الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"نافالني"... داخل رحلة الموت والحياة للعدو الرقم واحد لبوتين

المصدر: "النهار"
شربل بكاسيني
شربل بكاسيني
المعارض الروسي أليكسي نافالني (Dogwoof).
المعارض الروسي أليكسي نافالني (Dogwoof).
A+ A-
يروي التقليد المسيحيّ اللاتينيّ أنّ قدّيساً واسع الشهرة يُدعى لورانس استشهد حرقاً فوق مشواة، وبين الوجع والحشرجة، تفرّس في وجه جلّاده، ثم ابتسم له، وقال ساخراً: "هيا اقلبني، فقد استوى هذا الجانب جيّداً". كذلك يبدو المعارض الروسي أليكسي نافالني في وثائقي "سي إن إن"، وإن لم تكن قداسته خالصة من هوى النّفس والتنافس السلطويّ.

يؤجّل نافالني فكرة موته. "دعنا نصنع فيلماً مثيراً"، يقترح على المخرج دانيال روهر، "وبعد ذلك، إذا قُتلتُ، يمكنك صنع فيلم مملّ عن الذكرى". يُكافح لأخذ الأمور على محمل الجدّ مجترحاً آلية دفاعٍ، لا يُمكن لومه على اللجوء إليها طالما البديل ليس سوى الاستسلام لليأس.

يُستهلّ الفيلم الوثائقيّ "نافالني" (إنتاج "سي إن إن فيلمز" و"إتش بي أو ماكس") بسؤال المخرج روهر لمعارض الكرملين، الذي طُوّب بطلاً شعبيّاً، عن "الرسالة التي سيتركها للشعب الروسي في حال وفاته". يردّ نافالني: "يبدو الأمر كما لو كنتَ تصنع فيلماً عن قضيّة موتي. فليكن فيلماً آخر، الفيلم رقم اثنين".

يُصوَّر نافالني على أنّه فرصة أخيرة إلى حدّ ما لديموقراطية فعليّة في روسيا. ويقدّم المحامي السابق و"المدوّن الذي لا يهتمّ له أحد"، وفق تعبير الكرملين، نفسه واحداً من أعظم التهديدات لنظام فلاديمير بوتين. ولعلّ شيئاً من النرجسيّة دفعته إلى القول إنّ "بوتين قد يعلّق لافتة ضخمة فوق الكرملين تقول: أليكسي، من فضلك، لا تعُد إلى دارك تحت أيّ ظرف من الظروف".


غزل مع اليمين وتلميع صورة
تصدّر أليكسي نافالني المشهد السياسي غداة الانتخابات في كانون الأول 2011 التشريعيّة واندلاع حركة الاحتجاج الاستثنائيّة. ولفت مؤسّس منظّمة "صندوق مكافحة الفساد" الأنظار بشخصيّته القويّة ولهجته الخطابيّة الشّديدة.

تلك السيميائيّة الدونكيشوتيّة سبقت سعيه نحو تلميع صورته، وجعلها أيقونة عبر إسقاط خطابه القوميّ ذي الدلالات العنصريّة، والابتعاد عن الاستعراض في "المسيرة الروسية"، التجمّع السنويّ للجماعات اليمينية المتطرفة وأنصار الملكية، قبل أن تعزّز النتائج، التي حققها في العام 2013، في انتخابات رئاسة بلدية موسكو (27,2 في المئة من الأصوات)، موقعَه كزعيم للمعارضة.

يثير الوثائقي، الذي أضيف إلى قائمة مهرجان "ساندانس" السينمائي في اللحظة الأخيرة، والذي فاز بجائزة الجمهور لأفضل فيلم وثائقيّ، قضيّة مغازلة نافالني لليمين الروسيّ المتطرّف. وحتى حين كان المعارض ينتقد النزعة العسكرية، كانت إدانته وليدة البراغماتيّة لا الاهتمام بالقيم الإنسانية. ويوثّق الفيلم ردّ نافالني على سؤال طُرح في تجمّع سياسيّ حول رأيه في حربَي أوكرانيا وسوريا: "هل تريد أن تدفع ثمن الحرب؟".


"ومن ثمّ مُتّ"
بعد خلفيّة موجزة نسبيّاً عن نافالني، وتحوّله عدواً لبوتين، حتى بات الأخير يرفض مجرّد ذكر اسمه علناً، يمضي الوثائقيّ في سرد الفصل المحوريّ (محاولة الاغتيال وما تبعها) الذي دشّنه المعارض بعبارة "ومن ثَمّ مُتّ".

أصيب نافالني بإعياء شديد خلال رحلة العودة من سيبيريا إلى موسكو في إطار حملة انتخابية، وأُدخل إلى المستشفى في مدينة أومسك - سيبيريا، حيث بقي 48 ساعة، ثمّ نقل إلى برلين في غيبوبة، حيث خلصت ثلاثة مختبرات أوروبيّة إلى أنّه سُمّم بمادة "نوفيتشوك"، التي طُوّرت خلال الحقبة السوفياتية من أجل أغراض عسكرية، وهو ما أكّدته "منظمة حظر الأسلحة الكيميائيّة". ويتّهم المعارض أجهزة الأمن الروسية بأنّها "دبّرت لاغتياله بأمر مباشر من بوتين".

عندما يتعرّض فرد للتّسميم على يد الحكومة، فإنّ المؤسّسات العامّة مثل المستشفيات لا تكون آمنة تماماً. تحمل اللقطات الأوليّة لزوجة أليكسي يوليا نافاليانا، وهي تحاول الحصول على إجابات من أطبائه ومحاولة إطلاق سراحه، إثارة نفسيّة تُغذّي الوثائقيّ الذي يتحرّك بسرعة وتوتّر وتشويق استثنائيّين.

يوم عُرض وثائقيّ "نافالني" كان غزو أوكرانيا فرضيّة مؤطّرة بوثائق أميركيّة، وسبق العرض الحكمَ الإضافيّ بالسجن تسع سنوات بحقّ نافالني.

ينتقل الثلث الأخير من الفيلم من الإثارة إلى المأساة. بعد نجاحه في لعبة استدارة الرؤوس واستمالة الإعلام الدولي، يُعلن نافالني عزمه على العودة إلى روسيا لمواجهة بوتين. تتسلّل كاميرا روهر على متن الرحلة المتّجهة إلى موسكو، قبل أن يصطدم المشاهد بضربة الاعتقال. نهاية اللعبة سريعة، وأمام نافالني بضع لحظات لوداع زوجته يوليا. يتغلّب الشعور بالرّهبة على القصّة.

في مقابلة مع مجلة "فارايتي"، أكّد المخرج دانيال روهر أنّه لا يتوقّع أنّ عرض الفيلم سيضغط على بوتين لإطلاق سراح نافالني، بل اعتبر أنّ "سرد قصة أليكسي بهذا الشكل سيذكّر العالم بمحنته". ويرى أنّه إذا تمكّن من الاحتفاظ باسم أليكسي في العناوين الإعلامية الرئيسية، "فسيكون من الصعب على النظام قتله في السجن".

وفي غمار الإثارة، يُطرح السؤال المحوري على نافالني مرّة جديدة بلغة هادئة غير جذريّة كما في السابق، "أليكس، في حال توقيفك وزجّك في السّجن، أو في حال حدوث ما لا يُمكن تصوّره وتمّ قتلك، أيّ رسالة تترك خلفك للشعب الروسي؟".

يبتسم نافالني، كما ابتسم في قاعة المحكمة، وكما ابتسم قبله لورانس. "ممنوع أن تستسلموا"، يقول؛ "إذا قرّروا قتلي فذلك يعني أنّنا أقوياء بشدّة. علينا استخدام هذه القوّة لعدم الاستسلام، ولنتذكّر أنّا قوّة ضخمة، يقمعها هؤلاء الأشرار. نحن لا نُدرك مدى قوّتنا في الواقع. يتطلّب انتصار الشرّ شيئاً واحداً، وهو أن لا يقوم الأخيار بشيء. لذلك لا تمتنعوا عن القيام بشيء".
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم