الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حلّ لأزمة أوكرانيا يرضي كلّ الأطراف؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
جندي روسي خلال مناورات عسكرية (أ ف ب).
جندي روسي خلال مناورات عسكرية (أ ف ب).
A+ A-

في وقت تتفاقم الأزمة على الحدود مع أوكرانيا، أقلّه بحسب وجهة النظر الأميركيّة التي تقول إنّ هجوماً روسياً على تلك البلاد قد يحدث خلال أسبوع إن لم يكن خلال أيام، تبدو آفاق الحلّ ضئيلة. السبب الرئيسي في ذلك هو مساواة أيّ تنازل من الأميركيين أو الروس بالهزيمة المعنويّة وهذا ما يتفاداه الطرفان بطبيعة الحال. مع ذلك، لم تخلُ وسائل الإعلام العالمية من مقترحات لخبراء في شؤون السياسة كما في شؤون الوساطات تجد في الخرق إمكانيّة متاحة إذا تمّ التخلّي عن بعض التصلّب في المواقف.

 

عن مصير أوكرانيا و"حفظ ماء الوجه"

الخبيرة في حل النزاعات غابريال ريفكيند انتقدت في صحيفة "الغارديان" الردّ الغربيّ على سياسات بوتين بسياسات مماثلة، أيّ بالقوّة على القوّة وبالتهديدات على التهديدات. وتوضح أنّ القوى العظمى تتعامل بريبة وعدوانيّة مع وجود قوى عظمى أخرى على حدودها. في هذا الإطار، تشير ريفكيند إلى أنّه يجب منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو أقلّه لمدة عشرة أعوام.

لم توضح سبب اختيار هذه الفترة الزمنية. ولم تذكر ما هي ضمانات عدم مطالبة روسيا بالمزيد من التنازلات المستقبلية في حال قبل الغرب بهذا الطلب. علماً أنّ الأخير، بحسب الأطلسيّين أنفسهم، يعدّ تدخّلاً في قرارات سياديّة للدول الراغبة بالانضمام إلى الناتو كما للدول الأعضاء فيه. علاوة على ذلك، كان انضمام أوكرانيا إلى الناتو مسألة معلّقة عمليّاً.

وانتقدت الكاتبة أيضاً سياسة الردع التي يتّبعها الغرب عبر تقديم مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا لأنّ الردع نفسه قد يصعّد الوضع. غير أنّ تقديم المساعدات العسكريّة، ومعظمها إن لم يكن كلّها دفاعيّ، يقترن عادة بتحسين الوضع التفاوضيّ للدول. في نهاية المطاف، هذا ما تفعله روسيا. هي لم تتقدّم بمطالبها منذ شهرين وسط أجواء من التهدئة، بل في خضمّ زيادة الحشود والتدريبات العسكريّة بالقرب من أوكرانيا، بصرف النظر عن نفيها شنّ أيّ اجتياح.

وفي موقف لافت، دعت ريفكيند الغرب إلى إعطاء بوتين "الفخور" إمكانيّة تخفيف التصعيد مع "حفظ ماء الوجه". لكنّ حفظ ماء الوجه هدف أساسيّ لطرفي الأزمة، ولم تقل الكاتبة كيف يمكن تحقيق هذا الهدف مع بايدن مثلاً الذي يهتمّ بتعزيز صورته كرئيس قويّ في الداخل الأميركيّ. عمليّاً، قد يكون الرئيس الأميركيّ والقادة الغربيّون أكثر اهتماماً بما يحفظ ماء الوجه. يعود ذلك إلى قوّة المعارضة في دولهم وإلى القيود الدستورية والانتخابية على سلطاتهم وفترات ولايتهم. بينما ليس لدى الرئيس الروسيّ الحجم نفسه من هذا الهاجس.

 

الحلّ يأتي في حزمة

يوافق غربيّون كثر على أنّ لدى روسيا مظالم محقّة ولو جزئيّاً. حتى سياسيّ يعدّ من "الصقور" تجاه موسكو مثل المستشار السابق لشؤون الأمن القومي جون بولتون يرى أنّ الناتو أخطأ لأنّه لم يعرف يوماً متى يوقف توسّعه شرقاً. من جهته، كتب الباحث البارز في "معهد كوينسي للحكم الرشيد" أناتول ليفن أنّ طرح فكرة استقبال أوكرانيا وجورجيا في صفوف الناتو شكّل من وجهة نظر روسيا استعداداً أطلسياً لضم دول ذات خلافات إقليمية معها ولطرد روسيا من قاعدتها البحرية في سيفاستوبول وجنوب القوقاز.

اقترح ليفن في مجلة "فورين بوليسي" توقيع الناتو ومنظمة الأمن الجماعي بقيادة روسيا معاهدة عدم اعتداء بين الطرفين تخفّض من نسبة الارتياب المتبادل واستغلال المخاوف الدولية لأغراض داخلية. ودعا إلى إعادة العلاقات الديبلوماسية بشكل كامل بين الناتو ومنظمة الأمن الجماعي كما بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا. يهدف ذلك إلى التفاوض حول اتفاقات جديدة بشأن الحد من التسلّح وحول ترتيبات اقتصاديّة تسمح للدول الخارجيّة بالتجارة الحرّة مع كلتا الكتلتين عوضاً عن إجبارها بخيارات حصرية لشركائها التجاريين. ودعا الكاتب أيضاً إلى تأسيس مجلس أوروبي للأمن يضم روسيا هدفه تفادي النزاعات وحلّها على معايير واقعية مشتركة ومحاربة الإرهاب.

شبك ليفن كلّ المصالح المشتركة بين روسيا والغرب كآليّة لإيجاد أكثر من أرضيّة مشتركة بين الطرفين. قد تشبه مقترحات ليفن، خصوصاً في شقّها الاقتصاديّ، المنطلقات الأساسيّة التي جعلت فرنسا وألمانيا تطويان صفحة الحرب العالمية الثانية مع تأسيس اتفاقية "المجموعة الأوروبية للصلب والفحم" التي باتت أهمّ ركن في تأسيس الاتحاد الأوروبي لاحقاً. لكن ماذا عن القضيّة الآنيّة أوكرانيا؟ بالنسبة إلى ليفن، الأمر بسيط. إنّ إعلان واشنطن بروكسل عدم نيّتهما إرسال قوات إلى أوكرانيا للدفاع عنها يعني أنّهما لا يمكنهما القبول بأوكرانيا كحليف.

 

جوهر الحلّ موجود؟

لقد طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مراراً الغرب بحسم موقفه لجهة قبول أو عدم قبول بلاده في الناتو. ربّما حان الوقت فعلاً كي يتّخذ الحلف قراره بهذا الشأن. لكنّ إقدامه على هذه الخطوة تحت ضغط من الروس سيشكّل انكساراً.

من جملة مقترحات حلّ تقدّما بها، طرح ألكسندر دينكين مساعد رئيس الوزراء الروسي الأسبق يوجين بريماكوف، وتوماس غراهام، كبير مديري برنامج روسيا في مجلس الأمن القوميّ بولاية بوش الابن، تجميداً لمسار ضمّ أوكرانيا إلى الحلف لفترة أطول من تلك التي اقترحتها ريفكيند. وكتبا في مجلّة "بوليتيكو" أنّ بإمكان فترة وقف الناتو توسّعه شرقاً أن تبلغ بين 20-25 عاماً، أو حتى سنة 2050، بما أنّ هذه الفترة طويلة بما يكفي حتى تتمكّن روسيا من التقدّم بالحدّ الأدنى من متطلّباتها الأمنيّة وقصيرة بما يكفي حتى تزعم الولايات المتحدة بصدق أنّها لم تتخلّ عن سياسة الباب المفتوح. ويرى الكاتبان أنّ على الطرفين إثبات إمكانيّة إيجاد طريقة مقبولة لكليهما توضح أنّ أوكرانيا لن تنضمّ إلى الناتو لسنوات، وربّما لعقود، وهو أمر سيعترف به مسؤولون أميركيّون وأطلسيّون في الكواليس الخاصة.

إذا كان الغرب معترفاً بواقع عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو في المدى المنظور، هل يكون حلّ الأزمة الحاليّة موجوداً فعلاً بانتظار العثور على "إخراج" يظهر كلا الطرفين مستفيدين منه؟ وهل بإمكان دعوات زيلينسكي المتكرّرة للتهدئة – بما يناقض التصوّرات الغربيّة لمسار الأزمة – أن تسهّل على الغرب مهمّة إيجاد هذا الإخراج؟

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم