الأربعاء - 01 أيار 2024

إعلان

قانون "استعادة الأموال المنهوبة"... العبرة في الإرادة السياسية والتطبيق!

المصدر: النهار
فرح نصور
من جلسة مجلس النواب اليوم. (نبيل اسماعيل).
من جلسة مجلس النواب اليوم. (نبيل اسماعيل).
A+ A-
أقرّ مجلس النواب، في جلسته التشريعية اليوم، اقتراح قانون يتعلّق بـ"استرداد الأموال المتأتية من الفساد".
ويأتي إقرار هذا القانون، وفقاً للأسباب الموردة، "لإزالة الالتباس المفاهيمي السائد حول ما يسمى "استرداد الأموال المنهوبة"، وللدلالة على "انفتاح لبنان على التعاون الدولي، ورغبة منه ببناء الثقة المتبادَلة مع الدول الصديقة، بما يتماشى مع مقتضيات المعايير العالمية والممارسات الجيدة، ويتماهى مع مبادئ "المنتدى العالمي لاسترداد الموجودات".
 
في هذا الإطار، تُطرح أسئلة عديدة. ما هو أهمّ ما نصّ عليه هذا القانون، وإلى أيّ مدى هو فعّال؟ وماذا عن أهمية إقراره في هذه المرحلة من الأزمة؟ وهل سيكون مصيره كمصير باقي القوانين التي سُنَّت وبقيت في الأدراج؟ ومن سيشرف على شفافية واستقلالية تطبيقه؟

ينصّ القانون على مادّتين إجرائيتين أساسيّتين هما:
 
- المادّة 4: إنشاء "دائرة استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد"، على أن تتولّى التنسيق مع الأجهزة القضائية والرقابية والأمنية كافّة. وإعداد الاستراتيجيات والخطط بشأن تنسيق متابعة أعمال استعادة الأموال بشكل عام في كافة مراحلها الإدارية والقضائية، على أن تتألف من رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، رئيساً، واثنين من أعضاء الهيئة.
 
- المادّة 11: إنشاء "الصندوق الوطني لإدارة واستثمار الأموال قيد الاستعادة أو المستَعادة"، الذي يمتاز بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين المالي والإداري، ويرتبط بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لجهة الموازنة الخاصّة به. وتشمل مهامّه إدارة الأموال، وممارسة الحقّ في استعمال الأموال المتأتية عن الجرائم المحدّدة في هذا القانون، أو استثمارها، أو التصرّف بها، والمتحصّلات ذات الصلة، التي استُعيدت بحكم قضائي مبرم أو هي قيد الاستعادة. 

مشروع القانون المذكور قدَّمه نواب "التيار الوطني الحر". ويشير النائب في التيار، آلان عون لـ"النهار" إلى أنّ "أهمية إقرار هذا القانون هو استكمال للمنظومة التشريعية المطلوبة لمكافحة الفساد. ونحن بصدد وضع مجموعة أدوات تشريعية لكي يكون في متناول القضاء جميع الأدوات اللازمة للتحرّك تجاه هذه الغاية". وبنظره، "إقرار القانون هذا عزّز استقلال مكافحة الفساد، بمجرّد وضع تطبيقه ضمن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد".
 
لكن مع إقرار العديد من القوانين التي لم تُطبَّق، ماذا عن هذا القانون؟
 
يجيب عون أنّ "علينا استعادة الثقة المشطوبة اليوم بالدولة وبنظامها وبالطبقة السياسية الحاكمة من جرّاء حقيقة وجود الفساد في الدولة. ونحن نقوم بخطوات لمكافحة الفساد والفصل الأساسي منها إقرار القوانين اللازمة في هذا الإطار. لكن هذا لا يكفي عملياً، لأنّ ذلك يتطلّب أن يقوم القضاء بواجباته وكذلك الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. فمجلس النواب يسنّ القوانين لكن على القضاء تطبيقها". لكن عملياً، تنفيذ هذا القانون مرتبط باستكمال تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي حتى تاريخه، لم تُشكّل، رغم انقضاء المهلة المسموح بها.

ويشمل هذا القانون كلَّ مَن هم في القطاع العامّ والخاصّ، و"أنا مع التعديل الدستوري الذي يدعو إلى رفع الحصانات عن الجميع دون استثناء، لنتمكّن من تطبيق القانون"، بحسب عون. 

أُقرّ القانون مع بعض التعديلات، وأهمّها تعديلان أساسيان للصيغة ما قبل الأخيرة من القانون المذكور. التعديل الأول هو إدراج دائرة استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد ضمن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بعدما كانت بيد لجنة وزارية يرأسها وزير العدل. ويهدف هذا التعديل إلى فصل الدائرة كلياً وإعطائها الاستقلال عن السلطة التنفيذية. 
 
أمّا التعديل الآخر، فهو وضع صندوق مستقلّ للأموال المستعادة كيلا تعود الأموال إلى مَن هم متّهمون بنهبها، إذ كان مقترحاً سابقاً إعادة الأموال مباشرة إلى خزينة الدولة. وإنشاء هذا الصندوق هو ضمن معايير شفافية واستقلالية وحماية أفضل، لاستخدامها في مشاريع إنمائية وغيرها.  

القانون حميد لكن ينقص تطبيقه الإرادة السياسية
 
يشرح رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الدكتور بول مرقص، أنّ "خطوة إقرار مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة هي بالتأكيد حميدة وإيجابية وطال انتظارها. وقد أتى بأدوات تنفيذية جيدة لتنسيق وتسهيل عملية استرداد أموال الفساد، لكنّ إقراره بحدّ ذاته لا يكفي مطلقاً لغياب الإرادة السياسية الفعلية لاسترداد أموال الفساد، لأسباب منها أنّ أموال الفساد لا تحوَّل فقط إلى الخارج، فقسم منها موجود في لبنان وربما في الحسابات المصرفية الداخلية، فلماذا لا تُلاحَق؟ لماذا لا يُفعّل القانون 44/ 2015؟ فوفقاً للمادّة 2 من هذا القانون، من الجرائم التي تندرج تحت جرائم تبييض الأموال، جرائم الفساد والرشوة واختلاس الأموال العامّة، والإثراء غير المشروع". 
 
وبرأي مرقص "ليس هناك في لبنان إرادة سياسية فعلية فالقانون هو "ديكور جميل" لكنّه غير فاعل، وإذاً لا فاعلية للقانون إذ تنقصه الإرادة في التطبيق.
 
ويسأل مرقص: "لماذا لم تُطبَّق نصوص قانون العقوبات القائمة منذ أكثر من سبعين سنة، بموادّه المتعلّقة باستغلال السلطة وتواطؤ المقاولين في ما بينهم، رغم ضرورة تعديلها وتطويرها؟". وقد أبرم لبنان قانوناً لتبادل المعلومات الضريبية منعاً للتهرّب الضريبي ضمن إطار اتفاقيات دولية، "فلماذا لم يُطبَّق إذا كان هناك فعلاً إرادة سياسية؟"، يستغرب مرقص. فقانون الإثراء غير المشروع، ورغم تعديله مؤخراً، لم يُطبَّق منه شيء منذ سبعين عاماً. بالإضافة إلى قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الصادر العام الماضي، الذي وضع مهلاً للجهات المختصّة لكي تعيّن هيئة مكافحة الفساد. لكنّ الهيئة لم تُعيَّن حتى الآن رغم تجاوز المهلة المسموح بها بفترة طويلة. 
 
ووفق مرقص، "إقرار هذا القانون في ظل الانهيار الحاصل، يعني إيصال رسالة إلى الرأي العامّ الداخلي بأنّ الدولة تجهد لمكافحة الفساد، وهو جهد مشكور، لكنّه ورقي ومستندي. وكذلك هو رسالة إلى صندوق النقد الدولي بأنّ الدولة اللبنانية أضافت مدماكاً إلى مداميك مكافحة الفساد في لبنان". 
 
ولهذا القانون طابع قضائي، بما أنّ "الحكومة المستقيلة هي حكومة تصريف أعمال، وستتذرّع بهذه الصفة لعدم تطبيق هذا القانون"، وفق مرقص. لذلك، يكون على القضاء متابعة ومراقبة تطبيق قانون استعادة الأموال المنهوبة، إلى جانب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فلهاتين الجهتين الصلاحية في التحرّك لتطبيق هذا القانون وسواه من النصوص ذات الصلة.
 
وأكّد رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، الذي تولّى رئاسة اللجنة الفرعية التي درست مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة، أنّ "تنفيذ قانون استعادة الأموال المنهوبة هو للقضاء، ونحن جدّيون في الذهاب حتى النهاية في التشريعات الأخرى المطلوبة، لينتظم عمل القضاء والمؤسسات تحت سقف القانون"، مضيفاً أنّ "هذا القانون يضعنا، تشريعياً، في المعاهدة الدولية للأمم المتحدة، وهو ليس مسألة مزايدات شعبوية وإعلامية وسياسية. على أنّ الرهان يبقى على استكمال المنظومة التشريعية، من خلال إقرار المحكمة الخاصّة بالجرائم المالية".




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم