الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

بيلوسي في تايوان وسط توقيت حساس للصين وأميركا

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ورئيسة تايوان تساي إينغ-ون (3 آب 2022 - أ ف ب).
رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ورئيسة تايوان تساي إينغ-ون (3 آب 2022 - أ ف ب).
A+ A-

ازدادت التوترات العسكرية بشكل متسارع خلال اليومين الماضيين في مضيق تايوان بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى الجزيرة والتي وصفتها الصين بـ"الخطيرة للغاية". وقالت وزارة الدفاع التايوانية الثلاثاء إنّ جيشها "يقوم بأنشطة جوية وبحرية بالقرب من تايوان ولديه القدرة على الدفاع عن الأمن الوطني". وذكرت الوزارة أنّ "جيشها يراقب الموقف عن كثب، وقد عزز مستوى التأهب وسوف يتفاعل في الوقت المناسب وبشكل مناسب".

 

بعد وصول بيلوسي إلى تايوان، أكد الناطق باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي أنّ الزيارة كانت متماشية مع سياسة "الصين الواحدة" التي تتبعها الولايات المتحدة قائلاً إنّه ما من سبب لتحفّز هذه الزيارة أيّ صراع أو أزمة. لكنّه أضاف أنّ بلاده "لن تخضع للتهديد" الصيني. وحلّقت الطائرات الحربية الصينية بالقرب من الخط الفاصل فوق مضيق تايوان قبل وصولها. من جهتها، قالت تايبيه إنّ الصين اخترقت مجالها الجوي الدفاعي أكثر من عشرين مرة يوم الثلاثاء. وأعلنت وزارة الدفاع الصينية أنّ الجيش الصينيّ وُضع في حال تأهّب قصوى وسيشنّ "عمليات عسكرية محددة الهدف". وأعلن الجيش الصيني عن تدريبات جوية وبحرية مشتركة بالقرب من تايوان تبدأ مساء الثلاثاء وتستمرّ حتى الأحد.

 

بيلوسي مصرّة

قبيل وصولها إلى تايبيه، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقال رأي لبيلوسي دافعت فيه عن زيارتها تايوان مشيدة بالتزامها الديموقراطية بينما انتقدت الصين لزيادة التوترات مع الجزيرة. وكتبت أنّه "يجب أن يُنظر إلى زيارة وفد الكونغرس على أنها تصريح لا لبس فيه بأنّ أميركا تقف إلى جانب تايوان". وذكّرت بقانون العلاقات مع تايوان الذي أقرّه الكونغرس قبل 43 عاماً حين "تعهدت (واشنطن) رسمياً" بدعم الدفاع عن تايوان التي وصفتها بـ"جزيرة الصمود". وبعد وصولها إلى تايبيه، قالت بيلوسي إنها أتت "بسلام إلى المنطقة" وإنها أرادت زيادة التبادلات البرلمانية بين واشنطن وتايبيه لافتة إلى أنّ تايوان هي "واحدة من أكثر المجتمعات حرية في العالم".

 

وحذّر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الثلاثاء من أنّ الولايات المتحدة ستفعل كلّ ما هو ضروريّ لحماية مصالحها داعياً الصين إلى "التفكير ملياً" بشأن تصعيد الوضع. وأشار بيان صيني الخميس الماضي إلى أنّ المكالمة التي أجراها الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ تضمّنت تحذيراً صينياً واضحاً للأميركيين بـ"عدم اللعب بالنار" في قضيّة تايوان. التحذير نفسه كرّره في الساعات الماضية وزير الخارجية الصيني وانغ يي.

 

ولبيلوسي مواقف منتقدة لبيجينغ منذ فترة طويلة. هي زارت الصين سنة 1991 ورفعت مع نائبين شعاراً وجّه تحيّة إلى أرواح من سقطوا في ساحة تيانانمين التي شهدت مواجهات بين السلطات الصينية ومجموعة من الطلاب قبل عامين من تلك الزيارة. وفي 2009، ألقت كلمة في مبنى الكابيتول بمناسبة مرور عشرين عاماً على تلك التظاهرات. أمّا اليوم، فهي أوّل رئيسة للمجلس النيابي تزور تايوان بعد ربع قرن على زيارة رئيسه الأسبق الجمهوري نيوت غينغريتش الجزيرة. وأعادت بيلوسي تأكيد وقوف الولايات المتحدة إلى جانب تايوان خلال لقائها برئيسة الجزيرة تساي إينغ-ون. وقالت إنّ عزم واشنطن على الحفاظ على الديموقراطية في تايوان وبقية العالم لا يلين.

 

ضغط على الصين في ظرف حساس

بيد أنّ توجّهها إلى تايوان في هذا التوقيت أثار علامات استفهام كثيرة ليس أقلّها أنّها قبلت بالمخاطرة السياسية والأمنية بعدما تبدّلت موازين القوى بشكل كبير منذ سنة 1997. حينها أيضاً أطلقت بيجينغ مناورات عسكرية تحذيرية لكنّ الحسابات الصينيّة قد تتبدّل اليوم بالتناسب مع تبدّل موازين القوى. من جهة ثانية، كان غينغريتش يزور تايوان بصفة شخصيّة، وما سهّل أكثر مثل هذا الانطباع هو أنّه كان يمثّل حزباً معارضاً للرئيس الأسبق آنذاك بيل كلينتون. انتماء بيلوسي حزب الرئيس نفسه اليوم يصعّب هذه المهمّة.

 

إلى جانب ذلك، أتت الزيارة قبل المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في الخريف المقبل الذي يتوقع أن ينتخب شي لولاية ثالثة. لا يستطيع شي أن يبدو ضعيفاً أو متراجعاً أمام الأميركيين في هذه الفترة. حدّد الحزب الشيوعي مدّة حكم الرئيس الصينيّ بولايتين كي يظلّ خاضعاً للمساءلة الداخلية. مع التعديل الجديد، سيزداد الضغط على شي كي يبرّر تولّيه الرئاسة لولاية ثالثة طالما أنّه "لا يستطيع الدفاع عن وحدة أراضي الصين". ومع تباطؤ الاقتصاد الصينيّ، قد يستخدم شي "الورقة القومية" للتغطية على هذه المشكلة ممّا يزيد التوتّرات وربّما التصعيد. علاوة على ذلك، كان شي أوضح من أسلافه في قضيّة إعادة ضمّ تايوان إلى الوطن الأم.

 

أميركا والانتخابات النصفية

الولايات المتحدة على موعد كذلك مع استحقاق داخلي كبير. الانتخابات النصفيّة في الخريف أيضاً وتظهر استطلاعات الرأي أنّ الديموقراطيين سيخسرون فيها واحداً من المجلسين على الأقل. ربّما تُصرف زيارة بيلوسي في تعزيز مكانة الديموقراطيين الشعبية عبر إظهار أنّهم "لم يخضعوا لتهديدات الصين" وعبر تكذيب نظريّة الجمهوريين عن "ضعف" بايدن وحزبه في القضايا الخارجية.

 

ورأى المستشار الأسبق لشؤون الأمن القومي جون بولتون أنّ "سياسة بايدن الخارجية تتلخص في كلمة واحدة: الضعف". ووصف في مقال إدارته بأنّها "متردّدة وخانعة وغير منتظمة" مع الصين وروسيا وإيران.

 

وكان بايدن قد أعلن قبل الزيارة ردّاً على سؤال أحد المراسلين بشأن الزيارة أنّ "الجيش الأميركيّ لا يرى أنّها فكرة جيّدة الآن". بذلك، وجّه بايدن أيضاً رسالة ضعف إلى الصين على ما أشارت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال" الشهر الماضي كاتبة أنّ بايدن صعّب الزيارة على بيلوسي. لكنّه بالمقابل لا يستطيع أن يملي على رئيس سلطة تشريعيّة مستقلّة الخطوات التي ينبغي عليها اتّخاذها على ما أوضحته وسائل إعلامية أميركية.

 

وتعرّضت شعبيّة بايدن لضرر كبير منذ أدار بطريقة سيئة انسحاب قوّاته من أفغانستان الذي انتهى بعودة "طالبان" إلى الحكم وبمقتل 13 جندياً أميركياً بعد هجوم إرهابي استهدف المطار خلال عمليات الإجلاء. ربّما تعيد زيارة بيلوسي تايوان واغتيال زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري بعضاً من شعبيّة الإدارة.

 

خسارة دوليّة؟

في مقابل ارتفاع محتمل لهذه الشعبية، سيتعيّن على الإدارة تقييم ما يمكن أن تخسره على المستوى الدوليّ. وسط الانشغال بالحرب في أوكرانيا، لم تكن واشنطن بحاجة إلى استعداء الصين التي أبقت على موقف شبه محايد من الحرب هناك، إذا تمّ استثناء الموقف الإعلامي أو شرائها النفط بأسعار مخفّضة كما تفعل دول حليفة أخرى مثل الهند. بعد الزيارة، من غير المستبعد أن تنخرط الصين أكثر في دعم روسيا وإن لم تكن هذه الخطوة محسومة بالنظر إلى امتلاك بيجينغ علاقات مع كييف أيضاً.

 

وقد تسرّع الزيارة لجوء الصين إلى القوّة لضمّ الجزيرة. بعدما كانت التقييمات الأميركية ترجّح حصول مثل هذا الحدث بين 2025 و 2035، ربّما يتقلّص الجدول الزمنيّ إلى 18 شهراً كما ذكرت "بلومبيرغ" و"نيويورك تايمس". الأكيد أنّ العلاقات بين الصين والولايات المتحدة لن تكون بعد الزيارة كما قبلها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم