الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"زنود الست" "عروسة لبنة" و"طَعم كبيس الزيتون يعيدني إلى أيام الطفولة"

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
"زنود الست".
"زنود الست".
A+ A-
اخترتُ من الكتاب – الهدية، وصفة تُهدهد "سرير طفولتي" ، لتُرافقني في المطبخ صباح الأحد الهادئ حتى الرُعب في العاصمة التي تنتظر أن تستيقظ مُجدداً من سباتها القسري. وأمضيتُ ما يُقارب الساعتين في وضع بصماتي الشخصيّة على الإرشادات الرئيسيّة التي تعدنا بـ"أكلة طيّبة"، وتأخذنا إلى حيث الضحكات العالية والمواجهات الضارية مع التوابل وما تبقّى من الزعتر(الصعتر) "الغرقان بزيت الزيتون". تفاصيل صغيرة هي في الواقع، الطبق الرئيسي في حياتنا. بعد ساعات من "فلفشة" هذا الكتاب المشوّق والمليء بالنوادر والذكريات والوصفات السهلة، اخترت "طبق محشي كوسى" الذي تقول عنه الشيف الشابة تارا خطّار في كتابها "LIBAN"، إنه من "الأكلات النباتية بامتياز. يُمكن تحضيره بأنواع مختلفة من الخضار، لكن جدتي تفضّل الباذنجان والكوسى". جدّتا تارا حاضرتان في كل صفحات هذا الكتاب الجميل الذي وصلني من تارا المقيمة في الولايات المتحدة، حيث نجمها يلمع، وحيث مأكولاتها تجد لحظة عزّها في وقتٍ تحوّل فيه المطبخ في الغرب، مادة أدبيّة "دسمة"، تتخطّى الإرشادات الأساسيّة التي تأتي على شكل: "تُذوَّب الزبدة في طنجرة على نار هادئة. أو: يُحمَّى زيت الزيتون في طنجرة على نار قويّة". كتاب "إلتهمته" في جلسة واحدة. سافرتُ مع هذه الشابة التي أرادت إلقاء التحيّة إلى جدتيها ولبنان في كتاب واحد. شابة وقفت وجهاً لوجه مع أهم طهاة العالم، وها هي تكتب مأكولاتها يوميّات المشاهير، ومع ذلك، أرادت أن تحترف المطبخ اللبناني. والأهم، العودة في الذاكرة إلى الجلسات التي امتدت ساعات طويلة في كنف العائلة. العائلة الكبيرة التي تقاسمت الأنفاس و"اللقمة الطيّبة". وجدّتان اضطلعتا بدور الجندي المجهول، وحوّلتا المطبخ صلة الوصل بين الأجيال. جدّتان وضعتا أسرار المطبخ اللبناني في تصرّف الشابة التي حوّلت المأكولات مشهيّات أدبيّة تُزخرف الذاكرة وما تبقّى من الطفولة. "تُحضّر جدتي لأبي أطيب كبيس زيتون في العالم، أو أقلّه هكذا يبدو لي، لأن طعمه يُعيدني في الذاكرة إلى أيام الطفولة". و"جدتي لأمي هي أفضل من يُعدّ المخلل أو الكبيس". كتاب كبير يُمكن تذوّق صفحاته بجلسة واحدة. صور حميميّة، وشابة طبيعيّة، لا تُبالغ في "هندسة إطلالتها"، بل تجعلنا نشعر وكأننا نتقاسم معاً فنجان قهوة تتخلّله عشرات الحكايات. وبما أنها سيرة وانفتحت، بعض حكايات من كتاب LIBAN الذي وصلني في ترجمته العربيّة حاملاً عنوان: "مائدتي: من بيروت إلى نيويورك":
 
"بعد أن أمضيت السنوات الـ10 الأخيرة من عمري أجوب بقاع الأرض، أستطيع أن أجزم بأن لبنان هو أنا. هو الهوى والهوية. هو السقف والمنزل. والمطبخ أساس كل حضارة". وهذه الوصفات التي نعيش من خلالها المطبخ اللبناني بكل ما يتضمنه من "فزلكات" شهيّة تعدنا بـ"جنّات" من الأطياب "ع مد النظر"، ليست ملكاً لأحد سوى "لجدتي لأبي وجدتي لأمي. وأنا مجرّد حكواتيّة".
 
وفي الكتاب سنكتشف أن "زنود الست هي من بين الحلويات المفضلة لديّ". و"بوظة قمر الدين هي نكهة البوظة الأحبّ إلى قلب أبي". و"ترعرعنا أنا وأختي وأخي على طعم راحة الحلقوم بنكهة الورد". أمّا الكنافة بجبنة، فـ"لعلها واحدة من أكثر اللحظات المؤثرة في سياق إعداد هذا الكتاب. أيعقل أن يكون جدي، المحامي الذي لا تطأ قدماه أرض المطبخ بتاتاً، يُجيد تحضير الكنافة اللبنانية الأصيلة؟!". وللبيض باللحمة والبندورة قصة تُعيدنا إلى زمن عبر وترك شذا الحنين: "يحمل هذا الطبق توقيع رامز، جدي لأمي، سيما أنه الطبق الوحيد الذي اعتاد تحضيره لأولاده".

كتاب التهمته بجلسة واحدة، واخترت منه الطبق الأقرب إلى ملعب طفولتي. محشي كوسى. توابل، "بندورة مقطّعة إلى مكعّبات صغيرة"، وبعض لمسات شخصيّة أعادتني إلى منزل "ستي منيرة" القائم في شكا. عجقتها في مطبخ العائلة الكبير. إصرارها على إطعامنا "شي 6- 7 كوسايات تتتغذوا يا ستّي". المطبخ أكثر من "رشّة ملح، وبصل مفروم". المطبخ هو لغة الحب. وهذا الكتاب للشابة تارا خطّار هو قصتنا جميعاً مع عائلاتنا التي لطالما عبّر أفرادها عن الحب الحقيقي من خلال "عروسة لبنة"، وصحن فول مدمّس، و"شوربة الراهب" التي تقول عنها تارا: "تشتهر هذه الشوربة الشهيّة لدى موارنة شمال لبنان بشكل خاص"، والهريسة، "ويرتبط إعداد هذا الطبق بطقوس الإلفة في القرى اللبنانيّة".
 
و"ستّي منيرة" ما زالت هناك، في مطبخ منزل العائلة في شكا الشماليّة، معجوقة في تحضير الكبّة أرنبيّة "لهالجوعانين يالّلي بيجوني من بيروت وكأنو ما أكلوا من شهر"!

- يصدر الكتاب عن هاشيت أنطوان.
 
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم