السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

فولوديمير زيلينسكي: من ممثل إلى قائد عسكريّ وزعيم سياسيّ

المصدر: "أ ف ب"
زيلينسكي في ساحة القتال (أ ف ب).
زيلينسكي في ساحة القتال (أ ف ب).
A+ A-
تحوّل الرئيس الأوكرانيّ فلاديمير زيلينسكي بقميصه القطنيّ الكاكيّ وملامحه المتعبة ولحيته الخفيفة وإطلالاته الإعلاميّة المنتظمة، إلى رمز يعكس تصميم الأوكرانيين على إنزال الهزيمة بروسيا، رغم ترسانتها العسكريّة الضخمة.

قبل أسابيع من الغزو الروسيّ في 24 شباط، كان عهده الرئاسيّ الذي بدأه قبل ثلاثة أعوام، يفقد بعضاً من زخمه، إذ إنّ الممثّل الكوميديّ السابق، كان يواجه صعوبات بالإيفاء بوعوده الانتخابيّة، في بلدٍ يعاني من الفقر والفساد.

فاستسهل خصومه القول إنّ حجم المسؤولية التي يتولّاها أكبر من ممثل فكاهيّ، والدول الغربيّة التأسّف لأنّ الرئيس الأوكرانيّ الجديد آنذاك، بدا غير قادر على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

يقول المحلّل السياسيّ فولوديمير فيسينكو: "قبل الحرب، كان كثرٌ يتعاملون مع أوكرانيا على أنّها دولة فاشلة، ومع زيلينسكي على أنّه رئيس ضعيف".

وعندما بدأ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين فجر 24 شباط، غزوه لأوكرانيا، كانت موسكو مقتنعة بأنّ هجومها سيكون قصيراً وأنّ السلطة الأوكرانيّة الضعيفة ستنهار.
 


"نحن هنا جميعاً"

تعرّضت كل المدن الأوكرانيّة الكبرى لقصفٍ عنيف، خاركيف ولفيف ودنيبرو وأوديسا، كما سار الجيش الروسيّ نحو العاصمة الأوكرانيّة كييف.

ويستذكر فيسينكو: "سرت شائعات بأنّ (الرئيس الأوكرانيّ) سيفرّ" .

إلّا أنّ الواقع كان مختلفاً. فقد استقطب زيلينسكي الأنظار، بعد أن ظهر في مقطع فيديو مسجّل أمام مباني الإدارة الرئاسيّة في وسط كييف، وحوله مستشاريه.

وقال وعيناه تحدّقان في عدسة الكاميرا: "نحن هنا جميعًا، عسكريّونا هنا، المواطنون، المجتمع، نحن هنا جميعًا، للدفاع عن استقلالنا، عن دولتنا" .

بعد أكثر من عشرة أشهر على بدء الحرب، يبدو الإرهاق واضحاً على وجهه وقد نمت لحيته، لكنّ كلّ مساء عزيمته هي نفسها يتوجّه بها إلى مواطنيه، في مقاطع فيديو تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

في الأثناء، ألحق زيلينسكي وجيشه هزائم مفاجئة بجيش بوتين: ففي نيسان، تراجع الكرملين عن دخول كييف، وفي أيلول، فقد السيطرة على منطقة خاركيف، ثمّ في تشرين الثاني خسر خيرسون، عاصمة المنطقة التي تحمل الإسم نفسه.

لم تتردّد صحيفة "فايننشال تايمس" التي منحت زيلينسكي لقب رجل العام، في مقارنته برئيس الوزراء البريطانيّ الأسبق، وينستون تشرشل، الذي قاد الحرب ضد النازيين.

في روسيا، على العكس، يُقدَّم زيلينسكي على أنّه زعيم زمرة نازيين جدد من مرتكبي الإبادات الجماعيّة أو زعيم مدمني مخدرات، وحتى الشيطان.

وقال المحلّل السياسي أراييك ستيبانيان، عبر قناة "روسيا 1" في تشرين الثاني: "يجب أن تعلن الكنيسة الأورثوذكسيّة الروسيّة رسمياً، أنّ زيلينسكي يجسّد وصول المسيح الدجّال" .

غير أن زيلينسكي البالغ 44 عاماً، هو أيضاً قائد المعركة الإعلاميّة. فقد سبق أن ظهر على غلاف مجلّة الموضة "فوغ" مع زوجته أولينا، وكذلك في مدينة خيرسون الجنوبيّة التي استعادت القوّات الأوكرانيّة السيطرة عليها في تشرين الثاني، مردّداً النشيد الوطنيّ، يُحيط به الجنود.
 
 
صمود ومقاومة

تتعارض هذه المشاهد، مع تلك التي تُظهر بوتين يعمل معزولاً في الكرملين.

واستخدم زيلينسكي أيضاً شعبيّته ومعاناة الأوكرانيين، لانتزاع أسلحة أكثر وتمويل أكبر من حلفائه الغربيين.

ولهذا الغرض، يقدّم بلده دائماً كحصن في مواجهة الإمبرياليّة الروسيّة، وكمدافع عن القيم الديموقراطيّة، كما فعل في حزيران، عندما قال أمام النوّاب التشيكيين، إنّ "موسكو تستهدف مساحة شاسعة من وارسو إلى صوفيا، ومن براغ إلى تالين".

وهو يتبنّى نهجاً صارماً حِيال القادة الذين يطلبون منه تقديم تنازلات لموسكو، مثل الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون.

استقبل في مكتبه قادة الدول الغربيّة الذين زاروا كييف تباعاً، وكذلك نجوماً هوليووديين.

لم يكن زيلينسكي الذي نشأ في مدينة كريفي ريغ الصناعيّة، في منطقة ذات غالبيّة ناطقة بالروسيّة، يتوقّع أن يؤدّي هذا الدور.

قبل دخوله عالم السياسة، حقّق نجاحاً في مسيرة مهنيّة في التمثيل الكوميديّ، في أوكرانيا وكذلك في روسيا، حيث كانت تدعوه القنوات التلفزيونيّة، نفسها التي توجّه له الإهانات اليوم، للظهور على شاشاتها.
 


اعتباراً من العام 2015، لعب دور أستاذ تاريخ صادق لكنّ ساذج، أصبح بالصدفة رئيسًا لأوكرانيا، في مسلسل ناجح.

إلّا أنّ الخيال أصبح حقيقة، مع انتخابه في العام 2019 من أوكرانيين سئموا طبقة سياسيّة فاسدة، بينها رئيسهم الملياردير بترو بوروشنكو.

ويقول فولوديمير فيسينكو: "تبيّن أن زيلينسكي وطنيّ حقيقيّ، مقاتل، رئيس".

وبعد أن حلّ فصل الشتاء في أوكرانيا، وفيما تدمّر الصواريخ الروسيّة منشآت الطاقة في البلاد، سينبغي على زيلينسكي الحفاظ على صمود مواطنيه، الذين يواجهون الصقيع والعتمة وعزيمة حلفائه.

ويرى فيسينكو أنّ "على زيلينسكي الحفاظ على إرادة المجتمع بالمقاومة، و على دعم الغرب، لأنّ الشعور بالإنهاك جرّاء الحرب، هو تحدّ حقيقيّ".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم