الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

باربرا عبديني مسعد وكتابها "Forever Beirut": الطريق إلى المردقوش مُسيّجة بكلّ ما يُجسّده المطبخ اللبناني

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
باربرا عبديني مسعد.
باربرا عبديني مسعد.
A+ A-
استغرق العمل على الكتاب، الذي ستوقّعه في الثامن من أيلول في فُسحة "Aaliya’s Books" القائمة في الجميزة، عاماً كاملاً. ففي تلك السنة، كان العالم يعيش هزّات ارتداديّة مُتتالية بفعل جائحة القرن، التي سحقت أيّ شعور عابر بالأمان قد يُهدهد انكسارنا. كان لديها مُتّسع من الوقت لتستمتع بانصهار التوابل بعضها ببعض بين أناملها، ولتعيش مغامراتها المعتادة في المطبخ، حيث القصص الشهيّة التي تتلذّذ بها، وليس بالضرورة أن نستوعبها، إذ إن ثمة إغراءً لا يُقاوم في التهام المشهّيَات من دون أن نتعمّق بالضرورة في أسرارها المُتربّصة خلف مشاهدها المُتخيّلة.

في تلك السنة، كان لا بدّ من أن تتحمّل التوابل والمكوّنات كلّ المسؤوليّة عن خلق واحة صغيرة مؤلّفة من شجيرات كثيفة، هي في الحقيقة من نسج الخيال. شجيرات حملت أغصانها طيف المئة وصفة التي نجدها في كتاب "Forever Beirut"، الذي يحتوي أيضاً على قصص مأخوذة من قلب لبنان.

وقبل أن ينطلق الحديث معها، كانت مُنهمكة بزراعة المردقوش في حديقتها في بلونة. فمؤلّفة كتب الطبخ "باربرا عبديني مسعد" تحبّ أن تضع يديها على المردقوش، ويروق لها أن تستمتع برائحتها اللذيذة، التي يتلاشى معها كلّ ما يحصل في الخارج من خضّات وجنون.
 
"يجب أن تأتي لزيارتي في "بلّونة". هنا أعيش في فقاعتي الصغيرة، ولا يمكنني العيش خارجها. أشكر الله أن لدينا القدرة على خلقها. للمناسبة، أنا أدعو شقيقتي Bubble(أي فقّاعة في اللغة الإنكليزية). وهذه الفقاعة تحتوي على عشرات الحيوانات التي أنقذتها "باربرا" وزوجها من ظلم الشوارع، وقدّمت لها المأوى، الذي لطالما اعتبرته هذه الكائنات الضعيفة أرجوحة صغيرة مؤلّفة من أحلام ولحظات أمانٍ عابرة لن تتحقّق (وبما أنها سيرة وانفتحت...).

عندما أقول لها إن كتابها، الذي التهمتُ كلماته بنهم خلال يومٍ كامل، أقرب إلى رواية مُسيّجة بالحنين، يُخيّل إلى القارئ أنّه بقلم صديقة تعشق الحكايات، وتتعلّق بكلّ ما في هذه الحياة من تفاصيل جميلة، تقول بصوتها الهادئ حتى الاسترخاء في حديث معها عبر الهاتف: "لا أعرف طريقة أخرى في الكتابة. إذا شعر القارئ بأنّك تتعالى عليه بطريقة أو بأخرى فلن يتمكّن من أن يشعر بصلة مع الوصفات أو النوادر. على الكاتب أن يُشعر القارئ بالراحة. كتاب الطبخ أقرب إلى رواية. أشبه بقصة مُشوّقة".

والأكيد أن العمل على الكتاب كان أقرب إلى علاج. "لكلّ واحدٍ منّا طريقته في التعبير. شخصيّاً يتجسّد الخلق عندي بكتب الطبخ كما ألتقط الصور". فعندما تأسر باربرا اللحظات في داخل إطار الصور تشعر بأنها تلتقط ومضات هاربة من الحياة كما تُريدها أن تكون؛ وكأنّها في الواقع تخلق عالمها الصغير في داخل إطار صورة. إنها الطريقة الفُضلى بالنسبة لهذه الحالمة، التي لا تستطيع أن تعيش خارج الفقاعة الزاهية، حيث تعيش في داخلها مع زوجها وأولادها ومطبخها وعشرات الحيوانات التي قدّمت لها فرصة ثانية لتنعم بالأيّام، ولتخلق عالمها الصغير في صورة واحدة. "الصور هي ترجمتي الشخصيّة لكلّ ما يحدث من حولي".

الكتاب وُلد بفعل كلّ هذا الجنون الذي عشناه "بلا ما ناخد نَفَس"، "ما أجبرنا على أن نستيقظ. كلّ هذا الذي عشناه غيّرنا جميعاً. لن نُهاجر أنا وزوجي. تعلّقنا كثيراً بهذا العالم الذي خلقناه هنا. الحديقة في منزلنا في بلونة، طقوسنا الحميميّة. بطبيعة الحال أحتاج إلى السّفر باستمرار. السفر هو مخدّري. ولكنني أريد العودة دائماً إلى البلد".

عندما تُسافر، تعيش باربرا مع السكّان المحلّيين، تأكل معهم "من ديّاتهم" لتفهم تراث الطهو الخاصّ بهم. "وأحاول أن أجلب معي هذا التُراث إلى لبنان. يمكنك تكييف بعض العادات هنا، وبعضها الآخر لا مكان له في يومياتنا".
 
الكلمات تخرج من روحها إلى المساحة البيضاء بسلاسة. تضحك قائلة، "وكأنني أتقيّأ الكلمات. الكتابة تحتاج إلى الكثير من الانضباط الذاتي".

مئة وصفة مأخوذة من المطبخ اللبنانيّ الذي يستريح على اليوميّات والأحاديث الجانبيّة بقدر ما يرتكز على الـ"مئة غرام من الطحين"، و"كمّ رشّة ملح"، و"شي ما بينذكر من صلصة البندورة".
هذا الكتاب، بحسب باربرا، "في مِن كلّ شي". وقد أصبح في المكتبات. وأرادت هذه الحالمة التي تُشعر كلّ من يُصادفها بأنها تفهم حنايا روحه، وتقبلها كما هي، أن تختار فُسحة حيث تعيش أجواء غير مُتكلّفة، لتوقّع الكتاب الذي وُلد ذات سنة سُحقت من خلالها كلّ مفاهيمنا القديمة. ولهذا السبب، موعدنا معها في الثامن من أيلول في فُسحة Aaliya’s Books في الجميزة، "هذا المكان متل بيتي".

وعندما تدخل باربرا المطبخ، لا مكان للفوضى أثناء التحضير. "أنا طاهية مُنظّمة للغاية. أكتب اللائحات. لا أحبّ الفوضى. أحضّر مُسبقاً. أقوم بتقطيع كلّ المكوّنات، وأنتقل بعدها إلى تطبيق الوصفة. أتّبع نهجاً مُحدّداً. والمسألة تجعلني أسترخي. لا أستعجل أبداً عمليّة الطهو".

هذا الكتاب هو طريقتها في التعبير عن الألم الذي تسبّب به الرابع من آب، من خلال المأكولات اللبنانيّة والصور المُرفقة بالقصص والنوادر.

باربرا عبديني مسعد تعتبر نفسها فنّانة، لكنّها في الدرجة الأولى إنسانة تعرف جيّداً أن تُهذّب إنسانيّتها وتصقلها. وجزء من الأرباح سيعود إلى جمعيّة "Lebanese Food Bank" المحليّة التي تعمل بجهد لتُطعم كلّ الذين لا يستطيعون أن يجنوا ما يكفي من المال ليتمكّنوا من تأمين لقمة العيش.

والطريق، التي توصلنا إلى المردقوش الذي يحلو لهذه الحالمة أن تغويه بأناملها لتنتشر رائحته الساحرة في الجوّ، تقرّبنا من كلّ هو حقيقي؛ كلّ ما خُيّل إلينا أننا فقدناه بعدما كنا نتعلّق بشراشيبه وكأنّه أشبه باللحظة الهاربة من أمان لم نعرفه في الحقيقة يوماً.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم