الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

حين تشيد "إيكونوميست" بجهد إحياء اتفاق "زومبي" مع إيران

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
منشأة نووية إيرانية - "أ ف ب"
منشأة نووية إيرانية - "أ ف ب"
A+ A-

في مفارقة لافتة، وصفت مجلة "إيكونوميست" الاتفاق النووي الإيراني بـ"الزومبي" قبل أن تثني على إدارة بايدن لعملها على إحيائه. استوحت المجلّة التوصيف من شهادة الممثّل الأميركيّ الخاص للشأن الإيراني روبرت مالي أواخر أيار (مايو) الماضي حين قال أمام مجلس الشيوخ: "لا تستطيعون إحياء جثّة هامدة". مع ذلك، تصرّ المجلّة والإدارة وغيرهما على نفخ الروح فيها.

 

أشارت "إيكونوميست" في البداية إلى أنّ إدارة بايدن بدا وكأنها قررت منذ أربعة أشهر، أن يكون شهر شباط (فبراير) شهر الحسم بالنسبة إلى الاتفاق النووي، سلباً أم إيجاباً. لكنّ ذلك لم يحدث.

 

قال مسؤول بارز في الإدارة "إنّنا اعتقدنا أنّه، بحلول شباط (فبراير) أو أوائل آذار (مارس)، لن يستحقّ الاتفاق تخفيف العقوبات. لقد توصلنا إلى تقييم مختلف". ترى المجلّة عاملين مهمّين ساهما في تغيير الموقف الأميركيّ: عدم قدرة الإدارة على تحمّل سلسلة من "الدراما النوويّة" في أوكرانيا وكوريا الشمالية وإيران. ثانياً، لا ترى الإدارة بديلاً جيّداً للاتفاق المعاد إحياؤه أو "إحماؤه" كما تقول المجلّة مشيرة إلى أنّ الدليل يقترح فعلاً صحّة هذا الاعتقاد.

 

عن "السلوك المارق"

تعترف المجلّة بأنّ بنود الغروب كانت ستفقد الاتّفاق الأساسيّ فاعليّته حتى ولو التزم الإيرانيون به بعد انسحاب ترامب منه سنة 2018، وهم لم يلتزموا بذلك. وتضيف "الإيكونوميست" أنّه حتى لو تمّ إقناع الإيرانيين بتفكيك مخزون اليورانيوم، فبإمكانهم إعادة تجميعه بسرعة مضاعفة بفعل تحقيق الخبرة اللازمة. إنّ مراكمة إيران هذه الخبرة في فترة قصيرة وبمجرّد أن أرادت ذلك دليل مضادّ إلى أنّ الاتّفاق ليس بالفاعليّة التي رُوّج لها.

 

بحسب "الإيكونوميست"، لم يقتنع معارضو الاتفاق بأنّ "حملة الضغط الأقصى" فشلت في تحقيق أهدافها وساهمت في زيادة مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب كما جعلتها "حرة للانخراط في جميع أنواع سلوكيات الدولة المارقة خارج إطار خطة العمل الشاملة المشتركة".

 

نسيت المجلّة أنّ التوسّع الإيرانيّ في المنطقة بدأ قبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، بل حتى قبل مجيئه إلى الرئاسة. ما الذي فعلته إيران قبيل دخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ؟ احتجاز جنود أميركيين وإذلالهم. كلّ ما فعله الاتفاق النوويّ هو تسهيل عمليّة الانفلاش الإيرانيّ في الشرق الأوسط عبر تمويله. نقطة أخرى نسيتها المجلّة البريطانية نفسها: غالبية التصعيد الإيرانيّ في الملفّ النوويّ حصلت في ولاية بايدن لا ترامب.

 

الجمهوريّون "يسيّسون" الملف؟

تكتب "الإيكونوميست" أنّ الجمهوريين في مجلس الشيوخ أعدّوا مشاريع قوانين من أجل "إعادة تسييس" هذه القضيّة. كلمة "تسييس" بالنسبة إلى مسألة تقع في صلب السياسة الخارجيّة والأمن القوميّ الأميركيّين فضفاضة. حتى ولو كانت "التحزّبيّة" هي المقصود كما توضح أمثلة المجلّة، يبقى أنّ هنالك ملاحظتين بالحدّ الأدنى على هذا التحليل.

 

تشير الأولى إلى أنّ الطرفين يعتمدان ولو بشكل متفاوت على مقاربة الملفّات من زاوية حزبيّة ضيّقة. والإدارة الديموقراطية الحالية تريد إحياء الاتفاق لأنّه يمثّل إرثها الخاص بصرف النظر عن موجبات إحيائه الواقعيّة. الملاحظة الثانية هي أنّ حجم الديموقراطيين المعارضين للاتفاق في مجلس الشيوخ وازن أيضاً، ولعلّ رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز أبرز مثل على ذلك. في الواقع، انضمّ 16 سيناتوراً ديموقراطياً إلى بعض جهود الجمهوريين في تقييد إدارة بايدن على التواصل مع إيران.

 

وتقول المجلّة إنّ الجمهوريّين يرون في القضيّة فوزاً مهماً كانت نتيجتها: إنّ الفشل في إعادة إحياء الاتفاق سيجعل إدارة بايدن تبدو غير فعّالة. وإن نجحت في إحيائه فستكون الإدارة قد ألزمت نفسها بنسخة أضعف من الاتفاق الأساسي، كما سيكون الرئيس الأميركي جو بايدن مضطراً لتقديم المزيد من التنازلات بالمقارنة مع ما فعله أوباما.

 

بصرف النظر عن الاستفادة السياسية للجمهوريين، لم تظهر المجلّة مكامن الخطأ في هذا التحليل. في الواقع، إنّ الإدارة هي التي وضعت نفسها وسط هذه المعضلة. خلال حملته الانتخابية، تحدّث بايدن عن طريقة "ذكيّة" في التعامل بقوّة مع إيران قائلاً إنّه سيعود إلى الاتفاق ثمّ يستخدم تلك العودة كمنصّة للتوصل إلى اتفاق "أطول وأقوى" لاحقاً. ما سيتوصّل إليه بايدن، لو نجح في ذلك، هو نقيض وعده تماماً. إنّه اتفاق أضعف يشكّل نهاية الطريق للتفاوض بين الطرفين لا بداية للمنصّة الجديدة الموعودة. في الواقع، يرى البعض أنّ إيران هي التي تمارس اليوم، وبفعل سياسات بايدن، حملة ضغط أقصى على واشنطن. أمّا أن يستفيد حزب معارض من خطأ للحزب الحاكم فهو أبسط بديهيّات التنافس السياسيّ.

 

"خطة باء"؟

تؤكد المجلّة أن "لا خطة باء" في حال سقط الاتفاق، وأنّه لا يمكن احتواء البرنامج النووي الإيراني إلّا من خلال العودة إلى الاتفاق مهما كان ضعيفاً. في نهاية المطاف، إنّ فترة خرق نوويّ بستة أشهر تظلّ أفضل من فترة لا تتخطى بضعة أسابيع، بحسب تحليلها.

 

في ما يتعلّق بالشق الأوّل، يفتقد التقييم للدقّة. بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود الاتفاق النووي، يبقى برنامج إيران محكوماً بـ"معاهدة الحدّ من الانتشار". والفترة التي تحتاجها لتحقيق الخرق النووي "ليست علماً دقيقاً"، بل مبنيّة على تقديرات متفاوتة تتراوح بين حاجة إيران إلى أسابيع لتحقيق هدفها وأخرى تقول إنّها أنجزت معظم الأعمال اللازمة لصناعة سلاح نوويّ وليس فقط تجميع ما يكفي من المواد الانشطارية.

 

مع وضع كل نقاط الضعف التي تعتري الاتفاق الأساسي أو المقبل، ثمّة مشكلة في تشجيع بايدن على هذه الخطوة في الوقت الحالي. كشفت الاستخبارات الأميركيّة مؤخّراً أنّ إيران حاولت قرصنة مستشفى أميركيّ للأطفال. أن يكافئ بايدن إيران بالعودة إلى اتفاق ضعيف على وقع هذا الخبر لن يكون فكرة سديدة.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم