السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

غني يلتقي ببايدن... ما كُتب قد كُتب؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب).
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب).
A+ A-

يستقبل الرئيس الأميركيّ جو بايدن اليوم الرئيس الأفغانيّ أشرف غني ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنيّة عبدالله عبدالله. قرّر بايدن إنهاء الوجود الأميركي في تلك البلاد مع حلول الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول، وهو توقيت قد يكون الأمثل بالنسبة إلى حركة "طالبان" التي بات بإمكانها الادّعاء بأنّها انتصرت على الولايات المتحدة. حتى أنّ النائب الجمهوري مايك غالاغر وصف موظف البيت الأبيض الذي وضع هذا الموعد بـ "الأخرق" لأنّه أهدى "طالبان" ما سمّاه "انتصاراً دعائيّاً".

مع ذلك، هنالك سعيٌ أميركيّ لإنجاز القسم الأكبر من الانسحاب بحلول الرابع من تمّوز (يوم الاستقلال الأميركيّ)، وهو جدول زمنيّ طموح وضعه القادة العسكريّون منذ أشهر. قالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين بساكي إنّ الاجتماع سيؤكد التزام واشنطن "دعم الشعب الأفغاني، بما فيه الأقليات والفتيات والنساء الأفغانيّات". لكن قلة من المتابعين مقتنعة ببيانات كهذه.

 

تقدّم سريع جداً

بدأت "طالبان" تستعيد مساحات واسعة من الأراضي إذ سيطرت على 50 من أصل 370 إقليماً في أفغانستان منذ أيار الماضي. جاء هذا الاعتراف على لسان الموفد الأمميّ الخاص إلى أفغانستان ديبوراه ليونز. وقال ليونز لمجلس الأمن الدوليّ إنّ مقاتلي الحركة سيطروا على مناطق تحيط بعواصم هذه الأقاليم في إشارة إلى استعدادهم لمحاولة اقتحامها بعد الانسحاب النهائي للقوّات الأميركيّة. وفي حديث إلى شبكة "دويتشه فيله" الألمانية، قال الديبلوماسيّ الأفغانيّ السابق أحمدي سيدي إنّ مقاتلي طالبان قادرون على استعادة كابول لكنهم لا يريدون الاستيلاء على المدن الكبيرة في الوقت الحاليّ. وأضاف أنّ هؤلاء يعزّزون حضورهم حول المدن الكبيرة في المقاطعات للضغط على الحكومة. ووافقه في ذلك المحلّل الأمنيّ المقيم في كابول أسد الله نديم. من جهتها، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنّ طالبان ستسيطر على العاصمة الأفغانية خلال ستة أشهر. ولمفاقمة الأوضاع أكثر، حقّق عناصر "طالبان" مكاسب كبيرة في شمال البلاد في الأيام القليلة الماضية، بعيداً من معاقلهم الأساسيّة في الجنوب والشرق.

على العموم، تمكّنت الحركة من إحراز تقدّم سريع منذ أيّار. وفقاً للاتّفاق الذي وقّعته إدارة ترامب مع الحركة في الدوحة شهر شباط 2020، كان يُفترض بواشنطن سحب جميع قوّاتها بحلول الأوّل من أيار 2021. لم يلتزم بايدن بهذا الجدول الزمنيّ، فقام بتمديد الموعد النهائي حتى أيلول في خطوة أثارت تساؤلات. فبضعة أشهر إضافية ليست كافية لترسيخ الاستقرار أو لإلحاق الهزيمة بـ"طالبان"، لهذا السبب، بدت هذه المهلة الإضافيّة التي منحها بايدن لنفسه مجرّد إظهار للتباين مع سلفه. وأبدى بايدن منذ فترة طويلة تشكيكه بفائدة الحرب في أفغانستان لأنّه لم يؤيّد زيادة عدد القوات الأميركية في تلك البلاد والتي أمر بها الرئيس باراك أوباما منذ أكثر من عقد.

 

"عار وكارثة"... وضغط مثمر؟

يبدي المسؤولون الأفغان الحاليّون والسابقون تخوفاً كبيراً من المنحى الذي تسلكه التطوّرات. الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي قال إنّ الولايات المتحدة تنسحب من البلاد و"التطرف في ذروته اليوم". إنهم يتركون البلاد في حالة "عار وكارثة كاملين". شدّدت بساكي اليوم على أنّ واشنطن ستنسّق مع كابول لمنع وقوع البلاد تحت أيدي الإرهابيين مرة أخرى. لكنّ وزير الخارجية أنتوني بلينكن يقول إنّ خطر ظهور التنظيمات الإرهابية لا يزال حاضراً. فعلاوة على أنّ اقتحام "طالبان" لكابول سيكون مسألة وقت، يحذّر قادة عسكريّون أميركيّون من أنّ التنظيمات الإرهابيّة قد تعيد تجميع نفسها في أفغانستان خلال سنتين فقط. وذهب سياسيّون أبعد من ذلك، إذ توقّع كبير الجمهوريّين في لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية مايكل ماكول أن تسقط السفارة الأميركيّة في كابول. لكن يوم أمس الخميس، أبلغ مسؤولون أميركيّون وكالة "أسوشييتد برس" أنّ الإدارة قرّرت إبقاء حوالي 650 جندياً في أفغانستان من أجل توفير الأمن للديبلوماسيين بعد الانسحاب. قدرة هذا العدد الضئيل من الجنود في الوقوف أمام اجتياح "طالبان" ستبقى قيد المتابعة، إن لم يكن قيد التشكيك. من جهتها، أعلنت أوستراليا أنّها ستغلق سفارتها في كابول.

في الوقت الحاليّ، تعمد الإدارة تحت ضغط مشرّعين من الكونغرس وحتى من جنود أميركيّين إلى تسريع الإجراءات لإجلاء أقلّه بعض المترجمين الأفغان الذين عملوا على مساعدة القوّات الأميركيّة، خوفاً من أن يتعرّضوا للقتل على أيدي الحركة. ومن المتوقّع أن يتمّ نقل هؤلاء إلى دولة ثالثة. وحضّ الكونغرس الإدارة على إعطاء تأشيرات دخول لحوالي 18 ألف أفغانيّ قدّموا المساعدة لواشنطن، لكن ليس واضحاً عدد الأفغان الذين سيحصلون عليها كشرط لإجلائهم. رفض بايدن في البداية هذا المقترح قبل أن يقبل به لاحقاً بفعل ضغوطات من كلا الحزبين.

 

ماذا سيطلب غني وعبدالله؟

لا يوفّر الجنود الأميركيّون وحدهم ضمانة أمنيّة لكابول. سيشمل الانسحاب أيضاً حوالي 6 آلاف متعاقد أميركيّ. بحسب محلّل الشؤون الأمنيّة في شبكة "سي أن أن" بيتر بيرغن، تقوّض هذه الخطوة القوّات الجوّيّة الأفغانيّة التي تضمّ طيارين ذوي إمكانات كبيرة لكنّهم يعتمدون على المتعاقدين الأميركيّين لخدمة المروحيّات والطائرات التي قدّمتها الحكومة الأميركيّة. فمن دون هؤلاء المتعاقدين، ستتعطّل القوة الجوية الأفغانية وتفقد كابول ميزة عسكرية أساسية تجاه طالبان.

وسط هذه الفوضى ومع حزم بايدن قراره النهائيّ، ما الذي يمكن لغني الحصول عليه من زيارته البيت الأبيض؟ قد يكون الهدف مرتبطاً بهؤلاء المتعاقدين تحديداً. هذا ما يمكن استنتاجه من كلام المسؤولة البارزة في مجلس الأمن القومي في إدارة ترامب ليزا كورتيس، عبر حديثها إلى مجلّة "بوليتيكو": يمكن أن يؤثّر عليه غني لإيجاد طرق من أجل ترك المتعاقدين الأميركيّين هناك وإعطاء الأولوليّة لمواصلة الدعم الجوّيّ الأميركيّ للقوات الأفغانيّة. فمن دون الدعم الجوّيّ ستواجه تلك القوات على الأرجح معاناة كبيرة كي تمنع سقوط المزيد من الأراضي بين أيدي "طالبان".

هل يحقّق غني هذا الخرق الديبلوماسيّ فينتزع في اللحظات الأخيرة مكسباً قد يكون حيويّاً للحفاظ على العاصمة والمدن الكبيرة على الأقل؟ أم أنّه سيواجه الجواب المحتوم من بايدن؟ على الرغم من أنّ التوقّعات تصبّ في إطار عدم تراجع الرئيس الأميركيّ عن قراره، يبقى أنّ لغني وعبدالله الشيء القليل لخسارته في جميع الأحوال.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم