الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

تجارب من سويسرا لمكافحة التغيّر المناخي: "الشرق الأوسط يستطيع" (صور وفيديو)

المصدر: سويسرا- "النهار"
بتول بزي
بتول بزي
مبنى البرلمان الفديرالي السويسري في مدينة بيرن السويسرية ("النهار").
مبنى البرلمان الفديرالي السويسري في مدينة بيرن السويسرية ("النهار").
A+ A-
لا يعكس مناخ سويسرا البارد حرارة الحدود المجاورة. تشتعل الجبهة الشرقية من أوروبا منذ أسبوع، فيما تستقبل أوروبا الغربية زوّارها بهدوء، في رحلة تعريفيّة بمعالم الدولة السويسريّة ومدنها الكبرى، بدعوة من الجناح السويسري في "إكسبو 2020 دبي".
 
زويريخ، مدينة المال والحضارة والتاريخ، تتطلّع إلى مستقبل مستدام، كتجربة ناجحة في مجال التمويل المستدام ومكافحة التغيّر المناخي، بعدما صُنِّفت سويسرا في العام 2017 واحدة من أفضل خمس دول تحقق أهداف التنمية المستدامة المدرجة لدى الأمم المتحدة.

من زويريخ إلى دبي، تميّز الجناح السويسري في "إكسبو 2020 " بنقل تجربة التنمية المستدامة إلى زوّاره العرب وغير العرب. اختزل الجناح أهداف الدولة كمركز ماليّ مبتكر ومستدام ضمن نشاطات عديدة، وآخرها سيُعقَد في 23 آذار الجاري، بمشاركة وزير المال السويسري.
 
(الجناح السويسري في "إكسبو 2020 دبي")

التمويل المستدام في سويسرا

تمثّل سويسرا اليوم مركزاً ماليّاً رائداً عالمياً، يجمع بين الأمن والاستقرار والانفتاح على الابتكار والتقنيات الجديدة؛ وهذا ما تسعى سويسرا إلى تسويقه في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضمن فعالية "شهر المياه والتمويل المستدام".

في مبنى الدولة السويسرية للشؤون المالية الدولية في مدينة بيرن، يعرض كريستوف بومان، رئيس الفريق المعني بالتمويل المستدام في أمانة التمويل الدولي في زويريخ، للحاضرين أهداف التمويل المستدام، الذي يرتكز على "ضرورة جذب الأسواق والشركات وتوجيهها نحو استثمارات جديدة، بارتباط مباشر مع استراتيجيات مكافحة التغيّر المناخي في العالم".
 
(مبنى الدولة السويسرية للشؤون المالية الدولية في مدينة بيرن)

نحجت سويسرا في التخفيف من آثار تغيّر المناخ عبر تقنيات إزالة الكربون، وصولاً إلى إزالة الانبعاثات السلبية للطاقة في المستقبل.
نسأل بومان عن مدى قدرة لبنان على المساهمة في وضع خطط لتنمية مستدامة ومكافحة التغيّر المناخي، فيؤكّد أن الأمر ليس مستحيلاً، بل يجده فرصة لدول صغيرة كلبنان "لإيجاد طريق مثاليّة لجعل تغيّر المناخ فرصة لهم، وليس مجرد تكلفة إضافية تُثقل خزينتهم، بل من الممكن مساعدة اقتصادهم على النموّ وجذب الاستثمارات".

تعميم التجربة السويسرية الناجحة تبدو صعبة التحقّق في لبنان حالياً. فبحسب بومان، "لا يُتوقّع من كلّ دولة اعتماد أساليب التمويل المستدام نفسها أو تحقيق أهدافها، إلّا أنّ ذلك لا يعني عدم القدرة على خلق إطار ممكن للتكيّف مع واقع البلد". وهذا ما يشرحه بومان لـ"النهار"، معتبراً أنّ "نجاح الدول بالتمويل المستدام وقضايا التغيّر المناخي يعتمد بشكل رئيسيّ على إمكانية الدولة الاستفادة من التحوّل العالمي، كبناء الطاقة الشمسيّة مثلاً، وإعادة التركيز على كيفيّة الاستفادة من التغيّر المناخيّ اقتصادياً".
 
(مشهد من مدينة بيرن مقابل مبنى البرلمان الفيدرالي السويسري)

يُخلّف التغيّر المناخي على مدى السنوات آثاراً جمّة على اقتصاد الدول وأسواقها المالية، ممّا يتطلّب إعادة منهجيّة لأساليبها، للعبور نحو مستقبل أفضل ومستدام. وهذا ما تطرحه التجربة السويسرية بشأن كيفيّة وضع خطط انتقاليّة للبلدان الكبيرة تداركاً لتأثير تغيّر المناخ على اقتصادها، وخلق فرص لاستثمار الأموال في المناخ ضمن نظام بيئي مستدام أيضاً، سعياً إلى تخفيف الأثر الاجتماعي وإعادة بناء الشركات المتأثّرة بهذه التغيّرات بحلول العام 2025، كرؤية للحكومة الفدرالية السويسرية، بمساعدة منظمات غير حكومية وجامعات عديدة متخصّصة في تجارب تغيّر المناخ.

تجارب علمية لمكافحة التغيّر المناخ

تُعرف زويريخ بإحدى أهمّ جامعاتها المتخصّصة بالأبحاث، وهي جامعة ETH: "المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا"، التي تضمّ "مختبر زويريخ للهيدرولوجيا وعلم الجليد"، وتتعاون مع متخصّصين وعلماء في مجال التغيّر المناخي لإنجاز تجارب عدّة، تفتح المجال أمام فهم أكبر لأسباب التغيّر المناخي وأطر معالجته.
 
(جامعة ETH في زويريخ)

خلال جولة للبروفيسور روبورت بوس، المتخصّص في علم الهيدرولوجيا، داخل المختبر، يشرح لـ"النهار" أهم التجارب التي أجراها الباحثون في الأعوام الأخيرة، وترتكز على مختلف أشكال التغيّر المناخي وأسبابها وأساليب معالجتها، ومنها دراسة خطر الفيضانات في البحار والخطر الهيدروليكي، اللذان يعدّان من أهمّ أوجه التغيّر المناخيّ في القرن الحالي، عدا عن اعتماد الطاقة الكهرومائية المتجدّدة ونقل الموادّ الصّلبة؛ وهي تجارب حيّة أجرتها الجامعة في دول عدّة حول العالم، كلّ بحسب طبيعة المكان والخطر الأكبر للموارد الطبيعيّة لديها. من هذه الدول: إنكلترا، غرينلاد، باكستان، ماليزيا، تايوان والولايات المتحدة. أمّا في أثيوبيا، فتجري الجامعة اليوم تجارب متخصّصة حول الخطر الهيدروليكي للأنهر، مع قياس حجم النهر وسعته، ودراسة تدفّق الأمواج هناك وقوّتها.
 
 
(تجارب حيّة لأساليب مكافحة تغيّر المناخ في مختبر جامعة ETH في زويريخ)
 

يذكر بوس أنّ الجائحة، بالرغم من تبعاتها الصحيّة، التي أتت مدمّرة لشعوب ودول عدّة، شكّلت نفحة لرئة الأرض لتتنفّس من جديد مع الانقطاع المفاجئ الذي حدث حول العالم، خلال هذين العامين، ولوقت طويل نسبيّاً. ويواجه العالم تحدّيات أساسية، تدخل ضمن أولويّات الجامعة في العام 2022 إلى 2025 لدراستها وإجراء التجارب الحيّة والمخبريّة عليها، وتنقسم ما بين حماية الموارد المائيّة والانتقال إلى الطاقة البديلة. وهي: البنية التحتية الهيدروليكية، حماية المناخ، انتقال الطاقة، إدارة الرواسب والتكيّف مع تغيّر المناخ.

لا يغفل الباحثون أيضاً عن أثار التغيّر المناخي على التطور التكنولوجي، ممّا يستدعي إعادة توجيه النفقات المالية نحو الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا، إضافة إلى الآثار طويلة الأمد على قطاعي النقل والمال.
وقد لحظ الباحثون زيادة الاستثمار في البنى التحتية في أوروبا بين 30 و40 في المئة في السنوات الأخيرة، عبر الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجدّدة، كحلول بديلة ومتطوّرة للتخفيف من تبعات الأزمة العالميّة. كذلك اعتمدت مصارف عديدة، بين الأعوام 2006 و2015، محطات الطاقة المتجدّدة بدلاً من أساليب الاتصالات التي كانت معتمدة مسبقاً.
 

وإزاء اتّساع الفجوة بين الدول في قدرتها على مكافحة التغيّر المناخي، تتطلّع سويسراً إلى مؤتمر "كوب 28" كمحطة مهمّة جدّاً بالنسبة لها لطرح استراتيجيات جديدة، وإشراك الشرق الأوسط في وضع خطط جديدة ومستدامة، في ظلّ ما تواجهه البلدان العربية من أزمات متلاحقة ومستمرّة.
وسيُعقد المؤتمر في الإمارات، انسجاماً مع استراتيجيّتها، كأوّل دولة في الخليج العربيّ وغرب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستصل إلى الحياد الكربوني، أي ما يعرف بـ"صفر كربون"، في العام 2050، علّها تكون أحد النماذج العربية الرائدة في مجال مكافحة التغيّر المناخيّ إلى جانب النموذج السويسريّ.
 

 
(تجارب حيّة لأساليب مكافحة المناخ في مختبر جامعة ETH في زويريخ)
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم