الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

في مكتبة دار الرافدين: إينولا هولمز تقفز من القطار وتستفزّني!

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
مكتبة دار الرافدين.
مكتبة دار الرافدين.
A+ A-
عزيزتي بيروت،
لقد زرتُ أحد شوارعك الرئيسيّة منذ بضعة أيام، الحمرا، وتبخترتُ في الأزقة التي تفضي إلى المباني القديمة التي لطالما تخيّلتها، بجدرانها المُتصدّعة وألوانها الباهتة ("المبرشّة")، المأوى الظريف لبطلات الروايات التي أدمنتها باكراً.
 
ارتبكتُ قليلاً لأنني شعرتُ بأنني غريبة في موطني. عبثاً بحثتُ عن وجوه أعرفها، وعن أمكنة تُذكرني بالذي مضى أو "ع القليلة" تستحضر جيوب الفرح اليوميّة التي مزجتها ماضياً مع قهوة الإسبريسو من محل أبو فادي الصغير بالقرب من مبنى "النهار" القديم. كان بإمكاني أن أنتحب قدرك( أو قدري!) بعمق، ولكنني مشيتُ الهوينى وكأنني واثقة من خطواتي، وأعرف جيداً "لوين رايحة". وفجأة، وصلتُ إلى شارع المقدسي الشهير. وقادتني غريزتي إلى واجهة مكتبة "متروسة" بالكُتب" المُلبّدة بغيوم الأيام، وتمرّد الأبطال. مكتبة حميميّة تقع بجانب فندق "جيمس" الذائع الصيت والشاهد، تماماً مثلك، على تدهور أعصابنا وعلى الرغم من محاولاتنا المُتكررة من إخفائها في خزانة "المُتبلات" والمقبلات اللذيذة. حانات لا تفتح إلا عندما يطل الليل بأسراره الدفينة، وبعض مسنين يجلسون أمام محالهم التي ما زالت تحتفظ بشيء من رائحتك. تلك الرائحة التي أتعامل معها بتقدير عال على اعتبار أنها ممزوجة برائحة عرق العمّال الذين "يكدّسون" الساعات فوق ظهرهم ليؤمّنوا لقمة العيش، وعطر هذه السيّدة التي لم تتمكّن التجاعيد المُتراكمة حول عينيها من أن تمنعها من إغواء رجال راس بيروت "يالّلي إلهن القدر والقيمة".
 
 
وصحيح أنني كنت أتظاهر بالهدوء والثقة بيد أن عنوان كتاب وُضع فوق كومة من المنشورات عند المدخل بطريقة مهذبة و"ململمة" ضعضعني قليلاً: "إينولا هولمز وقصة اختفاء الماركيز". ترجمة عربيّة لكتاب في الإنجليزيّة.
 
إينولا هولمز، الشقيقة الصغرى للمحقق البارد حتى الإزعاج، شيرلوك! وكما تعرفين، لطالما تعاملتُ مع نفسي وكأنني إينولا المُتمرّدة، والثائرة، والمُتمسّكة بحريّتها حتى الإزعاج! فإذا بي أقرّر أن أدفن ارتباكي من عدم الانسجام مع التغيرات التي أصابت شارعك الأسطوري الذي اعتدتُ أن أتذوّق روعة مشاهده مع فنجان القهوة الصباحي من عند أبي فادي، في أيامي الأولى في صحيفة "النهار".
 
ودخلتُ المكتبة الحميميّة: مكتبة دار الرافدين. فإذا بأيامي الأولى تعود وبعد أن ظننتُ إنها رحلت وأنني انتهيتُ برحيلها. الكتاب، عزيزتي، هذا النديم الذي لم أملّ منه يوماً، عاد إلى واجهة هذا الفصل الكئيب من حياة لم أعد أسيطر عليها، ولم أعد أعرف كيف أميّز يوميّاتها من الغناء المُبتذل لطيور مللت رقّتها اللذيذة المذاق.
 
 
 
"بشكل شخصي، عندما أتحدث عن علاقتي بالمكتبة، هي علاقة روحيّة، تقوم على الاعتناء بكل كتاب قد ضم إلى رفوفها، ومن ناحية ثانية، أذكر أيضاً أن صلب عملنا قائم على الاهتمام بكل قارئ يدخل المكتبة، إذ أن زيارته لنا ليست كدخوله إلى السوبرماركت للتبضّع. فحين يسأني القارئ أو يطلب رأيي لكتاب يود قراءته يكون جوابي سؤالاً موجّهًا إليه: ماذا سبق لك أن قرأت؟ ما هي الكتب والمواضيع التي تهمّك؟ من هو المؤلّف الذي تريد أن تقرأ له، في اللغة العربية أم مترجم؟".
 
هذا أحمد غريب. مدير فرع مكتبة الرافدين في شارع المقدسي. يُحدثني عن هذه الفسحة التي وقعتُ في حب جنونها الموضوع فوق كومة الكتب هناك، عند المدخل. من دون أن أخطط لذلك، تحوّلت إلى صحافيّة بعد أن كنتُ أزور الفسحة بصفتي قارئة رومنطيقيّة، لم تتعامل جيداً مع الأيام الـ"موديرن".
 
 
و"عد إلى قديمك فجديدك لا يدوم"!
 
"هذا الفرع هو جزء من دار الرافدين ككل. الدار مُسجلة في لبنان والعراق، وفروعها مُنتشرة في البلدين، إذ يُمكننا أن نقول أنها ثُنائيّة الهوية وتعمل على ربط جسور الثقافة امتداداً من بيروت التي تطبع نتاجها فيه وتنشره وتقوم على إيصاله إلى العراق بكل مناطقه ومحافظاته".
 
هذه المكتبة التي ستتحوّل مسكني في الأشهر المُقبلة، تأسست منذ سبع سنوات، و"قد انتقلت مرات عدة، بداية من مكتبة صغيرة جداً، إلى مكتبة مؤلفة من ثلاثة طوابق، كما يروي غريب.
 
 
فليكن. ولكنها حميميّة بالنسبة إلى البطلة الرومنطيقيّة والحرّة حتى الإزعاج التي استوطنت روحي منذ فترة لا يُستهان بها.
 
"أقسامها مُنوعة، ما بين إصدارات الدار، كتب دور النشر الأخرى، مروراً بالكتب الإنجليزيّة والكتب القديمة التي نهتم بها أيضاً، فهي لا تزال محببة لطبقة كبيرة من القراء".
 
وإينولا هولمز، الشقيقة الصغرى لشيرلوك البارد، تستفزّني بقدرتها على حل الألغاز والقضايا المُستعصية. وفوق "هيدا وكلّلو"، تركب الدرّاجة الهوائيّة ببراعة وكأنها تعوم فوق مياه نهر "السين"!
 
 
"تقوم الدار بتوزيع نتاج الفكر اللبناني في العراق عبر فروعها، وبنفس الوقت قد عملت على مبادرات مهمّة. مثال على ذلك أنها قامت على جمع وطباعة جميع أعمال الشاعر اللبناني الراحل بسام حجار، بقالب مثالي ضمن مجلدين. إضافة إلى عملها على طباعة الموسوعة اللبنانية بجزأيها، الأول يتناول أسماء العيل اللبنانية وأصولها بشكل مفصل، وجزء ثان آخر تناول فيه جميع أسماء المدن والقرى والمناطق اللبنانية. وأخيراً بكتاب تاريخ يهود لبنان والصادر للباحث العراقي نبيل الربيعي".
 
والقارئ المُنهمك بفاتورة الكهرباء، وسعر رغيف الخبز الصعب المنال، أين هو وسط تمرّد إينولا وبرودة شيرلوك؟
 
 
"صحيح ان هذا القطاع قد عانى ولا يزال يُعاني حتى الساعة من ظروف عدة، بدءاً بالجائحة وحتى الوضع الاقتصادي المعتم والذي يختم على البلد. ورغم كل الصعاب التي واجهتنا إلا أن إصرارنا لم يتأثر ولا زلنا نواكب القارئ في لبنان للعمل على تأمين جميع ما يحتاج. تميزنا أثمر. وقد اعتمدنا ليس على إصدارات دور النشر اللبنانية ككل، بل على إيصال النتاج الفكري المطبوع من كتب مصرية، عربية، تونسية كانت أم مغربية إلى السوق اللبناني، وقد كان ذلك عبر مشاركتنا في المعارض العربية والتي حيث تكون هي نحن فيها نكون، إذ أننا نُشارك في جميع هذه المعارض وبشكل مباشر وهي بحدود 15 معرضاً عربياً ودولياً".

والأهم من هذا كله "فإننا حتى اليوم نبيع على سعر صرف الـ15 ألف ليرة للدولار وذلك لإصدارات الدار. أما الإصدارات الأخرى فإننا نقدم حسماً جيداً يتجاوز بأغلب الأحيان الـ30 في المئة من سعر الكتاب الأصلي".
 
وإينولا هولمز تقفز من القطار، وتتنكر بزي رجل، وتستفز ارتباكي... و"دراكولا"، مصّاص الدماء الساحر حتى الموت يغوي "مينا" وينقضّ على رقبتها...
 
لحظة من فضلك حبيبتي بيروت، "دراكولا"!؟؟؟؟
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم