جيد جيداً نسبة لويسكي محلية ولا تُعتبر رخيصة".   
 
لكن الأهمّ، وفق روي، هو "أن يستقرّ الدولار على سعر وألّا يرتفع، فسعر الصرف الحالي لا يفيد الصناعة المحلية، فإذا ثبت على سعر صرف 4000 أو 5000 من الممكن أن يستمرّ المنتِج بالتصنيع، لكن على سعر صرف 8000 أو 9000، لا يمكن وضع أرباحٍ على البضاعة، وبالتالي لا يمكن الاستمرار".
 
مؤسسو علامة "The three brothers" للمشروبات الروحية أندريه ورالف ملك، يؤكدون على أنّ الإقبال زاد كثيراً على المنتَج المحلّي، وقد بدأوا بإنتاجه منذ نحو سنتين ونصف السنة.
 
كان هناك إقبال على المنتَج المحلي قبل الثورة لكنّه زاد بعد ارتفاع الدولار. "منتجاتنا كانت موجودة في بعض محلات بيع المشروبات الروحية وبعض السوبرماركات الرفيعة، لأنّها راقية، لكنّنا بدأنا بتصنيع نوعاً آخر من الجين، وزدنا نقاط البيع عبر طرح منتجاتنا من جن ونبيذ وعرق في السوبرماركت الكبرى وبعض نقاط البيع"، يفيد ملك. 
 
 
ويضيف أنّه "بصدد إنتاج أنواع أخرى من المشروبات الروحية ستُطرح في الأسواق في نهاية شهر كانون الثاني 2021، وكان ذلك مقرراً في هذا الشهر الجاري، إلّا أّنه طرأ تأخير بسبب استيراد الزجاجات جراء انفجار المرفأ"، لافتاً إلى أنّ "الإقبال كبير على المنتجات، وسنطرح مجموعة خاصة بالميلاد، وبالمقارنة مع الأعوام الماضية، زاد الطلب على منتجاتنا كثيراً، فقد بنينا اسماً في السوق وعملنا على التسويق بشكلٍ جيد، كما أنّ عدم قدرة الناس على شراء المستورَد والتوجه إلى المنتَج المحلي، أثّر في هذا الإطار".
وتواجه المؤسسة حالياً تحديات متعلّقة بالدولار لأنّ جميع المواد الأساسية هي مستورَدة وتُدفع بالدولار، لكنّ ملك على ثقة بالسوق وبحاجة الناس إلى المنتَج المحلّي.
 
 
"منذ 8 سنوات نعاني من عدم شراء السوق للمنتَج المحلّي لأنّه كان منافَساً، أمّا الآن فلا خيار للبناني سوى شراء المنتج المحلّي، فهذه الأزمة كانت إيجابية من ناحية الإقبال المرتفع على منتجاتنا ودفعتنا للتصنيع بكميات ضخمة أكثر ممّا كنّا نتصوّر"، يشرح جميل حداد صاحب مؤسسة "Colonel beer". 
 
تنتج المؤسسة الجين والفودكا والعرق، وبعد ثورة 17 تشرين الفائت، بدأت بتصنيع الويسكي، فهو الأكثر طلباً في السوق اللبنانية وهناك حاجة له. "كنّا نذهب سابقاً الى السوبرماركات لعرض بضائعنا لكنّها لم تكن تتجاوب معنا، رغم أنّ مشروباتنا ذات نوعية فاخرة، أمّا مع أزمة ارتفاع سعر الدولار، أصبحت الصناعات المحلية هي الحاجة والضرورة، وأصبحت السوبرماركات تلبّي حاجة الناس بالمنتجات المحلية المنافِسة للمستورَدة، وأصبحت منتجاتنا اليوم في جميع السوبرماركت في لبنان" يروي حداد.
 
ويلفت إلى أنّ "كنّا نعيش في اقتصادٍ مزيّف يقتل جميع الصناعات المحلية ويقوم على الاستيراد، بينما اليوم عندما أصنّع في لبنان، أتعامل مع حوالي 200 مورّد لبناني، وأصبح المنتَج اللبناني منافِساً ويفرض نفسه في السوق اللبنانية، فبالإضافة إلى السعر المقبول، النوعية عالية الجودة هي التي تدفع الزبون إلى معاودة الشراء من المنتَج مرة أخرى، رغم أنّ الدولار ما زال التحدي الأكبر، لأنّ المواد الخام لهذه الصناعات نستوردها من الخارج، ففي لبنان لا مصانع زجاج ولا معامل لايبل ولا سدادات ولا سواه".
وبرأيه، "يجب الاستفادة من هذه الأزمة وتحريك الصناعة وتشغيل الأموال داخل لبنان وفتح فرص عمل لآلاف اللبنانيين من خلال المشاريع الصناعية، فهي تشغّل عدة مجالات عمل، وبهذه الطريقة يمكن أن نعاود الوقوف على رجلينا وهذا هو الوقت المناسب".
 
وبالمقارنة مع العام الماضي، زاد الطلب على منتجاته كثيراً، لدرجة أنّه وظّف 8 أشخاص إضافيين في المصنع لتغطية الطلب، والهدف التجاري الذي كان يضعه لسنة أصبح يحصل عليه في شهرٍ أو أقل. ويبلغ سعر زجاجة الفودكا ذات الـ 75 سل بـ 29 ألف ليرة، وزجاجة الجن ذات السعة نفسها بـ 39 ألف ليرة.
 
 
في متجر "Craft" لبيع المشروبات الكحولية، زادت نسبة الطلب على المنتَج المحلي من الفودكا والجين بنسبة 70% بعد الثورة، إذ بدأ الناس يلتهون بالمشروب، ولا يُلزم حالياً المحلُ الزبونَ بكمية محددة من الزجاجات. 
 
الحال مشابهة في متجر "The malt gallery"، حيث يذكر مدير المتجر أنّ الزبائن يرغبون كثيراً المشروبات المحلية، خاصة الويسكي، فهي أرخص من المستورَدة، وبدأ الناس ينجذبون إلى فكرة المنتج اللبناني. كما أن الأجانب صاروا يشترون هذه الأنواع كهدايا عند عودتهم إلى بلادهم. ولا يحدّد المتجر سقفاً لكمية الشراء.
 
 
صناعة الكحوليات تتحدّى أزمة الدولار 
 
مع اشتداد الأزمة وارتفاع سعر صرف الدولار واليورو، رفع المستوردون أسعارهم بموازاة ارتفاع سعر الصرف. ومع صعوبة الحصول على عملات نادرة fresh money" " ، أصبح المستوردون في وضع صعب جدًا لتأمين التحاويل اللازمة لتغطية ثمن هذه المشتريات. وضعٌ شجّع الكثيرين على التفكير في تصنيع هذه المشروبات محليٍّا، "لكن مع الأسف معظم المصنّعين المحليّين يستوردون المواد الأوليّة من الخارج ومواد التوضيب أيضًا، ما جعل عملية الإنتاج المحلّي صعبة جدًا بسبب شراء هذه المواد بالعملات الصعبة ومن ثمّ بيعها بالسوق بالليرة اللبنانية"، على ما يشرح الدكتور كارلوس العظم، رئيس نقابة منتجي الكحول والخمور والمشروبات الروحيّة في لبنان.
 
ومن التحديات التي تواجه هذه الصناعة في الوقت الراهن أنّ هناك مصنعًا واحدًا للحاويات الزجاجية وكامل إنتاجه تستعمله مصانع المشروبات الغازيّة وعصير الفواكه في لبنان. وإنتاج هذا المصنع غير كافٍ لإنشاء خطٍّ للمستوعبات الأخرى. وكان هناك مصنع آخر دُمِّر في إحدى الغارات الإسرائيلية ولم يتم إعادة بنائه. أمّا بالنسبة لمواد التوضيب من سدادات ولواصق وكرتون، فموادها الأولية مستورَدة أو لا تُصنّع في لبنان. كل هذه العوامل تجعل من الصناعة الوطنية البديلة لمنتوجات محليّة، باهظة الثمن وغير منافسة أيضًا للمنتوجات المستورَدة. بالإضافة إلى أنّ هؤلاء المصنّعين بحاجة لتعاون تقني مع الخارج لإنتاج مشروبات ذات مستوى عالمي، بحسب العظم.
 
هذه الصناعة ليست بجديدة في لبنان، لكن غياب التوجيه والحماية الوطنية لم يدفعا بها الى الواجهة، وبقيت في معظم الأحوال حلًّا للذين يبحثون عن منتج أدنى ثمنًا، رغم كونها ذات جودة عالية في الكثير من الأحيان.
 
وقد أدّى إغراق السوق المحلية، قبل الثورة، بالمنتجات الأجنبية وعدم ارتفاع سعرها فورًا، وصعوبة التحاويل إلى الخارج إن من المصنِّع أو المستورد، إلى شراء اللبنانيين لما تبقّى من المشروبات المستورَدة المتوفّرة بكميات كبيرة. وبدأ الصناعي اللبناني مؤخرًا بالتفكير بالإنتاج عندما بدأ النقص على رفوف السوبرماركات، لكنّه واجه صعوبة التحاويل الى الخارج التي بقيت حاجزًا أمامه وعدم تقبّل المستهلك اللبناني بعد شراء منتجات لا يعرفها ولا تتمتّع بأي شهرة أو دعاية.
 
في هذا الإطار، لا يتعدى عدد المؤسسات المصنّعة المتخصصة لهذه المنتوجات العشر مؤسسات. وهناك مؤسسات أخرى عديدة تنتج مشروبات أخرى، تستطيع في حال تزايد الطلب أن تتحوّل إليها.
 
وعن دعم الدولة لهذا القطاع، فإنّ "الجهات المسؤولة بعيدة كلّ البعد عن هذا القطاع، وشغلها الشاغل الحاجيات الضرورية للشعب والمشاكل الإقتصادية والسياسية، كأنّها تحول دون إعارة هذا القطاع أيّ اهتمام أو المساعدة التي تستحقّها المؤسسات المعروفة والمنتِجة لهذه الصناعات، والتي تستطيع أن تؤمّن حاجات السوق المحلّية"، بحسب النقيب العظم.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم