الجمعة - 17 أيار 2024

إعلان

"كوخم" الموقع المحصّن الألماني... قيمته 15 مليار مارك أيام الحرب الباردة

المصدر: "النهار"
"كوخم".
"كوخم".
A+ A-
بقيت بلدة كوخم لفترة طويلة تجهل وجود كنز مطمور تحتها، خبأت فيه ألمانيا في سرية تامة وبعيدًا عن أعين السوفيات أيّام الحرب الباردة، عملة بديلة أصدرتها تحسبا لأي ظروف طارئة.
 
أطلق في ذلك الحين على العملية اسم "بي بي كا 2" BBK II، وهو الاسم الذي اختاره البنك المركزي في الجمهورية الفدرالية الألمانية (المانيا الغربية) للعملة التي اختلقها من لا شيء وصنع منها مليون ورقة مالية خزنها في ملجأ مقاوم للأسلحة النووية.
 
تلتمع عينا بيترا رويتر حين تروي القصة التي تليق بروايات التجسّس، فتقول الستينية التي تملك اليوم الموقع المحصّن تحت الأرض البالغة مساحته 1500 متر مربّع، إنه بين 1964 و1988 "تم إيداع مبلغ لا يصدّق قدره 15 مليار مارك هنا".

فالتوتر الجيوسياسي بين الشرق والغرب كان في تلك الفترة في ذروته، والجميع يتساءل ماذا سيحصل إن تعرضت ألمانيا لهجوم على نظامها المالي. عندها سيكون من الممكن اللجوء إلى عملة الطوارئ "بي بي كا 2".

وأوضح رئيس فرع البنك المركزي الألماني "بوندسبنك" في مقاطعة راينلاند-بفالتس التي تقع فيها كوخم، بيرند كالتنهويزر أن "الخوف من أن يتم تسريب عملة زائفة عبر الستار الحديدي لتقويض اقتصاد ألمانيا الغربية" كان على الأرجح الدافع خلف هذه العملية الخارجة عن المألوف.

وأوضحت رويتر أنه في حال التعرض لهجوم، كان حكام المصارف المركزية يريدون التثبت من أنه سيكون في إمكانهم "توزيع أموال بديلة خلال أسبوعين في كل أنحاء الجمهورية".
لم يخطر لبيترا وزوجها عند شراء الموقع المحصّن عام 2016 أنه سيكتسي أهميّة جديدة على ضوء حوادث الساعة.
 
وتقول إنه منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا "يسألنا أشخاص من محيطنا إن كان هناك مكان لهم في حال الطوارئ في الموقع المحصن".

يتهيّأ لها اليوم أنها "عادت ستين عاماً إلى الوراء". فبين شبح حرب عالمية ثالثة والأخطار النووية، "المخاوف هي ذاتها".

خلف الباب الحديديّ الضخم، يستذكر زوار الملجأ العسكري أجواء الحرب الباردة، وهم يجوبون الممرات الطويلة وحجرات إزالة التلوث والمكاتب المجهزة بآلات التلغراف والهواتف القديمة ذات الأقراص الدوّارة.

وتحتوي القاعة الرئيسية على 12 خلية مغلقة بسياج حديديّ خزّنت فيها على مدى نحو 25 عاماً حوالى 18300 علبة كرتون مكدّسة حتّى السقف وتحتوي على ملايين الأوراق المالية من فئة 10 و20 و50 و100 مارك.

وكان وجه تلك الأوراق المالية مشابها تماما لوجه المارك المتداول في ذلك الحين، غير أن ظهرها يختلف تماما.

استغرق الأمر سنوات لتخزين هذه الثروة في الموقع المحصن وتطلّب مئات رحلات الشاحنات، بدون أن يتنبّه للأمر أحد، لا السكان ولا حتى جواسيس وزارة أمن الدولة "شتازي" في ألمانيا الشرقية.

وفي هذا السياق، كان البنك الاتحادي الألماني يملك تغطية مثالية، إذ كان المبنى الذي يؤوي الموقع المحصن، بحسب تعريفه الرسمي، مركزاً للتدريب الداخلي واستراحة لموظفيه، في حيّ سكنيّ من البلدة.

ووقع الاختيار على بلدة كوخم على مسافة مئة كلم من حدود بلجيكا ولوكسمبورغ، بسبب بعدها عن الستار الحديدي، ما يجعلها بمنأى عن الدبابات الروسية في حال حصول اجتياح.

كما توضح بيترا رويتر أن المبنى المشيّد على منحدر كان يتمتع بـ"قدرة أكبر على الصمود في حال وقوع هجوم نووي".

وقال رئيس البلدية السابق في كوخم، فولفغانغ لامبرتس: "ذهل مواطنو البلدة حين اكتشفوا هذا الكنز المخبأ منذ وقت طويل جداً قرب منازلهم".

ولا شكّ في أن عِبَر التاريخ كان لها دور في المشروع. فقد خطط النازيون خلال الحرب العالمية الثانية لعملية عرفت بعملية "بيرنهارد"، قضت بأن يصنع أسرى معسكرات الاعتقال أوراقا مالية مزورة من الجنيه الإسترليني بهدف إغراق إنكلترا بها.

وتمت طباعة 25 مليارًا من هذه العملة الموازية، إذا تم احتساب الاحتياطات المخزنة في البوندسبنك في فرانكفورت، وهو مبلغ يوازي نوعاً ما كتلة الأوراق المالية المتداولة عام 1963.

وفي نهاية المطاف، تم إتلاف المخزون وإحراقه بين 1988 و1989، سنة سقوط جدار برلين.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم