السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

معدّل الراتب في القطاع الخاص... الأمر متروك لاجتهاد الشركات من دون حد أدنى ملزم

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
رولى راشد
 
لم يعمّق انهيار الاقتصاد اللبناني تدهور سعر العملة الوطنية وحسب، بعد تفلّت سعر صرف الدولار بدون ضوابط فعلية رغم الترقيعات المستندة إلى بعض التعاميم المصرفية،بل تراجع القدرة الشرائية لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، وإن كان بعض الأسر أصبح يعتمد أكثر فأكثر على تحويلات المغتربين من أفراد العائلة، التي تتراوح ما بين 6 و8 مليارات دولار سنوياً، كان عاملاً أساسياً في مسألة ارتفاع معدّلات الفقر.
 
وتصنيف لبنان كثاني دولة عالمياً لجهة الإنفاق على احتفالات عيد الميلاد، وارتفاع نسبة الحجوزات في الفنادق والمطاعم، لا يعكس حقيقة الواقع اللبناني الذي يشهد تفاوتاً كبيراً في الطبقات الاجتماعية الموجودة في لبنان، فرضته الأزمة غير المسبوقة في البلد.
 
مهما تعدّدت الأسباب، فإن هذه الأزمة هي نتيجة تراكم سياسات اقتصادية ونقدية ومالية خاطئة خدعت الأفراد بوهم النعيم الذين صوّروه لهم على اعتبار أنهم كانوا فيه على مراحل سابقة، وأتى يوم الحساب الكبير ليطبَّق باستنسابية مطلقة، حيث ثمّة من خسر كل ما عمل وكدّ من أجل ادّخاره، فضلاً عن تراجع حجم أعماله، والأخطر أن القرش الأبيض طار في اليوم الأسود، بدون حسيب أو رقيب أو حتى مجيب عن تساؤلات حول مصير رسمته لامبالاة مسؤولين.
 
مسخرة المعالجات توالت، وكلها إجراءات عشوائية على خطى "تعطي بيد لتأخذ بيد أخرى" تمتهنها الدولة التي تعالج المشاكل بأخطاء فادحة، إذ بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب في عام 2017، زادت كلفة الأعباء على الخزينة لتصل إلى حدود 9 آلاف مليار ليرة سنوياً، واتسعت فجوة الدين العام شيئاً فشيئاً، مع ما أضيف إليها من إنفاق على قطاع الكهرباء، وهدر في أكثر من مكان وتهريب على الحدود والمعابر وغير ذلك...
بأيّ حد أدنى من الراتب يستطيع العامل والموظّف والأجير العيش في لبنان اليوم؟
ما مقدار التفاوت في الرواتب بين القطاعين العام والخاص بعد الزيادات الأخيرة التي أقرّها مجلس النواب في 15 تشرين الأول الماضي للقطاع العام، وصدورها بقرار من وزير المالية، في 28 تشرين الثاني؟
 
مارديني
وفق رئيس المعهد اللبناني للدراسات الدكتور باتريك مارديني "إن الحد الأدنى للأجر لم يعد له أي مكان في موضوع الرواتب ومن المفترض إلغاؤه. ومن المعروف أن الراتب يرتكز بشكل رئيسي على الإنتاجية، أي إن الراتب يعكس مستوى الإنتاجية عند العامل والأجير والموظّف. فالرواتب ليست مرتبطة أبداً بغلاء المعيشة".
 
ويقول مارديني لـ"لنهار": "لقد مررنا في لبنان بأزمة صعبة استمرت لمدة 3 سنوات نتج عنها تسريح بعض الشركات عدداً كبيراً من العمّال وإقفال قسم لا بأس به منها، ومردّه ضعف حجم أعمال هذه الأخيرة بفعل تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين. لذلك، شهدنا خروج قسم كبير من الشركات من السوق اللبناني سواء إلى الخارج أو بشكل نهائي. وفي المقابل، هناك شركات ثابتة ومستمرة في العمل، تسدّد رواتب مقبولة للموظّفين وفي جزء منها بالدولار الأميركي مع ربحية معيّنة تحدّ من خسارتها.
المشكلة الأساسية الراهنة اليوم هي في انهيار العملة اللبنانية، وليست في القطاع الخاص ولا في القطاع العام، علماً بأن بعض مَن في القطاع الخاص يتقاضون بدل إنتاجيتهم، فيما البعض الآخر لا يحصّل بدل أتعابه.
أما واقع القطاع العام فهو مختلف، لأنه لم يخضع للتصحيح الذي خضع له القطاع الخاص. فالمؤسسات والإدارات العامة لم تسرّح أيّاً من عمّالها، كما لم تقفل أيّ مؤسّسة عامة.
 
أما الزيادة التي أعطيت في موازنة 2022 للقطاع العام فهي كارثية. الحكومة عاجزة عن تسديدها بدون طبع العملة، ما يعني المزيد من تدهور العملة، وبالتالي، المزيد من انهيار قيمة الرواتب والأجور. إذن، الحكومة تزيد من المشكلة بدل حلّها.
 
مع قرارها زيادة رواتب القطاع العام 3 أضعاف، عليها تسريح نسبة الثلث منهم. إلا أن هذا التصحيح لم يحصل في القطاع العام. من المعروف أن الإنتاجية شبه محدودة في القطاع العام إن لم نقل معدومة. وإجراء أي معاملة في دوائر المؤسّسات العامة خير دليل على ذلك. أصلاً، قبل الأزمة، الرواتب لم تكن تعكس الإنتاجية التي هي أقل بكثير، لذا من الضروري إعادة هيكلة القطاع العام.
 
بالنسبة للحد الأدنى للأجور، هناك عدد من البلدان لم يعد يعتمده بعد اكتشاف أضراره. الحد الأدنى يعمّق الأزمة ويزيد من البطالة بعد تمنّع عدد من الشركات عن التوظيف".
بعد أكثر من 8 أشهر من النقاشات والسجالات، أُقرّ قانون الموازنة العامة لعام 2022. وإلى جانب الشوائب الكثيرة فيها، فإنّ أبرز ما تضمّنته زيادة رواتب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين وجميع الأجراء في الدولة بمقدار ثلاثة أضعاف، على أن لا تقل الزيادة عن 5 ملايين ليرة لبنانية ولا تزيد عن 12 مليون ليرة.
وهنا برز التفاوت الكبير في ما يتقاضاه الموّظف في كل من القطاعين العام والخاص والذي يستدعي التصحيح السريع.
 
شمس الدين
يلفت الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين إلى "أن عدد العاملين في القطاع العام وصل إلى ما يناهز 280 ألفاً وفق آخر الدراسات، بعد خروج عدد كبير منهم لبلوغه السن القانونية. أما كلفة رواتبهم السنوية على خزينة الدولة فأصبحت بحدود 22 ألف مليار ليرة بعدما كانت 12 ألف مليار ليرة".
 
ويقول لـ"النهار": "بموجب الزيادة التي مُنحت للموظفين في القطاع العام أصبح معدّل الراتب يناهز 10 ملايين ليرة شهرياً. وليس هناك أي موّظف يتقاضى أقل من 5 ملايين ليرة شهرياً. أما في القطاع الخاص، فما زال الحد الأدنى للراتب بحدود مليوني ليرة شهرياً، بغض النظر عن أن بعض الشركات والمؤسسات تدفع كامل الراتب بالدولار الأميركي، وبعضها قسماً منه، فيما هناك شركات ما زالت تسدّد الرواتب بالليرة اللبنانية". 
 
وللحفاظ على مستوى لائق بحدّ أدنى من العيش الكريم، يرى شمس الدين "أن أسرة مؤلفة من 4 أفراد يجب أن لا يقلّ مدخولها الشهري عن 23 مليون ليرة شهرياً، هذا بالطبع مع اعتماد التعليم الرسمي للأولاد ومصروف منخفض من استهلاك الكهرباء...".
 
ويكشف "أن ثمّة توجّهاً لدى لجنة المؤشر للبحث في كيفية رفع الحد الأدنى في القطاع الخاص مع زيادة مليوني ليرة بالإضافة الى رفع بدل النقل اليومي".
 
تؤكد دراسات منظمة العمل الدولية "أنّ الأجور هي السبب الرئيسي الذي يدفع العاملين لقبول العمل والاستمرار فيه أو رفضه؛ وذلك أن الأجر الذي يُمنح للعامل سيكون المصدر الرئيسي لتأمين دخل للعامل كما للموظف ولأسرته. وبه يكون العامل قادراً على الوفاء بمتطلبات الحياة المختلفة. ويتعيّن على أقسام الموارد البشرية في منشآت القطاع الخاص أن تضع معايير عادلة لتحديد رواتب وأجور القوى العاملة، سواء للموظفين الإداريين العاملين في المكاتب، أو للعمّال في مواقع العمل الإنتاجية، بحيث تُحدّد أجور أو رواتب موظفي المكاتب أو عمال المهن على أساس سنوات الخبرة والتحصيل العلمي".
 
هذا قد يجرؤ القطاع الخاص على تنفيذه، وإن كانت هناك استثناءات مرتبطة بمزاجية ربّ العمل، ولكن ماذا عن القطاع العام الذي هو بحاجة إلى إعادة هيكلة تصحيحية تُخرج الفائض وأفراد المحسوبيات وفاقدي الكفاءات من مرفق مترهّل سيصعب النهوض به مجدّداً، في ظل العقلية السائدة القائمة على الزبائنية في التوظيف، علماً بأن ثمة عناصر كفوءة وجيّدة فيه لا تنال القسط الوافي من حقها؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم