الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

مطعم "محفوظ" في صور… قصة صمود

المصدر: "النهار"
مطعم "محفوظ" في صور.
مطعم "محفوظ" في صور.
A+ A-
مهدي كريّم
 
لم يعد يمكن للصياد وسام القاسم أن يُنهي رحلته البحرية، التي تبدأ عند الرابعة فجراً وتنتهي عند الحادية عشرة، يتناول "سندويش فتايل" لدى مطعم محفوظ الشهير في مدينة صور. فالسندويش التي كان سعرها لا يتعدّى الألفي ليرة لبنانية ارتفع لأضعاف الأضعاف، حتى باتت تُلامس الـ22 ألف ليرة. "فحتّى الطعام الشعبيّ بات حكراً على طبقة معيّنة"، بهذه الكلمات عبّر القاسم في حديثه لـ"النهار" عن عدم قدرته على الاستمتاع بلذّة "السندويش التي ربما تستحقّ أكثر من هذا السعر" حسب تعبيره.
 
 
ولا شكّ أنّ أزمة القطاع السياحيّ عموماً، والمطاعم خصوصاً تتفاقم يوماً بعد آخر، إلّا أنّ جديدها هو عدم قدرة المطاعم الشعبية على الصمود. هكذا أعلن  احد مطاعم "فلافل صهيون" الشهيرة في بداية الشهر الماضي عن إغلاق أبوابها نتيجة ارتفاع الأسعار، وهكذا لم يعد يمكن لذوي الدخل المحدود تناول "أكلة الفقراء"، وهكذا باتت المطاعم الشعبية تُصارع من أجل البقاء لا أكثر.
 
 
مطعم محفوظ... مرحلة الصمود والاستمرارية 
هذه المعاناة يمكن استنتاجها سريعاً عند الدخول الى مطعم محفوظ، فالمطعم العائليّ الذي تأسّس عام 1952 في مكانه الحالي في السوق القديم، هو من أقدم المطاعم العاملة في صور، وقد ورثه الأبناء عن الأجداد. يسرد سلون محفوظ لـ "النهار" قصّة المطعم فيُشير الى أنّ "الفكرة بدأت مع المرحوم أبو سعيد محفوظ وشقيقه يحيى"، وسرعان ما أخذ المطعم يحقّق نجاحاً وشهرةً واسعةً، ولاسيّما في سندويش" الفتايل" الشهيّ الذي يقدّمه. وأضاف: "خلال السبعينات من القرن الماضي، أصيب المطعم بقذيفةٍ إسرائيليّةٍ ممّا أدّى إلى تدميره، فأعاد آل محفوظ بناءه مجدّداً، وكان البناء الجديد فأل خير على المطعم الذي توسّعت أعماله وشهرته بشكلٍ كبيرٍ.
 
 
يفتخر محفوظ بأنّ المطعم يقصده جميع الفئات الاجتماعيّة، ويقول: "الزبائن الذين يقصدوننا هم من مختلف الفئات من الأساتذة إلى العمال والصيادين والمغتربين وحتّى السواح الأجانب الذين يزورون المدينة". إلّا أنّ هذه الميزة بدأت تتراجع تدريجيّاً منذ بدء الأزمة الاقتصادية، فيصف المرحلة بأنّها "مرحلة الصمود والاستمرار، وهذا ما نحاول القيام به في ظلّ الظروف الحالية التي نُعاني منها". ويلفت الى أنّ "سعر كيلو اللحمة كان بـ15 ألف ليرة، وكان سعر السندويش ألفي ليرة، أمّا اليوم فقد أصبح سعر كيلو اللحم 200 ألف وارتفع سعر السندويش الى 22 ألف ليرة". وتابع "المعاناة ليست في الأسعار فقط، فثمّة معاناة أخرى متعلقة بقلّة توفّر الموادّ ذات الجودة والنوعيّة المميزة"، ويختم محفوظ "مرّ علينا أزمات في السابق واستطعنا تخطّيها والآن نحاول القيام بذلك".
 
 
المطاعم الشعبية والثقافة المجتمعيّة
هكذا، بات لبنان الذي يُعاني من مجموعة أزماتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وماليةٍ يفتقد أكثر من مجرّد مطاعم، فهذا النوع من المؤسّسات يرتبط بالثقافة الشعبية التي تعكس هويّة الشعب، وهذا ما يُفسّر سطوع أسمائها وتحقيقها لنجاحاتٍ وشهرةٍ لم تتمكّن أكبر المطاعم من الوصول اليها. كما أنّها ترتبط بوجدان أجيالٍ متعاقبةٍ عايشتها وباتت تحمل الذكريات بين جدرانها. فضلاً عن ذلك، فإنّ فقدان هذه المطاعم سيحمل انعكاساتٍ اقتصاديّةً نظراً الى أنّ معظم عمّالها يكونون ضمن العائلة الواحدة.
 
 
بالأرقام... أزمة قطاع المطاعم
وفي هذا السياق، يلفت نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والملاهي خالد نزهة في حديث لـ"النهار" الى أنّ "المطاعم تمرّ بمرحلة قاسية لم تشهدها سابقاً على مدى فترات طويلة، فهذا القطاع كان رائداً ومبدعاً ويتميّز عن باقي القطاعات في الدول العربيّة". وأضاف "قام بنقلة نوعية خلال الـ25 سنة الماضية، أمّا اليوم فأصحاب المؤسسات يقفون على أبواب السفارات، إذ أنّ أموالهم في المصارف قد تبخّرت ومجموع الأزمات التي مرّت على البلد أدّت الى ضرب القطاع".
 
 
وتابع نزهة: "يعمل في هذا القطاع نحو 160 ألف شخص مسجّلين في الضمان الاجتماعيّ، بالإضافة إلى نحو 40 ألف عاملٍ بشكلٍ موسميّ، وبات اليوم نحو 90 ألف شخصٍ عاطلين عن العمل بفعل الأزمة، كما تمّ إغلاق نحو 5 آلاف مؤسّسة من إجمالي 8500". وأوضح أنّ "همّ اللبنانيّ أصبح الحصول على الغذاء والدواء، وبات الذهاب إلى المطاعم من الكماليّات". وعن أسباب وصول الأزمة الى المطاعم الشعبيّة، يقول نزهة: "ذلك لأنّ موجة الغلاء أثّرت بشكلٍ موجعٍ وكبيرٍ على المطاعم الشعبية بنفس الأثر الذي أثرت فيه على المطاعم الكبيرة".
 
 
الاستقرار السياسيّ أوّلاً
ولكن ثمّة ظاهرة يمكن ملاحظتها في بعض أماكن السهر وبعض المطاعم حيث تحتاج إلى الحجز قبل أيام بسبب الإقبال الكثيف، فيرى نزهة أنّ "هذه أماكن محدودة جدّاً ومحصورة، وزبائنهم هم من اللبنانيين الذين يملكون العملة الصعبة وبعض الأجانب والعرب". وختم مشيراً الى أنّ "السياحة تحتاج إلى استقرارٍ سياسيّ وماليّ واجتماعيّ وهذا ما نفتقده، وأصحاب المؤسّسات يحاولون المحافظة على الاستمراريّة وليس جني الأرباح".
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم