الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

موسم الصيف جرعة أوكسيجين وترميم آني للاقتصاد... هل ينتظرنا خريف حار؟

المصدر: "النهار"
فرح نصور
صورة تعبيرية.
صورة تعبيرية.
A+ A-
شهد الموسم السياحي حركة ناشطة هذا الصيف، أنعشت المؤسسات السياحية والقطاعات المرتبطة بها.
وعلى مشارف نهاية الموسم، ومع انقضاء إجازة العديد من المغتربين في لبنان وعودتهم إلى بلدان انتشارهم، لا بد من السؤال عن مدى مساهمة هذا الموسم في فرملة الانهيار وتدهور الليرة.
فهل عاد الموسم بالتوقّعات المرجوة في أوائله، والتي كانت تقدّر دخلاً يُقارب الـ4 مليارات دولار في هذا الصيف؟
 
امتلأت المطاعم، وامتلأت الحانات والأماكن بالسياح، وأُنفقت الدولارات، وغنّينا "أهلا بهالطلة"، وتدفّق الدولار السياحي في السوق، لكن ماذا بعد؟
 
ساهم القطاع السياحي بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز الاقتصاد هذا الموسم. ومن مجموع الوافدين، يُمكن تقدير أعداد السياح العرب بنحو 25 في المئة من المصطافين، والنسبة المتبقية كانت من المغتربين. هذا ما يؤكّده نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر، جان عبود، في حديث لـ"النهار". ويجب التوقّف عند إنفاق المغتربين في لبنان، "فالإنفاق كان كبيراً جداً"، وفق عبّود، الذي يرى أن "مساهمة القطاع السياحي ستصل إلى ما يقرب من مليارات دولار في الاقتصاد، بالإضافة إلى التحويلات الخارجية. فحتى شهر حزيران المنصرم، وبحسب تقرير وردنا، كان الرقم 6 مليارات؛ وهو مؤشر إيجابي، لو استُثمر بالشكل الملائم فلن نكون بحاجة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي".
 
بالتزامن، تحركت جميع الخدمات المرتبطة بالسياحة في هذا الموسم، وجميع المؤسسات كانت "مفوّلة"، إذ يعتبر عبّود أنّ "إقبال الوافدين كان دعماً جبّاراً للاقتصاد".
 
لذلك، وبناءً على أرقام الحجوزات، وصل عبّود إلى تقديراته، وقسّم الحركة السياحية إلى قسمين. الأول في آخر أسبوعين من حزيران وأيلول، لنكون أمام شهرٍ يصل فيه إلى لبنان ما يعادل 98 طائرة من جميع الوجهات. وإذا ما احتسبنا 190 راكباً كمعدّل وسطي على متن كل طائرة، فإن 98 طائرة تعطينا مجموعاً يبلغ 16 ألف راكب. وإذا ما ضربنا هذا الرقم بـ30 يوماً، فالمتحصل لدينا يكون نحو 500 ألف وافد.
 
أمّا في القسم الثاني، ما بين الأوّل من تموز والآخر من آب، فقد تفوق عرض الرحلات إلى لبنان على الطلب، مما دفع شركات الطيران إلى زيادة الرحلات خلال هذين الشهرين"، بحسب عبّود. وارتفعت الرحلات من 98 إلى 112 رحلة يومياً. وإذا ما ضربنا هذا الرقم بـ190 راكباً في كل طائرة، فإن المجموع يصبح 20 ألفاً تقريباً، ويكون مجموع هؤلاء الوافدين على فترة شهرين نحو مليون و300 ألف وافد.
 
وإذا ما وضعنا جنباً العامين السابقين، بسبب انتشار كورونا وقيود السفر، وقارنّا السوق اللبنانية ما بين عامي 2018 و2022، حين كان مبيع التذاكر يصل إلى 67 مليون دولار شهرياً، وفي العام الماضي لم يتعدّ الرقم الـ5 ملايين دولار. أمّا في العام الحالي، وخلال الأشهر الثلاثة الحالية، فوصل الرقم إلى ما فوق الـ40 مليون دولار، أي تخطّينا الـ50 في المئة.
 
كذلك، فإنّ سياحة اللبنانيين في الخارج كانت ناشطة جداً في هذا الموسم، وفق عبّود، إذ ما لا يقلّ عن 120 ألف لبناني سافروا ليجولوا في الدول المجاورة كتركيا واليونان.
 
بالانتقال إلى قطاع الفنادق، "الموسم كان ممتازاً جداً للاقتصاد اللبناني، والإنفاق كان كبيراً جداً"، بحسب ما يورد نقيب أصحاب الفنادق في لبنان، بيار الأشقر، لـ"النهار".
 
وعلى صعيد السياحة بشكل خاص، نشط قطاع تأجير السيارات بشكل لافت، وحركة المطاعم كانت ممتازة. أمّا الفنادق، فالحركة فيها كانت ممتازة، بالرغم من تحديات تأمين الطاقة التي أصبحت مكلِفة للغاية، ولا يمكن الاستغناء عنها في مؤسّساتنا، وكذلك تكلفة المياه.
 
لكن الأشقر يؤكّد أنّ "الحركة السياحية غطّت قسماً كبيراً من الخسائر التي تكبّدها أصحاب المؤسسات في موسم الشتاء، والإنعاش الذي حدث في القطاع، هو كمَن أخرَج مريضاً من العناية الفائقة إلى غرفة العلاج في المستشفى".
 
كذلك، كانت حملة وزارة السياحة مفيدة جداً، بالرغم من التحديات الكبيرة الراهنة، وفق ما قال نائب نقيب أصحاب المطاعم والملاهي والباتيسري، خالد نزهة لـ"النهار". والأسعار كانت أرخص بالنسبة إلى المغتربين، مما شكّل عاملاً شجّعهم على الإنفاق الذي كان كبيراً، وعاد بفائدة على قطاع السياحة، وعلى جميع القطاعات المرتبطة بالسياحة.
كذلك استفادت المناطق السياحية بقوة من هذا الموسم، وشهد محيطها انتعاشاً ملموساً، على ما يؤكّد نزهة، مشيراً إلى "ضرورة العمل على سياحة مستدامة لا موسمية".
 
كيف أثّر الموسم السياحي على الاقتصادي والليرة؟
مع دخولنا شهر أيلول، واقترابنا من موعد انقضاء الموسم السياحي في لبنان، شكّل قدوم أكثر من مليون وافد إلى البلاد جرعة أوكسيجين على صعيد العجلة الاقتصادية بشكل عام، والقطاع النقدي بشكل خاص؛ فتوافدهم ساهم في تحقيق استقرار خجول نسبياً على صعيد سعر الصرف حتى منتصف شهر آب تقريباً، وهو ما عوّل عليه مصرف لبنان لتمويل التعميم 161، وفق ما يرى الدكتور فادي قانصو، مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية.
 
لكن ما يُحكى عن استقطاب نحو 3.5 مليارات دولار من الإيرادات السياحية خلال موسم الصيف (أي ما يوازي ما يطمح إليه لبنان من صندوق النقد الدولي)، فيراه قانصو "بلا شك في إطار المبالغات، إذ إنّ مسار سعر الصرف بالكاد حافظ على استقراره، ناهيك بتردّي معظم المؤشرات الاقتصادية والمالية الأخرى؛ وكلّها مؤشرات تدلّ على أنّ هذه الإيرادات لم تتجاوز فعلياً نصف ما تمّ التعويل عليه".
 
هو أمر كان متوقعاً فعلياً مع بداية موسم الصيف، لاسيما أنّ الشريحة الكبرى من الوافدين هم من اللبنانيين المغتربين، يليهم العراقيون. ووفق ما هو معلوم، فإنّ ما ينفقه المغترب اللبناني أقلّ نسبياً ممّا ينفقه السائح العربي، وتحديداً الخليجي، الذي غاب أيضاً هذا العام، بعدما لجأ إلى مقاصد سياحية في بلدان أخرى. بالتالي، فإنّ التعويل على الموسم السياحي لتحقيق خرق جدّي مستدام على صعيد سعر الصرف، لم يكن متحققاً.
 
من هنا، لا شكّ في أنّ لبنان يتّجه في المدى المنظور نحو مسار شائك نسبياً في ظلّ لهيب الاستحقاقات الاقتصادية الماثلة أمامنا فور عودة المغتربين اللبنانيين إلى بلادهم، برأي قانصو؛ فذلك من شأنه أن يرفع من حرارة فصل الخريف بعد منتصف شهر أيلول. فالسيناريو الماثل أمامنا ينطوي على فراغ حكومي محتمَل، أو على تعويم لحكومة من دون فاعلية، قبل الوصول إلى فراغ رئاسي في مرحلة لاحقة، خاصة في ظل الانقسام العمودي الحادّ المتجلّي في مجلس النواب وتشنّج المناخ الجيوسياسي في المنطقة، الذي قد يرخي بثقله على عملية ترسيم الحدود.
 
كلّ ما تقدم عوامل ستكون بمثابة انتحار جماعي، يحمل في طيّاته آفاقاً سوداوية في ما يخصّ سعر صرف الدولار، لاسيّما في ظلّ رفع دعم عن السلع الأساسية بات شبه كامل، وفي ظل توجّه معظم تجّار السلع نحو السوق السوداء، وآخرهم تجار المحروقات مع الاتجاه إلى دولرة البنزين في وقت قريب. يضاف إلى ذلك انعكاسات إقرار الدولار الجمركي المرتقَب وغيره من الإجراءات الأخرى، كالتعديل غير المدروس والعشوائي للأجور في القطاع العام، على نسب تضخّم الأسعار، وعلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، من دون أن ننسى تضاؤل فاعلية منصة صيرفة وفق التعميم 161، نظراً إلى الشحّ الحادّ في احتياطيات مصرف لبنان الأجنبية، حتى وإن تمّ التمديد للتعميم 161.
 
عليه، فإنّ الخرق الأساسي والأوحد لهذا المشهد السوداوي، على ما يقول قانصو، يبقى رهن تشكيل حكومة قادرة على تفعيل عملها بشكل منتِج لمواكبة عملية إطلاق برنامج إنقاذ شامل من أجل إعطاء صدقية للمساعي الإصلاحية المطروحة، ولاستعادة الثقة بالوضع الاقتصادي والسياسي والحكومي وثقة المغترِب اللبناني.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم