الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"تل أبيب لا تحتاج إلى واشنطن"... هل يُطيح نتنياهو "الحلف المقدّس"؟

المصدر: "النهار"
جاد ح. فياض
جاد ح. فياض
رفع صورة لنتنياهو (أ ف ب).
رفع صورة لنتنياهو (أ ف ب).
A+ A-

ثمّة اعتقاد سائد يقول بأن وجود إسرائيل مصلحة دولية شرقية – غربية أساسية، وضمان استمرارها في الشرق الأوسط أولوية أميركية قصوى، وقد تكون حاجة المجتمع الدولي لإسرائيل الضمانة الوحيدة التي تحميها من الزوال في ظل الحروب اللامنتهية التي واجهتها، وتواجهها مع محيطها العربي وإيران. كما قد تكون هذه الحاجة أكثر إلحاحاً من حاجة إسرائيل نفسها للمجتمع الدولي وحمايته، نسبةً للمصالح الاقتصادية الضخمة ليهودها، ويهود العالم.

 لم يكن اختيار فلسطين لتكون أرضاً إسرائيلية خياراً عشوائياً، ولم يكن الخيار الوحيد أساساً، بل كان واحداً من مجموعة احتمالات توزّعت جغرافياً بين أفريقيا، أميركا اللاتينية وحدود الاتحاد السوفياتي حينها. بُني هذا الخيار على دراسات سياسية واقتصادية، نسبةً لأهمية منطقة الشرق الأوسط، وتحوّلت تل أبيب مع الوقت إلى مركز سياسي اقتصادي أمني يستقطب المصالح من كافة أرجاء العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة، والعودة إلى التاريخ هدفها التذكير بأهمية إسرائيل وموقعها بالنسبة للعالم ومصالحه في الشرق الأوسط.

 أدّت بريطانيا دوراً محورياً في حماية إسرائيل وتأمين مصالحها، وتدخّلت عسكرياً بوجه مصر لضمان أمنها، ولكن مع تراجع النفوذ البريطاني في العالم لمصلحة الولايات المتحدة، باتت واشنطن "عرّاب" إسرائيل والحامي الأول لها، لأسباب عديدة تخدم مصالح الطرفين، وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بمجموعات اللوبي الإسرائيلي الأشهر في الولايات المتحدة، منها "آيباك"، التي كان لها الدور الأبرز في تأمين مصلحة إسرائيل في دوائر القرار الأميركية.

 جمعت بين الطرفين علاقة "مقدّسة" لعقود، وكانت متميّزة واستثنائية لجهة التعاونين الأمني والاقتصادي، وبلغة الأرقام، تقدّم واشنطن مساعدات أمنية ضخمة لإسرائيل، وتندرج في ذلك مذكّرة التفاهم بقيمة 38 مليار دولار لعشر سنوات التي أُبرمت في عام 2016. وتوفر الولايات المتحدة بموجبها 3,3 مليارات دولار سنوياً من التمويل العسكري الأجنبي، بالإضافة إلى تقديمات أخرى، وفق الخارجية الأميركية. أما بالنسبة للعلاقات الاقتصادية والتجارية، فهي ترتكز على تجارة ثنائية سنوية تصل إلى نحو 50 مليار دولار من السلع والخدمات.

 شابت العلاقة توترات موضعية واختلافات في وجهات النظر بين الطرفين، وعلى سبيل المثال لا الحصر الرأي في الملف النووي أثناء محاولات واشنطن العودة إلى الاتفاق، لكن هذه الخلافات لم ترقَ إلى مستوى الأزمة الديبلوماسية أو ما شابه، بل حافظت العاصمتان على حُسن العلاقة الوطيدة، وبذلت الجهود لحلحلة كل ملف متوتر خلف الستائر لا في العلن، تفادياً لضعضعة صورة التحالف الوثيق.

 تحدّي الديموقراطية يواجه العلاقة الإسرائيلية الأميركية

إلّا أن هذه العلاقة تواجه تحدياً مفصلياً مع وصول ائتلاف بنيامين نتنياهو إلى الحكم، وبحسب مقال نشرته صحيفة "جيروزالم بوست"، فإن نتنياهو يتسبّب بـ"أضرار تراكمية" تؤذي العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، وبعدما أبدى الأميركيون قلقاً تجاه الفوضى الحاصلة في تل أبيب نتيجة الانتفاضة الشعبية على قرارات الحكومة حول "الإصلاح القضائي"، استدعت الخارجية الأميركية السفير الإسرائيلي في واشنطن للتعبير عن استيائها بسبب إلغاء الكنيست بنوداً في قانون الانفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة و4 مستوطنات في شمال الضفة الغربية، كانت تحظر على المستوطنين دخول نطاق المستوطنات الأربع.

 اعتبرت الولايات المتحدة قرار الحكومة الإسرائيلية يتعارض مع التزامات سابقة قدّمها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون لأميركا قبل 20 عاماً، كما رأت في الممارسات الإسرائيلية الأخيرة تهديداً للديموقراطية، وتندرج في هذا السياق التصريحات العنصرية التي يُطلقها وزراء حكومة نتنياهو بين كل آن وحين، وكان آخرها تصريح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش حول عدم الاعتراف بالفلسطينيين والأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى جزء من الأراضي الأردنية.

 وفي سياق اختلاف وجهات النظر الحاصل بين الطرفين وتأثيره على العلاقة الثنائية، لفتت الصحيفة العبرية نفسها إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يستضف نتنياهو في البيت الأبيض بعد عودة الأخير إلى الحكم، واقتصر التواصل على اتصال هاتفي أكد خلاله بايدن أن "القيم الديموقراطية كانت دائماً، ويجب أن تبقى، معياراً للعلاقة الأميركية الإسرائيلية"، في وقت تتصاعد فيه الأصوات في الكونغرس، المحذّرة من استمرار السياسات الإسرائيلية الحالية.

 في سياق متصل، نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين رسميين في الإدارة الأميركية قولهم إنهم كانوا على يقين بأن أزمةً ستحصل مع الحكومة الإسرائيلية في وقت ما، لكنهم حاولوا تأجيلها قدر الإمكان، وهم أبدوا قلقهم قبل أن تؤدّي الحكومة اليمين الدستورية، إلّا أن بايدن كان يرغب في تفادي التوتر مع إسرائيل، لا بل يريد العمل مع حكومة نتنياهو لمواجهة إيران وتوسيع رقعة اتفاقات أبراهام للتطبيع.

 ولا يتوقف التوتر عند هذا الحد، بل إن الإدارة الأميركية فكّرت علناً في مقاطعة زيارة سموترتيش للولايات المتحدة بعد تصريحه بشأن الفلسطينيين، لا بل فكّرت في عدم إصدار تأشيرة له، وفق ما نقل موقع "أكسيوس"، الذي لفت إلى استدعاء السفير الإسرائيلي في واشنطن، وقال إن آخر مرّة استُدعي فيها سفير إسرائيلي كانت في عام 2010، للاعتراض على بناء مستوطنة في القدس الشرقية، في إشارة إلى أن الاستدعاء أمر لا يحصل عادةً.

 حاجة إسرائيلية لأميركا لردع إيران

في الوقت نفسه، ورغم التوتر الحاصل بين الطرفين لخلفيات "ديموقراطية"، فإن المصالح الأميركية الإسرائيلية المشتركة أكبر من مجرّد توتر حصل في وقت سابق لأسباب مشابهة حينما اتُّخذت قرارات عديدة، أبرزها بناء مستوطنات في القدس الشرقية، وتم تخطيه حفاظاً على الأهداف المشتركة، أبرزها مواجهة إيران وبرنامجها النووي الذي يُقلق تل أبيب بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية طبعاً.

 ووفق "جيروزالم بوست"، فإن إسرائيل، التي تواجه مشروع إيران النووي، "ستحتاج إلى الدعم الأميركي، (الديبلوماسي وغير الديبلوماسي)، لمكافحة تطوّر البرنامج النووي واقتراب طهران من الوصول إلى القدرات النووية". ولا شك في أن المسار الإسرائيلي في هذه المواجهة يُنسّق مع الولايات المتحدة بعد فشل مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي، وحاجة كلّ من الطرفين إلى الآخر متبادلة.

 وفي هذا الإطار تندرج الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي لإسرائيل، وكانت إيران على رأس جدول أعمالها وفق تقارير إسرائيلية، والزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لتل أبيب أيضاً، بالإضافة إلى المناورة العسكرية كبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

 إسرائيل لا تحتاج إلى أميركا

لكن على المقلب الآخر، فإن للكاتب ستيفن كوك رأياً مغايراً، إذ رأى في مقاله في مجلّة "فورين بوليسي" الأميركية أن "الفكرة التي تقول أن إسرائيل بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة لتأمين وجودها، وأن البلدين يشتركان في مجموعة من المبادئ الديموقراطية لم تعد منطقية"، معتبراً أن إسرائيل باتت "آمنة" ولا تحتاج إلى من يحفظ وجودها.

 وإذ لفت الكاتب إلى أن فكرة خوض إسرائيل معركة دائمة من أجل البقاء أمرٌ مسلّم به في الخطاب الأميركي، رأى أن هذا السرد قديم، وإسرائيل في وضع استراتيجي أفضل من أي وقت مضى نسبةً لمعاهدات السلام مع مصر، الأردن، البحرين، المغرب، السودان والإمارات، بالإضافة إلى العلاقات غير الرسمية مع المملكة العربية السعودية وقطر، المصالحة مع تركيا بعد سنوات من الانفصال والاتفاق مع لبنان على ترسيم الحدود.

 إيران تُقلق إسرائيل... النووي يقابله نووي؟

أما بالنسبة للخطر الإيراني الذي لم يغب عن بال كاتب المقال، فقد أشار إلى أن طهران لا تزال تشكّل تحدّياً كبيراً لتل أبيب، التهديد حقيقي، لكن الإسرائيليين أثبتوا أنهم "بارعون" في مواجهته، وفي السنوات الأخيرة، قاموا بضرب الإيرانيين "كما يحلو لهم"، سواء في سوريا أو العراق أو إيران نفسها. وبحسب الكاتب، فإن القدرات الإيرانية "بالكاد قادرة" على التكافؤ مع نظيرتها الإسرائيلية.

 لكن المقال ذكر الخطر النووي الذي تمثّله إيران، وعدم قدرة إسرائيل على درء هذا الخطر وتدمير البرنامج النووي، وإن لم تتدخّل الولايات المتحدة، فمن المرجّح أن إسرائيل ستكون مضطرة للتعامل مع إيران النووية، وذلك من خلال سلاح نووي مُضاد. في هذا السياق، فإن تل أبيب تمتلك صواريخ نووية، وستكون في صدد تطوير هذا السلاح وزيادة عدد الصواريخ.

وفيما أكّد الكاتب مواجهة إسرائيل تحدّيات أمنية خارجية، لفت إلى أنها أكثر أماناً من أي وقت مضى، لديها جيش كبير ومتطور وقوي، إلى جانب قاعدة صناعية دفاعية عالية التقنية، كما أنها غنيّة (كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل نحو 52 ألف دولار في عام 2021)، وبالتالي هي في أمان، وقد ترغب واشنطن في الحفاظ على علاقاتها الدفاعية والأمنية مع تل أبيب، لكن السبب لا يمكن أن يكون أن إسرائيل معرضة للخطر، هذا ببساطة يتعارض مع الواقع الموضوعي، برأي الكاتب.

 الانتهاكات للديموقراطية ليست جديدة!

وعن الانتقادات التي تواجهها حكومة نتنياهو المرتبطة بالديموقراطية وحقوق الإنسان، وجب التذكير بالقرارات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة منذ زمن، والتي تميّز بين اليهود والعرب، فالسياسة الإسرائيلية سمحت للعرب بالوصول إلى الكنيست، ولكن ليس إلى الحكومة، باستثناء حكومة لابيد – بينيت التي تضمّنت وزيراً عربياً، كما أن إقرار "قانون الدولة القومية" الذي صنّف اليهود كمواطني درجة أولى والعرب كمواطني درجة ثانية يندرج في سياق التمييز أيضاً، إلى جانب عدم تكافؤ الفرص بين اليهود والعرب، وفق المقال.

 في المحصّلة، فإن "الديموقراطية" أبعد من أن تكون تهديداً حقيقياً لعلاقات وطيدة تخدم مصالح الطرفين الأمنية والاقتصادية، لكن في الوقت نفسه، فإن تحصينات إسرائيل السياسية من جهة، والعسكرية من جهة أخرى، تضمن بشكل أو بآخر أمنها دون الحاجة إلى واشنطن، فيما الأخيرة بحاجة إلى تل أبيب لمواجهة الخطر الإيراني، خصوصاً أن إسرائيل أخذت على عاتقها خوض هذه المواجهة منذ سنوات، فهل تتراجع هذه العلاقات، لتصبح تحالفاً طبيعياً مثل باقي الدول، بعكس ما كان الواقع في العقود الماضية؟

 [email protected]

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم