الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الآخرون: بفضل الفرنسيّة كاميل جونو "ليوناردو ومونخ" ينزلان من برجهما العالي!

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
كاميل جونو.
كاميل جونو.
A+ A-
في العام 2019، أطلقت الفرنسيّة الشابة كاميل جونو (36 عاماً)، الحساب "La Minute Culture" على "إنستاغرام"، وفي بالها أن تُشاطر الآخرين شغفها، (الذي يصل إلى مرحلة العشق أو العكس!)، بالفنّ والثقافة، وأن تجعل التاريخ الشاهق بأسمائه العريقة (و"ملابسه الضخمة"!)، سهل المنال. ومذّاك، وهي تُحوّله مسرحها الافتراضيّ، وتوظّف كلّ جهودها لكي تصل الأعمال الفنيّة على أنواعها إلى كلّ الفئات العمريّة، لنتمكّن من أن نغور جميعاً في رُقي "ليوناردو ومونخ وغايا" وترنّحهم الفنّيّ الأسطوريّ بأسلوب سلس، مُضحك، مُسلّ ومفيد في آن.
 
من قال أنّ علينا أن نتألّم لنفهم رسالة الفنّ وزخرفاته؟
 
فطنة وبهاء وعطلة صيفيّة نمضيها هذا الشتاء القاسي في قصر مصنوع من كانفا وألوان وصراعات دامية مع الذات قبل الخارج، وعلاقات حُبّ مُدمّرة، وأخرى تصقلنا وتُبعد عنّا طيف الأيام "العليلة". وعشرات الحروب مع البلدان الأخرى والحدائق المُعلّقة خارج الحدود "بكم فشخة".
 
 
لا أحد سيسخر من رغباتنا في التنزّه بوتيرة مُريحة بين اللوحات الزيتيّة والقماش الكتّانيّ. "نُمزمز" التفاح المُتدلّي من أشجار عصر النهضة. و"نثرثر" مع السيّدة العارية المُستلقية على العشب بصفاء يُجاور الملل. ونُحاول أن نسرق من "الست موناليزا" ما يُشبه الابتسامة. والفضل يعود إلى إصرار كاميل جونو على مزج التاريخ بأيّامنا الحاليّة. بفضل إصرارها على أن نفرح ونحن نتواجه مع الألوان القاتمة والأخرى الاحتفاليّة.
 
ونتسلّى!
 
نعم، نتسلّى ونستفيد في الوقت عينه.
 
 
وعلى الرغم من أنّ الشابة تمكّنت في غضون فترة قصيرة من أن تصل إلى عدد كبير من المُتابعين في مختلف أنحاء العالم، فهي تُدير الحساب بُمفردها وتقدّم لنا مساء كلّ إثنين "Story" فنّيّة أقرب إلى مُغامرة خارج نطاق الزمن "بتحلّي وبتسلّي وبتقوّي (المعلومات!).
 
والكبار ومن هم في سنّ الهوس بالـ"Influencers"، يُلقون التحيّة لهذه الاقتحاميّة التي تجرّأت وسهّلت الموادّ الفنيّة والثقافيّة التي اعتبرها ماضياً النّقادُ والذوّاقةُ مواداً دسمة نحتاج أحياناً إلى الكثير من الشهادات والدراسات والبحوث الأكاديميّة لنفكّ لغزها، ولإزالة أوراق التغليف التي تختبئ خلفها. وابتداءً من هذه الدقيقة، لا شيء يعيق حبّنا للكبار الذين تركوا لنا كنوزهم البصريّة الفنيّة، ومن شأنها أن تعزّز جمال الأيّام. وبفضل كاميل، سنعقد اتّفاقات ("ع حيلها") غير مُعلنة مع "غويا" و"دالي" والميثولوجيا الإغريقيّة، لتُدخلنا باحة قصرها.
 
 
نتحدّث معاً عبر الرسائل الإلكترونيّة، وتُخبرني عن أحوالها في باريس، وأشكي لها أحوالي في بيروت (الخليلة الجامحة!).
 
"أردتُ أن أشاطر شغفي مع كلّ الناس. مع مُحيطي والأصدقاء والعائلة. كما أردتُ أن أشجّع الناس لزيارة المتاحف، لكي يُصبحوا أكثر إلفة مع الفنّ. من دون ضغط! وأعني بذلك ألّا يخافوا من المتحف. أردتُ أن أتسلّى من خلال الخلق. وكنت متأكّدة من أنّني أستطيع أن أستعين بـ"إنستغرام"، لأتسلّى من خلال خلق محتوى جديد ومفيد في الوقت عينه".
 
 
ومنذ 3 سنوات، تطلّ علينا كاميل مساء كلّ إثنين عبر "ستوري" طويلة عبر حساب "La Minute Culture"، "لأتحدّث عن فنّان، أو عمل فنّيّ شاهق، أو أسطورة. في الحقيقة لم أعرف أبداً بأنّني قد أصل إلى هذه المرحلة المُتقدّمة من النجاح، ولكنّني أعترف بأنّها مُغامرة جميلة".
 
لا تستطيع كاميل أن تُحدّد حادثة مُعيّنة دفعتها في اتّجاه الفنّ، أو فجّرت شغفها الذي يبدو أنّ الآلاف يُشاطرونها سياجه ("بس كان بدّن دفشة"!)، ولكنّه حُبّ وُلد بفعل مرور الأيّام. وهي طفلة لم يضعها أهلها وجهاً لوجه مع الأعمال الفنيّة، ولكنّ الثقافة كانت حاضرة ومحوريّة في العائلة. شجّعها أهلها على القراءة، ونما في داخلها تقدير كبير للميثولوجيا الرومانيّة – الإغريقيّة، وصارت تتذوّق القصص عموماً. وتعتقد كاميل بأنّها بحثت في الفنّ عن هذه العناصر التي عشقتها باكراً.
 
 
ويبدو أنّها وجدتها فيه.
 
وتمّ النصيب.
 
وخلال دراستها، تنقّلت بين باريس ولندن، وفي العاصمتين اكتشفت المتاحف والمجموعات الفنيّة التي أدهشتها وأنارت صباها بالجمال. وعزّزت زياراتها للمتاحف والفسحات الفنيّة من خلال المشاركة في صفوف تاريخ الفنّ، والقراءة والشرائط الوثائقيّة. "ومن هنا تطوّر شغفي الذي قادني اليوم إلى La Minute Culture".
 
 
على الصعيد الشخصيّ، انغمست كاميل بالنحت لسنوات طويلة، "وقفزت بسرعة وبطريقة موازية إلى الرسم. وأعتقد أنني كنت جيّدة في النحت. ولكنّ مهنتي هي الكتابة. أنا كاتبة. وتجتاحني رغبة لأكتب ولأكون خلّاقة في الكتابة. قد أتمكّن من تطوير مهاراتي في الكتابة وعندئذ سنرى إذا ما كنت في الواقع فنّانة بدوري".
 
لتُنجز "ستوري" طويلة واحدة للحساب – الحدث، تحتاج كاميل إلى يومين. "ولكن العمل لا ينتهي هنا. تربطني علاقة جيّدة جدّاً مع كلّ المُتابعين على الصفحة. أتواصل مع الجميع وأنا في الميترو، أو بين مقابلة وأخرى، أو عندما أقف في الصفّ لشراء الخبز. الحساب يُرافقني في يوميّاتي".
 
 
وهي فخورة لأنّها تمكّنت من أن تجعل الفنّ والثقافة في مُتناول الجميع. "الكثير من الأهل يُتابعون الصفحة ويقرأون الـ(ستوريز)، التي أسقطها على الحساب لأولادهم، (إذ أنّها مؤلفة من حوارات مُشوّقة ومُضحكة مع الشخصيّات التاريخيّة في الأعمال)، كما أنّ العديد من الأساتذة في المدارس والجامعات يتوسّلون الحساب كمثال يُقدّمونه للتلامذة ليعرفوا كيف يُنجزون دروسهم وبحوثهم".
 
وحاليّاً، تُنهي كاميل كتابها الذي يتمحور على فنّ الرسم. كما بدأت منذ فترة فقرة على إذاعة "Europe 1"، تُغطي خلالها المعارض في كلّ فرنسا، وقد تأخذ بعض الوقت لتفكّر هذه الشابّة التي نجحت في إزالة خوف كُثر من كآبة فان غوغ وعشق كليمت للنساء، بخطوتها الآتية. بعد هذه السنوات الـ3 الماضية، تسلّل الإرهاق إليها، والآن حان الوقت لتكتشف ماذا تُريد شخصيّاً من الحياة ومن مهنتها. وهي لا تعرف تماماً عدد الكُتب التي تقرأها في الشهر، "فأنفي محشور باستمرار في الكتب لأتمكّن من توثيق عملي. أستعين بالعديد من الكاتالوجات التابعة للمعارض، أو بالبحوث العلميّة في المنزل كما في المكتبات. وأعشق هذا العنصر في عملي".
 
تُشاهد محطة (أر تي) باستمرار، وتُتابع المجلّات المُتخصّصة بالفنون، والتغريدات الفنيّة تأخذ الكثير من وقتها!
 
كاميل جون لا تملك شهادة في الفنّ، وخبرتها في هذا العالم غير القابل للحدود تقتصر على كلّ ما تعلّمته من خلال حسابها على "إنستغرام". "قرّرت منذ البداية أن أخلق لنفسي تجربتي الشخصيّة، وقمت بذلك من خلال بلوغ أنشأته في البداية. وبفضله عملت طوال 3 سنوات في Google Arts & Culture كمديرة في قسم السوشال ميديا. ولكنّني اليوم لم أعد أملك الوقت الكافي للبلوغ".
 
اليوم، تُكرّس وقتها بالكامل لـ"دقيقة ثقافة".
 
 
وبفضل مُثابرتها، يُسمح لنا أن نتنزّه باسترخاء مُريح وسط حقول دوّار الشمس، وأن نُثرثر مع السيّدة العارية المُستلقية براحة مُقلقة على العشب، وهي تتناول الفاكهة من السلّة المُخصّصة للـ(بيك – نيك).
 
للمُناسبة سيدتي، "لو بدّي إزعج خاطرك وخاطر الفنان يلّلي نسج خيوطك، لم أنت عارية فيما الرجل الذي يُشاطرك لحظات الاسترخاء هذه يتبختر بكامل ملابسه شبه الأنيقة"؟
 
 
 
 
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم